هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    تدني مستوى الحوار العام    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    مخرجو السينما المصرية    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.المحبوب عبد السلام : رؤية للنقاش الحركة الاسلامية هل تتجدد ؟
نشر في رماة الحدق يوم 18 - 11 - 2018

السودان بلادٌ طرفيةٌ على تخوم العرب، بوابةٌ لهم إلى إفريقيا. وإذ فاضت الأطراف على المركز أيام القومة الشاملة وأسهمت في مشيج الهوية العربية الإسلامية، استقبل الطرف أيام الانخساف قوافل من المركز وجماعاتٍ منه تصاهرت مع المحليين وصنعت هويةً متميزة، حملت كثيراً من نقاء الأصول وسذاجتها، ولكنه تطور بهجمة الاستعمار إلى دولة حديثة، قامت فيها قبيل الاستقلال حركة إسلامية حديثة، متجاوبة مع صحوة الإحياء في العالم الإسلامي، ثم مع نهضة التجديد من حولها العربي، لكنها لأول نشأتها، كانت محصورة مستصغرة في مجتمعٍ بنيته صوفية، لكن تجذرت فيه طائفية سياسية، مضادةٌ بطبيعتها لكيان الحداثة، ولكنها مهيمنة بالولاء الروحي.
شقت الحركة الإسلامية نهراً بين طائفتين عاتيتين يومئذٍ، تقاومها وتصدها حركة يسارية هي صنوها في الحداثة، لا سيما الأشكال والنظم، ولكن بينهما الإقصاء والاستئصال في جوهر العلاقة، كأن الوطن لا يسعهم معاً، بل لا يسعهم والجميع في تنافس يساهم في بناء الدولة وتحقيق التنمية، بل وفي مباركة الوعي بالديموقراطية، فحل الصراع والتنازع المفضي إلى الدورة الخبيثة محل البرامج المتكاملة لخير الوطن، لكن في سياق تاريخي كان يتعبد الآيديولوجيا ويشيطن الآخر، بل وفي طفولة سياسية كأنها من لوازم التقدم إلى النضج، ثم على عقيدة سياسية تقارب السياسة بمفاهيم اللعبة في المخادعة والمخاتلة والمكر والكيد، وتؤسس برامجها على الإجراءات الديموقراطية دون البرامج.
كانت الشريعة المصوبة لمسألة القانون هي جوهر دعوة الحركة الإسلامية وشعارها إلى حين أوان جبهة الميثاق في ستينات القرن المنصرم، دون تحديدٍ دقيق سوى أشواق المسلمين إلى تطبيق أحكام دينهم في الواقع المعاش والتمرد على ذلّ الاستعمار عبر التطهر من قوانينه الجنائية، وإذ ظهرت أول ملامح تلك الدعوة عبر جبهة للدستور الإسلامي في أربعينات القرن المنصرم، على قصورٍ بيِّن في المفاهيم التي ستُعبِّر عن ذلك الدستور، أما الاجتهاد الذي يوافي الاستدراك على بضع قرون من خروج السياسة عن الدين ويصوغ نصوص تُنظِّم وتَضبط دستوراً لدولة حديثة، فقد ظلت حلماً كذلك بلا معالم ودعوةً دون برامج.
ربما كانت جبهة الميثاق الإسلامي (1964) بعضاً من حملةٍ عامةٍ تُعبئ للأوبة بالسياسة إلى الدين، لكن قيمتها في التاريخ تتجلى في المشرع الجديد الذي وصل حركة الإسلام النخبوية بالمجتمع السياسي عبر فكرة التحالف الجبهوي مع قطاعات وأخلاط لم تكن بعضاً منه ولم تتربَّى ناشئةً في مناهجه، في ظرفٍ نفسيٍّ دقيق، كانت فيه ما يُعرف بالحركة الأم (جماعة الإخوان المسلمين المصرية) مضطهدة مقصية في عهد الناصرية، تروج فيها أفكار العزلة الشعورية واستعلاء الإيمان وجنسية المسلم عقيدتة والإسلام هو الحضارة، أو كما عبر عنها سيد قطب.
