في مثل هذا اليوم الخامس من مارس عام 2016 رحل الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الشيخ دكتور حسن الترابي المفكر الإسلامي. تمر هذه الأيام الذكرى الثانية. رحل الشيخ المثير للجدل الذي مازال مستمراً بعد رحيله، بصمته الأخيرة التي خلفها في دفتر الحوار الوطني مازال حبرها لم يجف، لتكتب في سفر السياسية السودانية كلمات تمشي بين الناس وفاقاً وحكماً، وعلى مستوى الحزب كان هو المفكر والقائد وآخر أفكاره كانت (النظام الخالف) وسعيه لجمع شتات الإسلاميين لكن رحيله المفاجيء قبل كتابته الكلمات الأخيرة، ترك العديد من الأسئلة على طاولة حزبه الذي عاد للعمل السياسي بعد وداع شيخه، وانخرط في مشاركته لحكومة الوفاق الوطني بعد عودة القيادي علي الحاج، الذي نُصب أميناً عاماً للحزب، ولكن السؤال كيف هو الحزب الآن بعد رحيل عرابه، سؤال يجيب عليه بعض السياسيون من الحزب وغيرهم. سؤال المسير والمصير: أمين أمانة الفكر بالشعبي الدكتور محمد فقيري في حديثه قال ل (آخر لحظة): إن الترابي يعتبر من الكاريزما النادرة التي تتعلق بأشخاص صنعوا اتجاهات جديدة في التاريخ أو ثابروا على تغيير الواقع نحو أفكارهم ورؤاهم، ولذلك غياب أمثاله يخلق وضعاً أشبه ما يكون بالإنتقالي بالمعنى السياسي الحديث للكلمة، إذ أن الترابي يعتبر المؤسس لتيار الإسلاميين والناظم لفكرة الحركة الإسلامية وغيابه يطرح جملة إشكالات تتعلق بسؤال المسير والمصير. هل نحتاج الى حركة إسلامية أم أننا نعيش وضعاً جديداً متجاوزاً لمسمى الحركة الإسلامية التاريخي وبنيتها ونظمها، وماهو التحدي الماثل بشأن بناء الدولة السودانية وموقع هذا التيار منها. ويزيد فقيري في قوله بإنه مما يؤسف له أن هذه الأسئلة لم تطرح بعد على بساط البحث، رغم أن الترابي عليه رحمة الله خلف مسودة عرفت بالمنظومة الخالفة سعى فيها لبسط رؤيته بشأن المستقبل والتحديات الماثلة، لكنها لم تجد حظاً من النقاش والقراءة الجادة للخروج برؤية جامعة. ويختم فقيري حديثه (في ظني أن التيار الإسلامي ينبغي أن تتجدد فيه دورة الأجيال، إذ كل الذين في جيل الترابي أصبحوا غير قادرين على الدفع بالجديد في ساحة السياسة عندنا، بل غرقوا في شبكة التاريخ الذي نسجوا بعضه، ولذلك أرى ألا خيار إلا بالتغيير الجذري وجوها ورؤى وأفكار، فما عادت النخبة السياسية القديمة بقادرة على قراءة الواقع الجديد وتعريفه، ومن ثم تقديم الحلول للأزمات، عليهم التنحي عن المشهد، ورفد الأجيال الجديدة بخبرتهم العملية والتاريخية. الخيانة لكلماته: القيادي بالمؤتمر الشعبي والمحامي كمال عمر، كتب في ذكرى رحيل الترابي أن انتقال الشيخ الترابي ورحيله كان انتقالاً لكل جميل، ونهاية مشروع السودان في الحوار. وزاد أن الترابي قال كلمات ومواقف في اللحظات الأخيرة لقيادات الوطني، لكنها خانت هذه الكلمات والمواقف التي ظهرت بعد رحيله، موضحاً أن حزب الشعبي لم يكن مهيأً للانتقال للمرحلة القادمة، وأن (دار السيقفة) خانت النظام الأساسي. وقال عمر: أنا من أدار مشروع العلاقة مع المؤتمر الوطني، وأنا أكثر الناس قناعة بأنهم لا يصلحون لحكم السودان بعد تجربة الحوار، ويجب رحيل الوطني عن الحكم الآن، وتكلفة بقائه كبيرة، موضحاً بأن أي انتخابات تجري بدون إصلاحات في القوانين والأجهزة، لا قيمة لها، واتهمه بالفشل. وقال: هذا ما كان يحاول الترابي إصلاحه قبل وفاته. الترابي والمؤسسية: أستاذ العلوم السياسية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا البروف حسن الساعوري قال ل (آخر لحظة): إن الشيخ الراحل حسن الترابي كان نشاطه الحزبي قائماً علي المؤسسية الكاملة قبل حل الحركة الإسلامية، وكان ملتزماً جداً في متابعة الأمانات الحزبية، ولكن جرت المياه تحت الجسر وحدثت المفاصلة، وتم حل الحركة الإسلامية وكون حزب المؤتمر الشعبي. واستطاع الترابي واستطاع أن يجعله قوياً وله نشاطه، لكن هذه المرة هل كان بذات المؤسسية أو الانفراد بالرأي؟، يتساءل البروف الساعوري ويقول هذه تفاصيل يجيب عليها أعضاء حزبه، لكن الظاهر لنا كمراقبين سياسيين أنه في الآونة الأخيرة كانت قراراته فردية، ويمكن القول إن أثره واضح رغم كل شيء في نشاط الشعبي ومشاركته في الحوار الوطني بممثلين للحزب، وتعيينه في الجهاز التشريعي والتنفيذي بعد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتشكيل الحكومة. ويضيف الساعوري من آثار الترابي الفكرية (المنظومة الخالفة)، وهي جمع للأحزاب السياسية ذات الأهداف المشتركة في تحالف سياسي واحد كبير، واعتقد أنها الفكرة الأنسب لكل الأحزاب السودانية الكثيرة الموجودة في المشهد السياسي السوداني، إذا توافقت عليها ونفذت رغبة الترابي بعد رحيله. ويؤكد الساعوري: هذه ضرورية الى تطبيق المنظومة الخالفة للأحزاب، مشيراً الى تجربة الذين خرجوا من الأحزاب الكبيرة وكونوا جماعات وأحزاب أخرى ومسميات مثل منبر السلام العادل، وحركة الإصلاح الآن والسائحون وحركة الأخوان المسلمين جناح صادق عبدالله عبدالماجد، والذين لم يشكلوا أي شيء يذكر على المشهد السياسي، غير أنهم قدموا دليل فشل خروج المجموعات الصغيرة عن الأحزاب الكبيرة، ويختم الساعوري حديثه بالقول: إن على الأمين العام الجديد لحزب المؤتمر الشعبي أن يمضي في ذات الطريق الذي انتجه الترابي مؤخراً، وزاد اعتقد أنه الآن في مهمة سياسية خارجية تصب في اتجاه العمل من أجل السلام والوفاق بين فرقاء الوطن بالداخل والخارج.