المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.أمين حسن عمر :المدونة السياسة د. أمين حسن عمر المسألة الاقتصادية... سؤالات على باب الحيرة
نشر في رماة الحدق يوم 15 - 02 - 2018

هل حل المسألة الاقتصادىة اقتصادى قح أم تراه يحتاج محللاً سيكولوجياً بأكثر من حاجته مخططاً اقتصادياً؟ سؤال وما أكثر السؤالات الواقفة على باب للحيرة عليه رتاج منيع
آفة الاقتصاد هى غياب فكرة الاقتصاد عند العامة ربما الخاصة غالبهم، وفكرة الاقتصاد أن تنتج أكثر مما تستهلك لأن معادلة الرفاهية هي إنتاج واستهلاك وإدخار
رؤية الشعب لفكرة العمل الصالح وخبرته في إتقان ذلك العمل في منتوجاته المادية من أهم ركائز الفكر الاقتصادي
الأدب الشفاهي السوداني محتشد بالقصص والأمثال والحكم التي تعبر عن منظورات مختلفة لمفاهيم العمل والإنفاق والإدخار. ولاشك أنه من العسير إيراد قدر كاف للاستدلال ههنا، ولكننا نكتفي برؤيتين متناقضتين لهذه المفاهيم بين الشيخ فرح ود تكتوك ورؤية المنسدح حمد ود المنسدح المشهور بود أب زهانة
السؤال كثير الترداد هذه الأيام هو ما بال الاقتصاد؟ وكم هو جيد أن يبدأ الناس بالسؤال فإن الإجابة تابعة للسؤال، ولكن يجب أن يكون السؤال دقيقاً لتكون الإجابة على مقاسه دقيقة هي الأخرى . فهل يا ترى يعرف السائل كنه ما يسأل عنه؟ هل يعرف ما هو الاقتصاد الذي هو موضع السؤال؟ فأهل الفقه قديما قالوا الحكم على الشيء فرع من تصوره، فما هو تصور السائلين لما يسألون عنه؟ هل هناك تصور واحد لمعنى الاقتصاد في أذهان السائلين؟ لا شك أن غياب مفهوم محدد للاقتصاد عند العامة، وأحياناً عند الخاصة هو مشكلة الاقتصاد الكبرى لأننا إن كنا لا نتفق على فهم ما نواجهه فلن نتفق على كيفية مواجهة ما نواجهه.
معنى الاقتصاد لغة واصطلاحاً:
الاقتصاد في اللغة العربية هي حالة التوازن بين منزلتين أو وضعين. يقول أهل التفسير في تفسير(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكبير) المقتصد: هو المستوي الحال بين الحالين. وأصل القصد استقامة الطريق والاقتصاد على ضربين: أحدهما محمود على الإطلاق، وذلك فيما له طرفان: إفراط وتفريط كالجود، فإنه بين الإسراف والبخل، وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن فكأن القائل يقول إن الاقتصاد هي الاستقامة بين ضدين ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ الفرقان الآية 67 فمقامهم هو مقام الاستقامة بين التقتير الذي هو هو نقيض الإسراف وكلاهما مذموم.
أما إذا ذهبنا إلى قاموس اللغة الإنجليزية فإن كلمة اقتصاد لا تبعد النجعة عن معنى التوازن
economy
əˈkänəmē/
noun
1.
the wealth and resources of a country or region, especially in terms of the production and consumption of goods and services.
synonyms: wealth, (financial) resources; More
2.
careful management of available resources.