وإذ عبرت جبهة الميثاق عن تمام الاستقلال عن المشرع العربي العام لحركات الإخوان، تجاوبت قيادتها الشابة يومئذٍ مع أساليب العصر ووسائله ونظمه باعتماد فكرة جماعة الضغط التي تُصوِّب نحو قضيةٍ محددةٍ أو شعار، تستفيد من دراستها في أرقى الأكاديميات الغربية وخبراتها التي كسبتها من حياة امتدت لسنوات في المجتمع الغربي، بل إن حداثتها هي التي أتاحت لها مسرباً للقيادة في المؤسسات النخبوية الحديثة شأن المدارس والجامعات، ثم رفعتها لتقف إلى جانب أساطين السياسة الوطنية في البرلمان.
بعد الجولة في أطر المجتمع التقليدي وعبر النخبة الحديثة، تهيأت للحركة الإسلامية خلوة في المحابس والسجون، اُستغلت على وجه طيب في الدرس العام عبر مطالعات توسعت في التراث، ولكنها مسَّت الثقافة الحديثة على نحوٍ جيد، وفق كسوب الأفراد واجتهادهم، ولكن الشريحة القيادية وقد جمعتها تلك الخلوات، نصبت في فراغ السجون للمراجعة الشاملة ثم، وعلى نحوٍ أشد نحو إحكام خطة المستقبل نحو تمام التمكين.
السودان مجتمع سمحٌ متسامح كريم، رغم أصول ونوازع فيه تجنح للصراع والعنف وتولع بالمنافسات والغِيَر والمحاسدات لا سيما إزاء ابتلاءات القربى والمصاهرة وتحديات الجماعات الحديثة في المدارس والأحزاب والخدمة المدنية، فلم يضطهد الحركة الإسلامية طويلاً كما حدث لرصفائهم في حركات الإسلام من حولهم، فخرجوا بعد بضع سنين من الحصار إلى الحرية عبر مصالحة وطنية، شهدت مرحلة الانتشار الواسع للحركة عبر القطاع الحديث في تطبيق محكم لبعض الخطة، ثم أتاحت هدنة المصالحة لشريحة أوسع في القيادة أن تتولى مناصب قيادية في مجالس التشريع وفي الحكومة التنفيذية، المركزية والإقليمية.
انتهت مرحلة المصالحة الوطنية بانقلاب النميري على الحركة الإسلامية، ثم بانقلاب الشعب عليه بعد شهرٍ واحدٍ عبر انتفاضة رجب أبريل المباركة، لكن سنوات المصالحة الوطنية الثمان كما شهدت مقاربة الحركة للسلطان وانبساطها الحاسم لتصبح قوة في السودان، شهد كذلك حادثات مهمةٌ جسيمةٌ منها تطبيق قوانين الحدود الإسلامية حلم الحركة وشعارها التليد، ثم إعدام زعيم الحزب الجمهوري محمود محمد طه، ثم اعتقال قادة الحركة الإسلامية قبل أن يقالوا من مناصبهم الدستورية الرفيعة، ثم الانتفاضة الشعبية التي نجت الحركة الإسلامية من عقابيلها الأسوأ بردة النميري عليها قبل شهر واحد من سقوطه، بل بمشاركة الحركة نفسها في الإضراب المدني وفي المظاهرات التي استلمت الشوارع.
عهد المصالحة الوطنية هو عهد انبساط واجهات الحركة الإسلامية في سائر وجوه الحياة العامة: تقدم تجربة المصارف الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية والشركات التي حملت صفة إسلامية، تأسيس منظمة الدعوة الإسلامية أول تجربة تصل الدعوة بالعمل الخيري والإنساني، انبثاق مؤسسات عنها مثل وكالة الإغاثة الإفريقية الإسلامية وشركة دانفوديو، تقدم عمل المرأة وتأسيس منظمة رائدات النهضة، وقيام منظمة شباب البناء لرعاية العمل الشبابي، تأسيس المعهد الإسلامي الإفريقي الذي تطور إلى جامعة إفريقيا وانتشار خريجيه من شرق القارة إلى غربها، والامتداد داخل القوات المسلحة السودانية وتخرج أفواج منهم من دورات العلوم الإسلامية في ذات جامعة إفريقيا، ثم قيام منظمة شاملة للفنون والآداب ترعى وتنتج في ضوربهم كافة، كما تأسس معهد للدرسات الاجتماعية يرعى فكر الحركة.
