تعادل الإمارات والعراق يؤجل حسم بطاقة المونديال إلى موقعة البصرة    تفوّيج الرحلة الخامسة والعشرين لنقل اللاجئين الجنوبيين    إظلام جديد في السودان    المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالسجن المؤبد لعلي كوشيب بعد إدانته ب27 تهمة    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    روبيو يدعو إلى وقف إمدادات الأسلحة لقوات الدعم السريع السودانية    السودان يعلّق على تصريحات أمريكيا حول الحرب    والي الخرطوم :يقدم تنويرا حوا أبعاد إستهداف السودان والدعم الذي توفره حكومات الدول للمليشيا لارتكاب جرائم التطهير العرقي    نجم ريال مدريد يدافع عن لامين يامال: يعاملونه مثل فينيسيوس    الانتخابات.. بين السوباط والعليقي وشبح الشقاق داخل الهلال    شاهد بالفيديو.. حسناء مغربية فائقة الجمال تتحدث اللهجة السودانية بطلاقة وتعلن دعمها الكامل للشعب السوداني وتؤكد (لا فرق عندي بين المغرب والسودان)    الي مرتزقة الحركات المسلحة    الدفاعات الأرضية بمروي تسقط مسيرات انتحارية أطلقتها المليشيا الإرهابية    خطوة أمريكية تربك ميليشيا الدعم السريع    المنتخب الوطني يتدرب بمجمع السلطان قابوس والسفير السوداني يشّرف المران    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    المريخ يوالي إعداده و الصربي يركز على الهجوم    الرومان ينهون استعداداتهم ويرحلون صباحاً الى المناقل لمواجهة مصيرية    شاهد بالفيديو.. حسناء مغربية فائقة الجمال تتحدث اللهجة السودانية بطلاقة وتعلن دعمها الكامل للشعب السوداني وتؤكد (لا فرق عندي بين المغرب والسودان)    شاهد بالفيديو.. ناشطة الدعم السريع "أم قرون" تهدد بفضح قيادات المليشيا بكشف ما حدث في 15 أبريل بعد أن رفضوا منحها حقوقها المالية: (أنا طالبة من الدولة ما من جيب أبو واحد فيكم وحميدتي ما بقدر يحميني حقي)    شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يتعرض لأقوى "زنقة" ويحاول التخلص بتحريف منها أحاديث نبوية    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجمع المهنيين السودانيين.. ماتادور غامض يلاعب ثور السُلطة
نشر في رماة الحدق يوم 11 - 02 - 2019

أكثر ما هو محير الآن في زخم تطورات الأوضاع السياسية على الصعيد السوداني يتصل بتجمع المهنيين السودانيين، المتحكم فعليًا في إدارة وتنظيم المظاهرات، إذ يبدو وكأنه "الماتادور" الخفي الذي يلاعب السلطة لدرجة كادت تفقد توازنها فتسقط، وهنا أصبح السؤال الذي لم ينفك يبارح خيال قيادات الدولة والأجهزة الأمنية: من هو تجمع المهنيين السودانيين، ولماذا تتخفى قيادته، وكيف ظهر على نحوٍ مفاجئ بكل هذه القوة والسيطرة على الأرض؟
لا أحد يملك إجابة قاطعة بالطبع، رغم أن دعوات تجمع المهنيين السودانيين أصبحت خلال أيام قليلة هى الوسم الأعلى على مواقع التواصل الاجتماعي السودانية، والأكثر حضورًا أيضًا في الشارع السياسي، وفي أحلام الثوار.
البداية والسيطرة
أكثر من ثلاثمائة ألف يتابعون صفحة التجمع في فيسبوك وفي تويتر، بينما لا تزال المنشورات التي تصدر منه الأكثر تفاعلًا ومشاركة، وعلى أرض الواقع يلتزم المحتجون بجدول التجمع وميقات التحرك بصورة حرفية، حتى أصبحت نموذجًا للانضباط، حيث تنطلق المواكب في الزمان والمكان المحددين، وقد نجح التجمع أيضًا في تجميع أصوات عالية النبرة، كما أن بيانته المكتوبة بلغة رصينة ومعبرة عن المِزاج العام المعارض هي على الأجح السبب الذي جعله يكتسب مصداقية عالية، بدليل الاستجابة الواسعة التي تحظى بها دعواته للخروج والتظاهر داخل وخارج السودان.