"even heat distribution and fuel economy"
synonyms: thrift, thriftiness, providence, prudence, careful budgeting, economizing, saving, scrimping, restraint, frugality, abstemiousness
"one can combine good living with economy"
الاقتصاد هو إذن التوازن بين موارد بلد ما خاصة فيما يلي الإنتاج للسلع والخدمات بين استهلاكها. أما المعنى الاصطلاحي للاقتصاد فهو إنماء الموارد واستخدامها استخداماً رشيداً لئلا تبدد بغير طائل. وعلى ضوء هذا الشرح المبسط يجدينا أن ننظر إلى الحالة السودانية في الاقتصاد أي إلى استقامة أهل السودان وتوازن أمرهم بين إنتاجهم واستهلاكهم، فإذا غاب هذا التوازن غاب معنى الاقتصاد في حياتهم. وأهل الاقتصاد لهم مقاربتان لتحليل الحالة الاقتصادية بنظرة جزئية ونظرة كلية أي تحليل كلي للوضع الاقتصادي لبلد ما وتحليل جزئي لسلوك الفاعلين في هذا الاقتصاد. والتحليل الكلي يهتم بالنظر للموضوعات الكلية مثل الدخل الوطني للدولة وحالة التشغيل العام والادخار الكلي والاستثمار الكلي والاستهلاك الكلي والمستوى العام للأسعار فهو ينظر للأحوال العامة للمجتمع والدولة ولا ينظر لظروف وشؤون الأفراد أو الوحدات المكونة للمجتمع والدولة مثل السلوك الاستهلاكي لفرد أو أسرة أو مؤسسة فهو يقصد إلى التوصل للمعالجات الكلية والسياسات الكلية المالية والنقدية لتدبير الاقتصاد الإجمالي للمجتمع أو الدولة. بيد أن الكلي والجزئي يتداخلان ويؤثران في بعضهما البعض، ويختلف المحللون هل تؤثر الأوضاع والسياسات الكلية أكثر أم تؤثر السلوكيات والممارسات الجزئية أكثر؟ بمعنى آخر هل يمكن لسياسات اقتصادية صحيحة أن تؤتي أكلها في مناخ ممارسات وسلوكيات اقتصادية غير سليمة؟ ومن الجهة الأخرى هل تجدي السلوكيات الاقتصادية السليمة للأفراد والعائلات والمؤسسات في إصلاح الوضع الاقتصادي مع تبني سياسات مالية ونقدية غير سليمة؟
أس المشكلة أهو في الاقتصاد الجزئي أم السياسات الكلية؟
اقتصاد بلد ما مثل الشجرة ينبت من البذرة إلى الشجرة. والبذرة ههنا هي عوامل الإنتاج التي هي الأصول والموجودات مثل الأرض والموارد المائية والنفطية والمعدنية، ولابد لهذه الأصول من قيمة مضافة هي العمل المبذول لإخراجها من حال الطبيعة إلى وضع المنفعة لكي تكون ملبية لاحتياجات الإنسان. وثروة كل بلد إنما تحتسب ليس بالموارد الطبيعية ولكن بالقيمة المضافة بالعمل الإنساني لتحويلها من مورد إلى منفعة. فالناتج الإجمالي لبلد ما الذي هو مجموع القيم السوقية للسلع والخدمات التي ينتجها بلد ما محلياً في سنة واحدة إنما هو في أفضل طرق قياسه حاصل جمع القيم المضافة للعمل في كل مرحلة من مراحل الإنتاج أو الخدمة. فالناتج الإجمالي هو طريقة لقياس نشاط المجتمع وفاعليته الاقتصادية في تعامله مع عوامل الإنتاج لتحويلها لسلع وخدمات في سنة واحدة. وهذا النشاط يطلق عليه مصطلح الإنتاج بينما يطلق على قيمة هذا الانتاج الدخل الوطني. وهناك ثلاثة طرق متداخلة لحساب الناتج الإجمالي، إما بالنشاط الانتاجي أو بقيمته السوقية أي الدخل الوطني أو بالإنفاق، وأفضل طرق قياسه هي الطريقة الأولي لأنها أكثر دقة ولأنها قياس للكدح الوطني لشعب ما لتحسين أوضاع حصوله على السلع والخدمات لتلبية احتياجاته غير المتناهية. فكل شعب يحصل على رفاهته أي مستوى تلبية احتياجاته بقدر ما ينتج وبقدر ما يحصل له من دخل وطني، يستخدم بعضه في جلب واستيراد سلع وخدمات من خارج البلد في غالب الأحوال، وفي هذه الحالة فلابد له أن يجلب ويستورد بقدر ما يصدر، وإلا مال الميزان التجاري الخارجي لغير صالحه، ما يعني أن هذا البلد يصبح مديناً إما ديناً خارجياً في شكل قروض سلعية أو نقدية أو ديناً داخلياً من خلال الاستدانة من النظام المصرفي أو القطاع الخاص . ولابد لهذا الدين من أن يوفى إما من خلال زيادة إنتاج السلع والخدمات وبيعها، أو خلال طبع النقود بغير مقابل لها من دخل حقيقي ناتج من سلع وخدمات تم إنتاجها بالفعل، وفي هذه الحالة فإن حالة التوازن بين النقود والسلع والخدمات تختل. واختلالها يعني ارتفاع أسعار السلع والخدمات بإزاء النقود.فالأصل أن النقود غطاء للسلع والخدمات وأنها تطبع بما يساوي قيمة السلع والخدمات. فكل جنيه تقابله نسبة معقولة من السلع أو الخدمات أو جزء منها، وكلما زادت الجنيهات وقل ما يقابلها من السلع والخدمات، ما يعني ما يسميه الاقتصاديون التضخم ويسميه العامة الغلاء.