ظلت الحركة منذ جبهة الميثاق تحفظ في داخلها باطناً يقوم فيه تنظيم خاص، وظاهراً يتحالف مع جهات وأفراد في المجتمع، وإذ يبدو الظاهر أوسع فإن الباطن كان هو صاحب الخطة والتدبير والقرار، ولكنها إذ تقدمت بعد الانتفاضة نحو الجبهة الإسلامية مضت بقرارها وبواقع تطورها لتدفع بغالب وجوه العمل إلى الخارج ليكون بعضاً من نشاط الجبهة المعلن، وتحفظ للداخل فقط شؤون بالغة الحساسية شأن المال والمعلومات والعمل العسكري، بل إنها منذ عهد المصالحة الوطنية لا تكاد قيادتها التنفيذية تتدخل في عمل واجهاتها إلا إذا طرأت مشكلة تستدعي تدخل القيادة، فالواجهات مهما تعددت اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، فهي من بعض وجوهها فيض من طاقة أعضائها، الذين انتظموا فيها بالآلاف بعد أن درسوا وتخصصوا وهاجروا وربوا في العلاقات العالمية مع الإسلاميين وغيرهم، وهي كذلك من حيث الفقه والرؤية والنظر تعبير عن صورة المجتمع المؤمن الذي ترجوه الحركة وتتطلع إليه في المستقبل: المجتمع المسلم يقوم بغالب وظائفه والدولة بعدٌ من أبعاده وإن احتكر لها إعمال القوة.
حملت الإنقاذ الحركة الإسلامية إلى تمام الإمساك بالسلطة قبل بضع سنوات مما قدرت لدى مراجعة خطتها الاستراتيجية، باستعداد جيد عبر آلاف الخريجين منذ الستينات ومئات المختصين بعدهم، ولكن بغير تهيؤٍ تام لموافاة مسؤوليات الدولة الحديثة في بلد واسع مركب مثل السودان، يحيط به جوار كثيف حساس، فيه غرسٌ أجنبي تليد، ظهرت حساسيته تجاه قوانين سبتمبر التي ابتدرها رئيس النظام فحاصره حلفاؤه قبل أعداؤه.
ربما كانت المفاصلة نتيجة حتمية لجملة المعادلات والتناقضات التي تفاعلت في مسار الإنقاذ المعقد، وإذ أسس الحكم الاتحادي لسودان جديدٍ بالفعل جنب البلاد التنازع المفضي إلى التقسيم، كانت الحرية الأتم أو الديموقراطية هي ضمانة وحدة الحركة الإسلامية وتقدمها لتغدو حزباً حديثاً جاذباً للشعب متقدماً في منافسة الآخرين، وإذ طالت مراحل الانتقال استطال مكوث قادة الحركة في سدة القيادة مخططين ومنفذين، فلم تنل أجيال تالية في الحركة فرص الدربة في العمل التنظيمي والرسمي، ولم توافهم مرحلة الابتعاث إلى الخارج فيحتكوا بتجاربه المتقدمة ويتعلموا لغاته، كما لم يدخلوا السجون ليخلوا إلى الدراسة والتفكير والتذاهن أو العصف الفكري بين بعضهم بعضاً. وربما كانت المفاصلة خيراً جنَّب البلاد غزوةً عقب هيجة القوى العظمى بعد حادثة سبتمبر 2011، وربما كانت خيراً إذ نبهت أن النهج القديم استنفد صلاحيته وأن لابد من رؤية جديدة بالكامل لمرحلةً جديدة بالكامل، ولكنها لم تكن تناظراً في نقاش أو تداولاً بين جماعة، بل صراع بين سلط مادية وروحية، بين مراجع تاريخية وواقعٌ لا يمكن تجاوزه.
