منذ أن تسلم الرئيس الأميركي السابق أوباما مقاليد الرئاسة والناس «تتغنى» بالسلام وكان يملؤهم التفاؤل بأن العصر القادم هو عصر إنهاء الحروب وبداية الحرية وغيرها من الشعارات الملونة. مرّت ثمانية أعوام أعتبرها من أسوأ أعوام المحيط العربي والإسلامي من حيث الإنجازات والحريات، بل تعدت إلى أسوأ من ذلك وأصبحت غارقة بالحروب والويلات والتشرد والتفكك والقتل والتهجير وما خفي كان أعظم. إن العقلية البشرية المنقادة التي تسلم عقولها وتفكيرها للشعارات والتصريحات قبل الأفعال هي قطعاً ستندم في المستقبل، لأن كل الكُتاب الذين كانوا يكتبون ويمجدون عهد أوباما في أول رئاسته هم أنفسهم الذين كتبوا مقالات النقد والسخط منه. إن الكُتاب الذين يكتبون بسلبية عن أوطانهم في كل شاردة وواردة وفي كل مناسبة ومن دون مناسبة ومن غير استراتيجية واضحة أو دلائل دامغة إنما هم كالذي يقوده الراعي إلى الماء والعشب. كتبت في هذه الصحيفة في تاريخ 14 تموز (يوليو) 2016 مقالة بعنوان: «نيران صديقة فاطمئن»، ملخصها أنه عندما تحدث منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية السابق وقال: «إن الولاياتالمتحدة لا تعتبر الحوثيين منظمة إرهابية»، وأيضاً تقرير الأممالمتحدة الذي وضع التحالف العربي في القائمة السوداء، وكنت بينت أن كل ما يحدث من عدم تطابق مع وجهات النظر الأميركية إنما هي «نيران صديقة فاطمئن» وبالأدلة التاريخية، وأن إدارة أوباما حقبة للنسيان، وأن القادم سيصحح الخطأ. كتبت ذلك عندما لفت انتباهي مقالات كُتاب لهم ثقل اجتماعي ولديهم فكر ثقافي عال يكتبون عن انهيار العلاقات الخليجية مع الولاياتالمتحدة، وأن داعش والحشد الشعبي وغيره من مسميات القتل والدم تعد العدة في الشمال والجنوب لاحتلال أرض الحرمين، لأن الولاياتالمتحدة تخلت عن دول الخليج العربي، وكأن دول الخليج «كانتونات» أو مخيمات أو غابة أو لقمة سائغة لكل جائع، وجاء الرد في العهد الأميركي الجديد في تسمية إدارة ترمب سبع دول ممنوعة من دخول أميركا لا توجد ولا دولة خليجية منها، وكشف مسؤول الأمن الداخلي الأميركي جون كيلي أن قوة جهاز التحقيق السعودي ونظامه وكذا التعاون الجيد والتنسيق المحكم للمملكة مع الأجهزة الأميركية كانت أسبابا كافية لعدم إدراج رعاياها على قائمة الممنوعين من السفر إلى الولاياتالمتحدة. بل تعدى ما هو أكثر من ذلك، إذ يرى بعض الكُتاب أن إيران انتصرت في إعلانها أن دمشق وعدن وبيروت وبغداد عواصم لها، وأن الدور السعودي منخفض التمثيل والكثير الكثير من الأحداث حتى شاهدنا الرئيس الإيراني روحاني يهرول للكويت ومسقط ويعلن القبول بحوار من دون شرط لتهدئة الأجواء المشحونة بين إيران والدول الخليجية. وشاهدنا وسمعنا الأحزاب الإرهابية من حزب حسن نصرالله إلى جماعة الحوثي ومن الحشد إلى داعش الكل كان يرفع السبابة تهديداً ووعيداً على الخليج، وأن نصرهم قادم عبر أكاذيب سخيفة وبين صواريخ من كتب «ألف ليلة وليلة»، وكنا نقرأ مقالات عن الدب الروسي وأنه تمكن من الظهور مجدداً وألا حل من دون موافقة روسية في سورية، كما تهافت الكُتاب على تمجيد وإعادة الإمبراطورية السوفياتية وكأنه رجع الحال بنا إلى ما قبل عام 1990. ولكن ومن أول تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الذي أعلن عن توقع الرئيس الأميركي ترمب إرجاع جزيرة القرم إلى أوكرانيا بدأت عاصفة من التصريحات الروسية ونقل المعركة من الشرق الأوسط إلى الشرق الأوربي، وخفّت اللهجة الروسية تجاه سورية وبدأت تأمل وتتأمل من إدارة ترمب العمل معها في سورية ومشاركتها القرارات بعد ما كانت قرارات روسيا في سورية أحادية الجانب. والآن، نرى نتائج خذلان تلك المعسكرات لنفسها أولاً ولشعوبها وللمنطقة، إذ لم يتمكنوا من «خلق ذبابة ولو يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه ضعف الطالب والمطلوب». إن السياسة السعودية تقوم على مبادئ وأنظمة ودراسات استراتيجية واقعية بعيدة عن مشاحنات ومطاحنات ورفع الأصوات وردود الأفعال غير المحسوبة، التي لا تأتي لصاحبها بالناتج المروّج له، كما أن السياسة السعودية سياسة مسؤولة يعتمد عليها في العالم، فهي ينظر إليها ليس كبلد عادي إنما بلد حام للحرمين الشريفين ومهد الرسالة وداعم لأشقائه العرب والمسلمين الأوفياء. إن الانسياق وراء الشعارات والكتابات السلبية من دون تحليل واضح لعناصر القوى الوطنية لأية دولة لا شك أنه انسياق خاطئ يفضي إلى نتيجة خاطئة حتى وإن كانت الشعارات والمقالات من شخص مشهور وكاتب مرموق يجب التريث وإعطاء مساحة للتفكر والتفكير، فكما أن العالم يحظى بالشرفاء الواثقين بربهم ثم بدولتهم وحكومتهم إلا أنه مليء بالخونة والعملاء والحاقدين. ينتظر العرب في القمة العربية التي ستنعقد في 29 آذار (مارس) في المملكة الأردنية الهاشمية الكثير والكثير من التحديات على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، فالأردن البلد المواجه لثلاث حدود ملتهبة من الصراعات والأعمال الإرهابية هو نفسه الذي يضم الكثير من اللاجئين على أرضه في الشمال والشرق، والذين يمثلون خطراً على المستوى الاقتصادي بغض النظر عن الواجب الإنساني الذي لا نختلف عليه. في استقرائي أن الدول العربية أمام مفترق طرق استراتيجي في هذه القمة، فإن استطاعوا أن يجتمعوا على مسودة قرار موحدة لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في سورية والعراق ولبنان فإن الدول الغربية لن تمانع بشرط التمويل لتلك القرارات، بحيث من الممكن أن نرى قرارا يوافق على استخدام التحالف الإسلامي ضمن التحالف الدولي لإقامة مناطق عازلة في الشمال والجنوب السوري إن أمكن ذلك، وأن يكون له دور فاعل للحرب على داعش في ما يتبقى من الموصل والرقة، وتضييق الحصار عليهم في المناطق الحدودية بين العراق وسورية والنظر في قضية الرئاسة السورية وإعادة النظر في تجريم بعض الأحزاب وإدخالها من ضمن الجماعات الإرهابية. إن الفرص لا تأتي دائماً، ولكن إذا أتت يستحسن استغلالها.