آفة الاقتصاد غياب فكرته
آفة الاقتصاد هي غياب فكرة الاقتصاد عند العامة ربما الخاصة غالبهم، وفكرة الاقتصاد أن تنتج أكثر مما تستهلك لأن معادلة الرفاهية هي إنتاج واستهلاك وادخار. فدائرة الاقتصاد إنما تقوم على أربعة أركان: الدائرة الفردية والعائلية حيث العمل والاستهلاك وهي تحوز على أصول مثل الأرض وغيرها وتحصل على الريع والربح والفوائد وهي أيضاً تستهلك السلع والخدمات بما يحصل من أجور أو ريع وقد تدخر بعض مما تحصل ومن هذا الادخار، وأما قطاع الأعمال فهو قطاع الاستثمار، ثم يأتي القطاع الحكومي الذي يتحصل على الضرائب أو أي ريع من ممتلكات عامة ومن واجبه توفير الخدمات العامة الضرورية في مجالات الصحة والتعليم وتوفير البنيات الأساسية لتنشيط وتسريع حركة الاقتصاد، ثم يأتي القطاع الخارجي الذي هو تعامل الدولة الاقتصادي مع قطاعات الأعمال والقطاعات الحكومية خارج نطاق الدولة. وقطاع الأفراد والعائلات هو أهم هذه القطاعات فهو المالك الأساس لعنصري الأصول الرأسمالية والعمل . وسلوك هذا القطاع بإزاء هذين العنصرين هو المحدد الرئيس لنجاح الاقتصاد أو فشله، لا يقلل ذلك من مسؤولية القطاعين الآخرين قطاع الأعمال والقطاع الحكومي. وسلوك القطاع الأول خاصة في أبعاده الاجتماعية والثقافية المؤثرة على الاقتصاد هو ذات سلوك رجال الأعمال الوطنيين والقطاعات الحكومية الوطنية، فإن فلح قطاع الأفراد والعائلات فلحت القطاعات الأخرى وإن فشل فشلت القطاعات الأخرى، فإنما هما بعض من بعض. ومعادلة الفشل والنجاح معادلة سهلة فاقتصاد الأسرة الناجح هو اقتصاد يتكون من ثلاثة عناصر دخل كاف يوفره عمل ناجح، واستهلاك رشيد بغير تقتير ولا إسراف، وإدخار يوفر الأمان ويحقق فرصاً للاستثمار المباشر أو غير المباشر. والثقافة الاقتصادية وشيجة الصلة بالثقافة الشفاهية والمادية لشعب من الشعوب. فرؤية الشعب لفكرة العمل الصالح وخبرته في إتقان ذلك العمل في منتوجاته المادية من أهم ركائز الفكر الاقتصادي. وكذلك فكرة الشعب عن الإنفاق سواء كان استهلاكاً أو عطاء هي الأخرى من ركائز الفكر الاقتصادي. ومن أجل الإيضاح هل الإسراف في الإنفاق على النفس والعائلة والآخرين ممدوح أم متحفظ عليه أم مذموم في ثقافة ما؟ .هل تعبر عبارة (تلاثة أرادب غداه وتلاتة أرادب عشاه) عن ممدوح أم مذموم؟ من ناحية أخرى هل هو ممدوح أم محسود أم مذموم من يعيش في رفاهة على ريع مال موروث لا يضطره إلى العمل الشاق؟ لا شك أن الإجابات القطعية على مثل هذه الأسئلة ستكون مجانبة للصواب بغير بحث دقيق وعميق في التراث الثقافي والممارسات السلوكية السائدة في المجتمع والدولة والحكومة بإزاء فكرة العمل وفكرة الإنفاق وفكرة الادخار . وهو بحث ضروري لقياس الحال الراهن بإزاء فكرة الاقتصاد. فسلوك الأفراد والجماعات والمؤسسات والحكومات إنما يرتكز على مستوى إيمانها بفكرة العمل وفكرة الإنفاق الرشيد وفكرة الإدخار.
اقتصاد الشيخ فرح واقتصاد المنسدح:
الأدب الشفاهي السوداني محتشد بالقصص والأمثال والحكم التي تعبر عن منظورات مختلفة لمفاهيم العمل والإنفاق والإدخار. ولا شك أنه من العسير إيراد قدر كاف للاستدلال ههنا، ولكننا نكتفي برؤيتين متناقضتين لهذه المفاهيم بين الشيخ فرح ود تكتوك ورؤية المنسدح حمد ود المنسدح المشهور بود أب زهانة . ولا شك أن كل التراث الشفاهي تعتريه المبالغة ربما الانتحال، ولكن ذلك لا يقلل من قيمته المعرفية . فالتراث الشفاهى إنما هو تعبير عن الثقافة الشفاهية العامة أكثر ما هو تعبير عن الأشخاص الذين تنسب إليهم الأقوال أو الأفعال.