كان كسب الحركة الإسلامية في العلاقات العالمية متميزاً ممتازاً، صلات قديمة منذ النشأة مع حركات الإسلام من حولها ووشائج مع جيل التأسيس منهم. ثم تعارف في سنوات الابتعاث إلى عواصم العالم الحديث مع أعضاء تلك الجماعات الذين وفدوا مبتعثين مثلهم، ثم مع الذين اتخذوا من المهاجر إقامةً وعملاً في الدعوة أو كسباً للرزق، فاستفادوا منهم وأفادوهم وتولوا المناصب القاعدية والقيادية في تنظيمات الإسلام في أوربا وأميركا. كما دخلت داخلة من أعضاء الحركة إلى إفريقيا وآسيا استقروا في أصقاعها المختلفة، ثم جاءت سنوات الاغتراب؛ إذ فقدت أعداد مقدرة من أعضاء الحركة في أول سنوات مايو الشيوعية وظائفهم، فهيَّأ الله لهم أبواب العمل في دول النفط العربية في دوايين الحكومة أو في مجال الأعمال. أثمر كل ذلك في سنوات المصالحة الوطنية فرصاً مثل تمويل بعثات الدراسة في أميركا أو مشروعات شأن منظمة الدعوة ووكالتها الإغاثية أو جامعة إفريقا العالمية. كما نفعت حركة السودان جماعات الإسلام الناشئة ومنظماته حيثما كانت، من حزب النهضة التونسي إلى فتح مكاتب للمجاهدين الأفغان، ثم إيواء الفارين من الاضطهاد وعونهم بالدراسة أو العمل أو منحهم وثائق السفر وغير ذلك.
تلك السيرة السودانية المجيدة أضحت اليوم عبئاً وعيباً على حركات الإسلام في العالم فهم يقايسون إلى التجربة السودانية وينسبون إليها، إذ هي موسومة في الظاهر بذات السمات التي استدعت الشعوب العربية إلى الشوارع من حيث طول مكوث الحاكم واستشراء الفساد، كما أنها قسمت نفسها في مفاصلةً صادمة وقسمت السودان إلى دولتين، إلا أنهم يقرون جميعاً ألا سبيل لهذه التجربة إلا بإصلاح نفسها، ولن يجد شقٌّ منها أن يتبرأ ويتوب عنها، أو تقف أعداد على الرصيف تعفي نفسها من المسؤولية، كما أنها تهتم بأمر السودان وتنشط في النصح له والتوسط بين فرقائه تعلم أن ذلك واجب وتستشعر ديناً مستحقاً.
الحركات الإسلامية نفسها مهما تكن تجربة السودان محرجةً لها فهي توقن بأنها متقدمة عليها في الماضي وفي الحاضر إذا قامت تصلح أمرها نحو المستقبل، فتركيا إذ اعتمدت العلمانية لم تنج من الأزمات، ولم تتبرأ من شهوة السلطان فتقلب زعيمها بين المناصب يبتغي إطالة مدته. أما حركة النهضة التونسية التي تستدعي وقفة خاصة، إذ أنجزت تحولاً مهماً في خاصة مسيرتها وفي عامة مسيرة الحركة الإسلامية العربية، لا سيما الإخوانية بفصل الدعوي عن السياسي، لكنها ما تزال محاصرة تخشى من النجاح لأنه يجر عليها النقمة ويحاصرها بالاستقطاب، بين لا دينية شرسة متنمرة، ومحيط عالمي أوربي يرسخ في شعوره ولا شعوره أن الشمال الإفريقي حديقته الخلفية، كما أن غالب قاعدة النهضة سلفية أدركت أنها خاسرة إذا لم تستجب لاجتهاد شيخ الحركة، فحنت رأسها للعاصفة إلى حين.
الجماعة الإخوانية المصرية الأم واجهت ساعة صعودها ديمقراطياً للحكم مأزقاً مع نفسها ثم مأزقاً أخطر مع المجتمع، فهي في تعريف مرشدها أكبر من حزب وأصغر من دولة، فلا يناسبها أيما تأطير في الدولة الحديثة، وإذ توالت عليها الابتلاءات وجابهتها التحديات الجديدة اكتسبت سمات الطائفة المباينة للمجتمع، تستأثر بشركاتها ومساجدها ومعاهدها ومركباتها العامة، وتتمايز بسمتها ولغتها، ورغم توسعها في خدمة المجتمع عبر المستشفيات والجمعيات الخيرية، تُيَسِّر لمناوئيها حصارها وهي في تمام السلطة ثم إخراجها منها، تترواح اليوم بين الانشقاق والإصلاح، بين الإقصاء ثم الاستئصال وبين المراجعة والمصالحة الوطنية والعودة للمسار السياسي.