تاريخيًا، تأسس تجمع المهنيين في العام 2013 عقب الموجة العنيفة للاحتجاجات التي اندلعت في السودان خلال أيلول/سبتمبر من ذلك العام، وسقط فيها عشرات الضحايا بالرصاص الحي، إلا أن التجمع اختار أن يعلن عن نفسه مع انطلاق الانتفاضة الجارية منذ ثلاثة أشهر، دون أن يفصح عن قيادته حتى اتسم بالغموض، وهو يتكون من لجنة الأطباء المركزية، وشبكة الصحفيين السودانيين، وتجمع المعلمين والمحامين والصيادلة والمهندسين، وجميعها نقابات ظل لا تعترف بالواجهات الحكومية الفئوية، أما الهدف المعلن للتجمع فهو إسقاط النظام وإقامة البديل الديمقراطي.
إعلان الحرية والتغيير
على الأرض أعلنت العديد من الأحزاب والقوى السياسية دعمها لتجمع المهنيين، من بينها نداء السودان الذي يضم حركات مسلحة وأحزاب سياسية، وقوى التجمع الوطني التي تضم الشيوعي والبعث والناصريين والمؤتمر السوداني، بجانب حزب الأمة القومي والفصائل الاتحادية المعارضة، وهي كلها كانت تنشط في معارضة نظام البشير منذ استيلائه على الحكم في العام 1989، وقد توافقت مع التجمع على إعلان الحرية والتغيير، الذي تضمن جملة مطالب تم التوافق عليها بالإجماع، وهي التنحي الفوري للبشير دون شروط، وتشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية لأربعة أعوام، ووقف الانتهاكات وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.
ومنذ تدشين نشاطه الأخير، أعلن تجمع المهنيين عن أربعة متحدثين باسمه، وهم الدكتورة سارة عبد الجليل تعيش في بريطانيا، الصحفي المهاجر إلى فرنسا محمد الأسباط، وفي الداخل الدكتور محمد يوسف موسى الأستاذ بجامعة الخرطوم، والطبيب الشاب محمد ناجي الذي اعتقلته السلطات بمجرد الإعلان عن اسمه ونشر صورته، علاوة على مقطع فيديو أشبه بالبيان الأول، وهو غالبًا السبب الذي جعل التجمع يتحفظ بعد ذلك عن كشف أسماء قيادته بالداخل خشية الاعتقال، لكنه أعلن بأنها موجودة وتتحرك بصورة سرية على الأرض.
الحزب المتخفي
اتهمت الحكومة السودانية التجمع بأنه واجهة للحزب الشيوعي، اختار العمل من خلف ستار لتحقيق أهدافه. وهى الاتهامات التي ظلت تتكرر مؤخرًا على لسان قيادات في الحزب الحاكم وكتابات أنصاره في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الرئيس عاد قبل أيام واتهم تجمع المهنيين بالعمالة للخارج، زاعمًا بأن الحملة الإعلامية المساندة للاحتجاجات تم تمويلها بمبالغ مالية كبيرة من جهات معادية للسودان، وقال البشير في لقاء سياسي بالقصر الجمهوري: "من يقودون الاحتجاجات غير معروفين وليس لهم أجسام حقيقية يمكن الرجوع إليها" .
