الإجراءات غير المعلنة والقاضية بتحديد سقوفات السحب النقدي بالبنوك، ربما كانت ضمن الخطة الثانية التي تحدث عنها الرئيس عمر البشير، خاصة بعد تزامنها مع إعلان بنك السودان خفضه للسعر التاشيري للدولار في مقابل الجنيه ب29 جنيهاً، بدلاً عن 30 جنيهاً.. كانت بمثابة جراحة أجرتها الحكومة في جسم الاقتصاد نتجت عنها ربكة في الحركة المصرفية بالبلاد، وشكا على إثر ذلك عملاء المصارف الأيام الفائتة من تحديد سحب النقود بين 20 إلى 10 آلاف جنيه لكل عميل يومياً، كما شهدت الصرافات الآلية شحاً لافتاً في السيولة .. ورغم ذلك فقد يرى مراقبون الخطوة أنها تتفق مع النظريات الاقتصادية التي تنصح بالاعتماد على السياسة النقدية كوسيلة للسيطرة على التضخم . إحكام السيطرة ووفقا للرأي السابق فإن تصريحات وزير الدولة بوزارة المالية عبد الرحمن ضرار كانت تفيد بمحاولات الحكومة للعمل على استقرار الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، خاصة فيما يتعلق بسعر الصرف، وأن الاجتماع أقر ضرورة الاستمرار في امتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، ليتم توظيفها في المشروعات الإنتاجية . إحكام السيطرة على الكتلة النقدية كانت من أهم الأمور التي حرص وزير المالية السابق بدر الدين محمود، على تطبيقها بإعتبار أن ذلك من أقصر الطرق للسيطرة على التضخم وسعر الصرف، لذلك جاهد الرجل في إنجاح مشروع الدفع الالكتروني و الدفع عبر الموبايل ولكن انقضاء فترته في الوزارة حالت دون ذلك . القضاء على الاحتكار زيادة الكتلة النقدية أو ما يعرف بعرض النقود في ظل شح الدولار المحتكر من قبل مجوعات بعينها بحسب تصريحات حكومية، دفع مسؤوليها بالتأكيد على أن الميزانية الحالية صممت لحل المشكلة، خاصة حينما قال وزير التعاون الدولي إدريس سليمان: (الميزانية عصرت على المجموعات المحتكرة للدولار والقمح والسكر والأدوية والأسمنت، وأن يقوم بنك السودان بتوظيف هذه الموارد لصالح البلد وجدت مقاومة من الاقتصاد الموازي). مشدداً على ضرورة أن يكون النقد الأجنبي والعملة الوطنية عبر المصارف والبنوك، بالإضافة إلى تواجد أموال الشركات الحكومية في وزارة المالية)، وأن غياب تطبيق ذلك هو السبب الرئيس في استغلال الاقتصاد الموازي للقنوات غير الرسمية في العمل التجاري و الاستثماري. دوران الحكومة كما أن حديثاً عن مقاومة المجموعات المحتكرة للسياسات الأخيرة، حين قال (حيلفوا ويدورو ونحن حنلف وندور وعندنا الوسائل اللي حنلف وندور بيها)، ومثل لها بالإجراءات الأخيرة التي طبقتها الحكومة، مما يشير إلى أنها لها وسائلها الخاصة في مجابهة الأمر، وهذا ما نتج عنه اجتماع القصر، وقرار البنك المركزي بشأن خفض سعر الصرف هذا من جهة، فضلاً عن محاولة توفير مبلغ 22 مليار دولار التي يحتاجها الاقتصاد القومي، إضافة إلى 600 مليار جنيه خلال (3) سنوات ليتوجه نحو النمو السريع بحسب حديث سليمان من جهة أخرى .. و الذي نفى أن يكون البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي قد أوصوا بتطبيق الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ضمن ميزانية العام الحالي. تحذيرات صندوق النقد و رغم نفي الوزير إلا أن ما يحدث لا يعني أن السودان بمعزل عن الأحداث الاقتصادية العالمية، خاصة وأن وجه الشبه واضح جداً بين الأوضاع الاقتصادية بالبلاد وتوقعات صندوق النقد الدولى في تقريره الصادر بعنوان " الاستقرار المالي العالمي" و الذي يجزم أن البنوك المركزية والأسواق المالية ستستمر فى دعم السياسات النقدية التيسيرية في عام ( 2018)، كما يُتوقع ألا تتعافي معدلات التضخم إلا ببطء، ما يرجح أن العودة التدريجية للسياسات النقدية العادية تستغرق عدة سنوات .. ويوضح التقرير أن السرعة المفرطة في استعادة السياسات العادية من شأنها إزاحة الدعم اللازم لاستمرار التعافي والارتفاع المنشود في معدل التضخم الأساسي عبر الاقتصادات، كما يحذر التقرير من أن تتسبب التحولات المفاجئة والتوقيت السيء في اضطرابات غير مرغوبة في الأسواق المالية تتردد أصداؤها عبر الحدود والأسواق، و يرى الصندوق أن أبرز تحدٍ يواجه صناع السياسات هو ضمان احتواء التراكم الكامن في مواضع الضعف المالي، بينما تظل السياسة النقدية داعمة للتعافي . ركود تضخمي تحذيرات ونصائح صندوق النقد الدولي كانت على توافق نسبي مع أستاذ علم الاقتصاد بجامعة النيلين عصام عبد الوهاب بوب الذي استعاد في حديثه مع (آخر لحظة) تحذيراته من الآثار المترتبة على طباعة العملة في ظل تناقص الانتاج وضعف القطاعات الاقتصادية بسبب إعتماد الدولة على مورد واحد وهو البترول قبيل الانفصال، والعمل على تعويض غياب عائداته بطباعة النقد، وأكد بوب أن تجفيف العملة كحل سريع للازمة، لن ينتج عنه سوى شل حركة رؤوس الأموال التي تعتبر أساس الاقتصاد، و ظهور نوع من الكساد مصحوباً بالتضخم في ظل عدم انخفاض الأسعار ما يعني عدم القدرة على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار وإنعدام الإنتاج الاقتصادي و فرص العمل، وأكد أستاذ الاقتصاد أن ذلك يعني (ركود تضخمي) واعتبرها أنها أكبر المشاكل الاقتصادية. و تخوف بوب من أن تفضي إجراءات امتصاص السيولة إلى نتائج أسوأ بحسب تعبيره، على شاكلة توقف حركة الاستيراد و التصدير، وقال لا توجد بلد ولا اقتصاد بدون نقود أو رؤوس أموال.