في فلسطين نالت حركة حماس نحو 70٪ من مقاعد المجلس التشريعي في حين لم تكن توقعاتها تتجاوز 30٪، وإذ كان مطروحاً أمامها أن تكتفي بالدور الرقابي والتشريعي تستصحب تعقيدات العلاقة مع فتح ثم تأزمها مع إسرائيل، انتشت بنصرها تأبى أن تخذل ناخبيها الكارهين لفساد فتح الطويل، فمضت نحو الوزارة بين مطرقةٍ وسندان، فقسمت المقسم وأضافت إلى معاناة الفلسطنيين، ثم ثابت إلى مراجعة مبتسرة يعيق تمامها تاريخٌ ثقيل وعواطف تستعصي على العقلنة، وقد تخذلها عن استيعاب الاجتهاد الفلسطيني العام نحو حل الدولتين.
ضَرَبَ الانشقاق حركة الجزائر بعد وفاة مؤسسها بين قدامى وقادمين وتكرر في جماعة الأردن رغم سلامة كيان حزب العمل، في حين فاز حزب العدالة والتنمية بعدة دورات في المغرب، إذ احتفظ بثقة الناخبين من حيث هو طاهر من الفساد ومنجزٌ على أكثر من صعيد، ولكن قيادته دون طموح قواعده شديدة الثقافة بل دون طموح عامة النخبة، فاعتل نظام التحالفات وبقي رئيس الوزراء زعيم الحركة بضعة أشهر يعجز عن تشكيل حكومة لبضعة أشهر، حتى تدخل الملك وفرض أحد قيادات الجماعة ليعاني الحزب من أزمة مكتومة.
الثورة الصناعية الثانية ثم ثورة المناهج والعلوم لتدخل مرحلة ما بعد الحداثة، ثم ثورة الاتصالات وظهور الإنترنت بدَّل وجه الحياة جذرياً، أو بالأحرى بدَّل أحوال الإنسان من أصوله كما قال ابن خلدون قبل عشرة قرون وهو يهم بكتابة تاريخ جديد للبشرية. فإذ تغلب اليوم أنباء الإسلام على قنوات الأخبار في العالم يواجه المسلمون تحديات تفوق طاقاتهم وهم ما يزالون لا يبرحون مناطق الضغط الوطئ في العالم، تهب عليهم من علٍ غزوات العالم الأول الثقافية والفكرية ويفيض علبهم باقتصاده وإعاناته وإغاثاته وهم يبسطون يداً سفلى، كما تبادر نخب منهم ومدارس ترجو حواراً مع الإسلام تطلعاً لكلمة سواء، أو أملاً يشخص نحو مثل الدين وروحه وأخلاقه، أن تسمق لمستوى المشكلات فتساهم في شفاء أدواء المادية والاغتراب الذي ضرب الإنسان المعاصر وأسلمه للفردية والشقاء، فضلاً عن معضلات الدولة الحديثة في السياسة والاقتصاد التي تنتظر قبساً من الدين إذ لا تنقصها النظريات ولا التجارب.
بلغت تلك الثورة في المناهج وطرائق البحث الفكر الإسلامي وعلومه وتراثه الخصب تنذر أو تبشر بتحول عظيم، إذ تزايدت أعداد الباحثين إلى أرقام ليست مسبوقة في الجامعات ومراكز البحث، فوصلوا مصادر كانت مجهولة ونقبوا في مادة من التراث كان المرور عليها عابراً، وأعادوا طرح الأسئلة الكبرى حول الأصول الأساسية الموحاة قرآناً وسنة. وإذ أن غالب التقدم في المناهج ظهر عبر علم الالسنية المعاصرة ومناهج البنيوية وفلسفتها وما بعد البنيوية وسيادة الفلسفة التحليلة والتفكير النقدي، فإن القرآن بوصفه كتاب بيان كان له نصيب وافر من ذلك ما يفتأ يتزايد وينفتح نحو مجالات أرحب، أما السنة فتتعرض للأسئلة حتى من دوائر العلم التقليدي في العالم الإسلامي. وبتوسع مجال الدراسات الدينية والدراسات المقارنة وتطور علم النفس الديني، بل وتقدم فلسفة الدين في الفكر الإسلامي المعاصر وقد تعطلت منذ إقبال بعد ومضته الفريدة يتجدد الدين بعيداً عن أطر الحركات الإسلامية وعلى نحوٍ ربما لن تدركه ولن ترضاه ولكنه لا ينتظرها بأية حال، ولكن يؤثر على أجيالها الجديدة الطالعة التي طفقت تقرأ كتب الباحثين الجدد وتواجه أجيالها القديمة بالأسئلة الصعبة أو تجد طريقاً ممهداً إلى الإلحاد أو التطرف.