حكومة ظل
بالعودة لنشاط التجمع فهو حاليًا المتحكم في مثار الأحداث السياسية، وتتعامل معه الحكومة بردود الأفعال، بحيث يقوم بالإعلان عن جدول أسبوعي للاحتجاجات، تتوزع على المظاهرات الليلية والاعتصامات والمواكب المركزية صوب القصر الرئاسي، علاوة على أدواره الميدانية في إسعاف المصابين ودعم الأسر المتضررة من الأساتذة والأطباء المضربين عن العمل، تمهيدًا لبلوغ العصيان المدني الشامل. ولا يستبعد المراقبون أن يجنح التجمع إلى خيار حكومة ظل مستقبلًا، وربما الإعلان عن حكومة انتقالية من جانبه على غرار ما فعله زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو الذى نصب نفسه رئيسًا لفنزويلا واعترفت به أمريكا ودول أوروبية، فهل سيقبل التجمع على هذه الخطوة بعد ضمان تأييد واعتراف داخلي وخارجي؟ لا سيما وأن الحكومة السودانية تعاني من حصار وعداوات خارجية.
البديل النقابي
ينظر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح، للأسئلة حول غموض التجمع بشكل من الاستغراب، نافيًا صفة السرية عنه، حيث قال ل"ألترا صوت" إن تجمع المهنيين "تنظيم معروف وهو يضم نقابات الظل أو الأجسام البديلة للنقابات الحكومية التي تسبح بحمد المؤتمر الوطني وتتحول إلى مجرد كومبارس يبارك السياسات الحكومية" على حد وصفه.
واعتبر فيصل صالح أن تجمع المهنيين ليس تنظيمًا سريًا، مشيرًا إلى أن كل قطاع يعرف قياداته، سواء كانوا أطباء، مهندسون، معلمون، صحفيون، أساتذة جامعات وغيرهم، لافتًا إلى أن كثيرًا من قيادات التجمع رهن الاعتقال منذ فترة. وأضاف فيصل أن "الجانب الوحيد الذي تحيط به السرية هو أسماء أعضاء السكرتارية التي تدير العمل اليومي"، ومن الواضح أن هناك أسبابًا مفهومة، وراء التكتم وعدم إعلان الأسماء، فلو تم كشفها سيتم اعتقالهم وبالتالي تعطيل العمل.
المعركة الأخيرة
في البدء، انطلق الحراك عفويًا ومن دون أي قيادة إلا من بوصلة تراكم القمع وهدر الكرامة وضنك العيش وقتامة المستقبل، ثم وبوعي ثوري وإدراك عميق، التقط "تجمع المهنيين السودانيين" نبض اللحظة التاريخية واستجاب لها، وفقًا للقيادي اليساري الشفيع خضر، الذي اعتبر أن التجمع تصدى لقيادة الحراك، متخذًا به منحى تصاعديًا، ووفق موجهات قيادية حكيمة، أكسبته ثقة الآلاف التي تهدر في الشوارع. وقال الشفيع في مقال صحفي: "أنا شخصيًا، أجزم بأن أكثر من 99 في المئة من هذه الآلاف المنتفضة في الشوارع لا يعرفون من هم تجمع المهنيين السودانين، ولا تهمهم أسماء الشخوص، ومع ذلك يستجيبون لنداءاته ما دامت تتطابق مع ما يجيش في دواخلهم ومشاعرهم وتطلعاتهم، وتتجسد ملموسًا في هذة التظاهرة وذاك الاعتصام". رافضًا الاعتقاد بأن التجمع محض شبح اسفيري، متسائلًا: هل يعقل أن تستجيب الآلاف في شوارع مدن السودان لنداءات مجهولة المصدر، أو صادرة من أشباح؟.
ومع ذلك ثمة من يرى أن تجمع المهنيين هو تجربة مشابهة لتجمع الهيئات التي كان لها الدور الفاعل في ثورتي تشرين الأول/أكتوبر 1964 ونيسان/أبريل 1985، اللتين أطاحتا بانظمة دكتاتورية، وبالمقابل يبدو أن الطريق بات سالكًا أمام تجمع المهنيين السودانيين لاختراق كبير في الساحة السياسية، فكيف ستنتهي المعركة التي اختار زمانها ومكانها في مواجهة النظام الحاكم السوداني؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.