ولا يحتاج أحد للتعريف بالشيخ فرح ود تكتوك الذي هو شخصية حقيقية حُكيت عنه حكايات وأمثال كثيرة وربما نُسج بعضها وأضيف إليه كما هو الشأن في التراث الشفاهي، لكن هذه الشخصية الصوفية الحكيمة تبدو متسقة وممدوحة لدى من تذكر لديه. فهو فرح بن عيسى بن قدور البطاحني الصوفي عاش إبان المملكة السنارية واشتهر بالتقوى والورع والحكمة والشجاعة أمام السلاطين. وما يعنينا في هذا السياق كثرة ما نسب إليه من أقوال ومن أمثال ذات اتصال بمفاهيم الكد والعمل والإدخار والإنفاق. وهي المفاهيم موضع الفحص ههنا وقد كان معاصراً للشخصية المقابلة ود أب زهانة . وتروى الحكايات تواصلاً بينهما. من أقوال الشيخ فرح في شأن العمل التي شاعت وانتشرت قوله في شأن الإبدار في العمل:
يا إيد البدري
قومي بدري
إتوضي بدري
صلي بدري
أزرعي بدري
حشي بدري
أحصدي بدري
شوفى كان تنقدرى
وقوله في مقام الكد والعمل رداً على بعض شيوخ عصره الذين يعتبرون العمل اليدوي ضعة ونقص منزلة:
أحفر الترس واطبق المحفار
وأرضى بالخدمة في النهار الحار
يرضي عليك الواحد القهار
ويقول في الرد على معاصره المنسدح ود أب زهانة في مقام الذم :
إت يا الفارع اللاك حارث ولا زارع
ومما ينسب إليه في الادخار:
الداير الغنا بيعمل حساب لي فقرو
والخايف الحساب يعمل سمح لي قبرو
كما نسبوا إليه:
كان ختيت خمارة دريشك المهانة والدناءة ابتعيشك (ما بتعيشك)
وفي ذات المعنى روى الراوي مخاطبته لمطمورة الذرة :
الخمري الداخرك لعمري
اتعشى بيك واصبح مشتهيك
أما الصورة المقابلة فهي صورة ود أب زهانة الذي اشتهر عنه المثل السائر ود أب زهانة يدين ويتبين وهي صورة أشبه بحال اقتصادنا اليوم في جميع قطاعاته.
تحكي الروايات الشفهية أن ود أب زهانة (المنسدح حمد المنسدح). كان شاباً وسيماً قسيماً فارع الطول أنيق المظهر ورث مالاً كثيراً عن والده الذي كان من الأثرياء المعدودين حيث كان يملك كثيرًا من المال وعديداً من قطعان الماشية والإبل . أما زهانة فهي أخته المكنى بها أبيه. وقد كان المنسدح فيلسوف اقتصاد الريع أي أن تكون صاحب ريع من أطيان أو قطعان ثم يكون عملك هو الاستهلاك والاستمتاع. وينسبون إليه أقوالاً في ذلك تبرر طريقته في البوهيمية السودانية القحة. قيل إنه كان يستيقظ من نومه ويفتتح يومه بالصلاة فلا تعلم إن كانت صلاة ضحى أم فجر، ثم يتناول عديداً من فناجيل القهوة وبعدها ينقل سريره إلى ناحية " ضلّ الضحى " فهو القائل للمثل السائر (نوم الضحى يطول العمر)
قد يصحو عند تراجع الظل متكاسلاً فتجهز له زوجته دابته فيركب عليها متجهاً لبيت زوجته الأخرى في طرف القرية
فيترجل عن دابته ويدخل (الراكوبة) ويجد (العنقريب الهبابي) معدًا مجهزاً لينام فترة القيلولة بينما تعد له زوجته القهوة " قهوة النهار " فيرشفها رشفاً حتى الفنجان السابع ثم يتناول الغداء ويضجع وهو يردد العبارة المشهورة التي صارت مثلاً (من تغدى تمدى ولو الحرب دائرة) ثم لما أفلس أصبح مثله السائر (إدين وإتبين) أو (الدين فوق الكتوف والأصل معروف ) وهو لا يحمل هماً للدين لأنه القائل (أكان كترت عليك الهموم إدمدم ونوم).
والعجيب في تراثنا المحكي الحي أنه شديد الإعجاب بالشيخ فرح وأنموذجه، ولكن ود أب زهانة ونمطه الريعي الاستهلاكي ليس عندنا بمذموم، بل إن غالب ممارستنا الأهلية والرسمية ليست تبعد النجعة عن أنموذجه السلوكي . فهل حل المسألة الاقتصادية اقتصادي قح أم تراه يحتاج محللاً سيكولوجياً بأكثر من حاجته مخططاً اقتصادياً؟ سؤال وما أكثر السؤالات الواقفة على باب للحيرة عليه رتاج منيع.
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.