في التأمل الذي يعيد النظر جذرياً في مضمون الحركات الإسلامية وجوهر رسالتها لا بد من زيارة جديدة موسعة لمفهوم المجتمع المدني وتطبيقاته المعاصرة لا سيما في السودان، فامتداد الحركة لأكثر من نصف قرن وتوفرها على أجيال انتمت إليها وبذلت في سبيلها وقدمت التضحيات الجسام عبر تجارب ثرة على امتداد ساحة الحياة العامة، يظهر استثماراً عظيماً ربما يتجلى في كل واحد ممن انتمى لتلك الحركة أو مسته بطرفٍ منها. ذلك الجوهر الإنساني يحتاجه بلد واسع ما تزال غالب أجزائه متخلفة عن العصر في التعليم والصحة والبيئة، في الفكر والثقافة والفن، في أحوال المرأة والطفل والشباب، في الغذاء والرياضة وفي الحساب والاستثمار والتكنولوجيا، كما في المعاش والحكم والإدارة والتنشئة السياسية ودراسة الموارد وبث الوعي الاستراتيجي، ثم في مدّ الجسور مع العالم سلاماً وتعاوناً وتكاملاً لخير الإنسانية.
هذه المرحلة تختلف جذرياً عما قبلها فلا يجدي معها العودة لمفاهيم العمل الجبهوي وأنماطه ولا تفيد فيها فكرة استزراع الواجهات ونشرها، خاصة بعد تجربة في الحكم امتدت تقارب عقدها الثالث؛ فقد تجاوزت الإنسانية بالإنترنت صور التنظيم التقليدي المركزي، ليغدو شبكات موصولة ولكنها بلا عدد تتوالد بغير حساب، يقوم إليها ويتولى أمرها جيلٌ جديد نشأ بين أجهزتها ورضع أساليبها، ويتولى الجيل المؤسس رصد تجربته ويهديها بطيب خاطر للجديد. فالمجتمع المدني ومنظماته الطوعية هي ذات وكالات المجتمع التي كانت عماد نهضة العلم وتقدم والمجتمع في أوربا، يقاربها اليوم الفئة الأقرب للحداثة ويتقاعس عنها الإسلاميون رغم توافر طاقاتهم، لكنهم يفتقرون لشبكة العلاقات الثقافية والاجتماعية ولا سبيل إلا أن ينهضوا إليها بتخطيط يوظف ذلك الاستثمار الهائل.
بلغت تلك الثورة في المناهج وطرائق البحث الفكر الإسلامي وعلومه وتراثه الخصب تنذر أو تبشر بتحول عظيم، إذ تزايدت أعداد الباحثين إلى أرقام ليست مسبوقة في الجامعات ومراكز البحث، فوصلوا مصادر كانت مجهولة ونقبوا في مادة من التراث كان المرور عليها عابراً، وأعادوا طرح الأسئلة الكبرى حول الأصول الأساسية الموحاة قرآناً وسنة. وإذ أن غالب التقدم في المناهج ظهر عبر علم الألسنية المعاصرة ومناهج البنيوية وفلسفتها وما بعد البنيوية وسيادة الفلسفة التحليلة والتفكير النقدي، فإن القرآن بوصفه كتاب بيان كان له نصيب وافر من ذلك ما يفتأ يتزايد وينفتح نحو مجالات أرحب، أما السنة فتتعرض للأسئلة حتى من دوائر العلم التقليدي في العالم الإسلامي. وبتوسع مجال الدراسات الدينية والدراسات المقارنة وتطور علم النفس الديني، بل وتقدم فلسفة الدين في الفكر الإسلامي المعاصر وقد تعطلت منذ إقبال بعد ومضته الفريدة يتجدد الدين بعيداً عن أطر الحركات الإسلامية وعلى نحوٍ ربما لن تدركه ولن ترضاه ولكنه لا ينتظرها بأية حال، ولكن يؤثر على أجيالها الجديدة الطالعة التي طفقت تقرأ كتب الباحثين الجدد وتواجه أجيالها القديمة بالأسئلة الصعبة أو تجد طريقاً ممهداً إلى الإلحاد أو التطرف.
فى التأمل الذي يعيد النظر جذرياً في مضمون الحركات الإسلامية وجوهر رسالتها لا بد من زيارة جديدة موسعة لمفهوم المجتمع المدني وتطبيقاته المعاصرة لا سيما في السودان، فامتداد الحركة لأكثر من نصف قرن وتوفرها على أجيال انتمت إليها وبذلت في سبيلها وقدمت التضحيات الجسام عبر تجارب ثرة على امتداد ساحة الحياة العامة، يظهر استثمار عظيم ربما يتجلى في كل واحد ممن انتمى لتلك الحركة أو مسته بطرف منها. ذلك الجوهر الإنساني يحتاجه بلد واسع ما تزال غالب أجزائه متخلفة عن العصر في التعليم والصحة والبيئة، في الفكر والثقافة والفن، في أحوال المرأة والطفل والشباب، في الغذاء والرياضة وفي الحساب والاستثمار والتكنولوجيا، كما في المعاش والحكم والإدارة والتنشئة السياسية ودراسة الموارد وبث الوعي الاستراتيجي، ثم في مد الجسور مع العالم سلاماً وتعاوناً وتكاملاً لخير الإنسانية.
هذه المرحلة تختلف جذرياً عما قبلها فلا يجدي معها العودة لمفاهيم العمل الجبهوي وأنماطه ولا تفيد فيها فكرة استزراع الواجهات ونشرها، خاصة بعد تجربة في الحكم امتدت تقارب عقدها الثالث، فقد تجاوزت الإنسانية بالإنترنت صور التنظيم التقليدي المركزي، ليغدو شبكات موصولة ولكنها بلا عدد تتوالد بغير حساب، يقوم إليها ويتولى أمرها جيلٌ جديد نشأ بين أجهزتها ورضع أساليبها، ويتولى الجيل المؤسس رصد تجربته ويهديها بطيب خاطر للجديد. فالمجتمع المدني ومنظماته الطوعية هي ذات وكالات المجتمع التي كانت عماد نهضة العلم وتقدم والمجتمع في أوربا، يقاربها اليوم الفئة الأقرب للحداثة ويتقاعس عنها الإسلاميون رغم توافر طاقاتهم، لكنهم يفتقرون لشبكة العلاقات الثقافية والاجتماعية ولا سبيل إلا أن ينهضوا إليها بتخطيط يوظف ذلك الاستثمار الهائل، فيما يشبه مفهوم إعادة الانتشار لتلكم الطاقات.
لابد من عقيدةٍ هادية وفلسفة مؤسسة على رؤية تهدي قبساً من نور إلى غربة الإنسان المعاصر وتضيء لها طريقاً في ظلمات المادية الفردية؛ فالدين إذ يكرم الإنسان يرفعه إلى مقام الصلة بالله دون حجب أو وسائط، والإسلام لا ينصب طبقة في المجتمع يسمها برجال الدين، بل الإيمان ديموقراطي يساوي بين الناس ويفتح لهم جميعاً طريقاً إلى الغيب. لكن الآيديولوجيا التي وسمت القرون الأخيرة جردت الإنسان من الروح وعزلته عن الإنسانية، ورغم شيوع مقولة أن العالم أضحى غرفةً واحدةً، لكنها شاشة قد تزيد الإنسان عزلة، فهي مادية فردية ضربت الأخلاق في العمق وهزت الأسرة حصن الإنسان الأول من الاغتراب والاستلاب، أو وظفته آلة تسوقه حتميات المجتمع وتضعه ترساً في آلة الإنتاج. فالإسلام رسالة إنسانية توافى وجهة العصر الإنسانية لكنها توحيدية تصله بالله الواحد.
التوحيدية الإنسانوية شرطها الحرية الأتم، لا تفتش ضمير الإنسان ولا تقمع مشيئته، ولكنها في إطار التجديد الديني لا بد من إجراء التسوية الفكرية مع الأطروحة الديموقراطية بوصفها آخر خلاصة للفكر الإنساني لتأسيس الدولة الحديثة وحل معضلة السلطة بتداولها سلماً والمساوة أمام القانون احتكاماً إليه. وإذ تدعو أصول القرآن إلى المشيئة والشورى تبسط فقهاً أخلاقياً يعالج أدواء الدولة الحديثة الغالية والمتغولة على المواطن، كما تبسط الثروة كفايةً للناس كافة تكفكف جنوح الرأسمالية المتوحشة، لكنها لا تقهر مبادئ الاقتصاد الطبيعى بقوة السلطان، بل تبسط سوقاً حرة للمنافسة الكريمة التي تقدر الاجتهاد والموهبة.
إذا انبسطت طاقات الحركة منتشرة منظمات وروابط وجمعيات ومبادرات في المجتمع المدني، يتأسس كيان سياسي حزبٌ أو تحالف، لكن سياسي فقط، على نحو ما حدث في تركيا إذا سند عمل جمعية النور الواسع في المجتمع قيام حزب العدالة والتنمية ليتقدم سائر الساحة السياسي في وقتٍ وجيز قياسي بكل معيار، وكما يبذل الكبار الحكمة لجملة العمل المدني، يسندون العمل السياسي بفكرهم وعلاقاتهم ونصيحتهم، لكن يبرز للقيادة وجوهٌ جديدة شابة، لا تصنع تكلفاً، بل هي مما أثمرت سنوات التمكن في الحكم، إذ تيسر للأجيال ناشئة أن يدرسوا بأفضل من الآخرين وأن تُتاح لهم فرص للسفر والدراسة في الخارج، ثم الدربة على الحكم وتولي الوظائف ولو صغيرة محدودة، يفارق بينهم وبين عامة نظرائهم في الجيل. قد تنفعهم وسائل التواصل وتعرفهم إلى مجايليهم وقد تقدمهم قياديين. لكن الحزب الحديث هو رؤية تبسط فلسفة الحزب وبرنامج ينبثق عنها، وقيادة منتخبة مراقبة ومحاسبة إلى أجل، وريثما يقع التوافق على الإخراج والإجراء، يعمد فوراً لتلك الواجبات مستهلاً يطرح الأفكار ويدير الحوار لا قصي ولا يعزل أحداً، من رفاق الدرب القديم أو من إخوة الوطن الراغبين.
عبر تعاقب أجيال قادة الحركة وانتشارهم في دول الجوار والعالم، دراسةً وعملاً وسياحةً، تراكت معرفة بالسياسة العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، بل وانتظم بعض قليل في منظمات دولية رسمية ومدنية. ثم مع فسحة المصالحة الوطنية تيسر لأعضاء في القيادة التنفيذية كانوا وزراء وقادة في الاتحاد الاشتراكي وفي هيئة مجلس الشعب، زيارات رسمية ضمن الوفود الحكومية ساهمت جميعاً في تمتين علاقات رسمية وفي تأسيس أخرى مع دول الإقليم ومع قوى عظمى، بل وسمى الأمين العام للحركة مرةً في المنصب الأرفع في السياسة الخارجية (مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية) وتيسرت له زيارات رئاسية للولايات الأمريكية مرتين. 
ذلك كله خارج أطر العلاقات الإسلامية التي سبق ذكرها، فإذ جمعتا كان المأمول متى للحركة الإسلامية أن توالى نجاحاً مؤسساً على رؤية وفلسفة وسياسات وبرامج متى تمكنت، خاصة إذا أضفنا إلى كل ذلك المران الأخير في عهد التعددية الثالثة إذ تولى الأمين العام منصب وزير الخارجية لبضع أشهر وختم موسم التهيئة للإنقاذ بزيارات لمصر والسعودية وزيارة لأوربا.
إذن أين تكمن وكمنت المفارقة بين السياسة العالمية وبين الحركة الإسلامية؟ ذلك سؤال وتساؤل يستحق التجاوب والنقاش العميق في النظرة الراجعة الماسحة لمستوى التعثر والتأزم والفشل، ولكن إنما طرح السؤال هنا انطلاقاً من قناعة أن نجاح أيما مسعى جديد في العلاقات العالمية يقوم على تأسيس جديد للفكر الإسلامي يعتمد الديموقراطية ويضفي العدالة على اقتصاد السوق ويؤكد أولوية المجتمع المدني على الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.