مواجهات ملتهبة في دوري النخبة    احمد صالح نجم الهلال المخضرم…فلوران خرج في وقت غير مناسب    معز عمر بخيت وزيراً للصحة.. رئيس الوزراء يصدر قراراً بتعيين ثلاثة وزراء ضمن حكومة الأمل    تسليم مدربي الرخصة (A) الأفريقية شهاداتهم في إفتتاح النخبة    والي الخرطوم يصدر توجيهًا بشأن محطة" الصهريج"    الأنظار شاخصة صوب"عطبرة الدامر" وترقّب للحدث المنتظر    مصر لإثيوبيا: افتتاح سد النهضة غير شرعي ومخالف للقانون الدولي    شاهد بالصورة والفيديو.. عريس سوداني وعروسته يشعلان مواقع التواصل الاجتماعي ويتصدران "الترند" في ليلة زفافهما بحبهما وتعلقهما ببعض    بعد أسبوعين من زفافه.. وفاة جوتا في حادث سير    المذيعة الحسناء سالي عثمان تكتب: (شريف الفحيل إلى أين؟!!!)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة للجدل فتاة سودانية ترقص داخل شقتها بالقاهرة على طريقة أشهر الراقصات المصريات وساخرون: (النوع دا ما برجع تاني)    شاهد بالفيديو.. جمهور مواقع التواصل يسخر من المذيعة الحسناء نورهان نجيب بعد محاولتها خوض تجربة الغناء مع الفنانة إيمان الشريف    شاهد بالفيديو.. شباب "نوبيون" يحاصرون الفنانة هدى عربي في وصلة رقص جميلة والسلطانة تتفاعل مع لقطتهم بإعجاب كبير    إعلان خطوة بشأن النشاط التجاري بالسوق المحلي الخرطوم    محكمة بحري: الحكم بالإعدام مع مصادرة المعروضات على متعاون مع القوات المتمردة    إدارة تسويق المحاصيل بالنيل الأزرق تشرع في تشغيل الميزان الإلكتروني    ما هي توقعات الذكاء الاصطناعي لمباراة الهلال السعودي وفلومينينسي؟    خرق خطير يكشف عن برنامج تجسس "Catwatchful" يستهدف آلاف الهواتف حول العالم    درجة الحرارة 40 .. حصيلة موجة الحر تتضاعف في أوروبا.. 8 قتلى وإنذارات في عواصم ومدن كبرى    عرفتك مستشار مع الحاكم لأنك مابتعرِف الفَرِقْ بين التّيْس والخروف !!    لجنة الطوارئ وإدارة الأزمات في الخرطوم تطلق تحذيرًا بشأن المقابر    السودان.. الجيش يصدّ"الهجوم العنيف"    عزمي عبد الرازق يكتب: إسرائيل والدعم السريع.. خفايا لعبة الورق على حدود السودان وليبيا    ابوقرون ينقذ الموسم الرياضي ويقود التنمية المستدامة في ولاية نهر النيل.    ذهب أفريقيا في قبضة 7 شركات.. قائمة ب10 دول تُنتج ولا تستفيد    موعد مباراة ريال مدريد وبوروسيا دورتموند في كأس العالم للأندية    ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    والي الشمالية يخاطب الجمعية العمومية للإتحاد السوداني لكرة القدم    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    السودان.. خبر سعيد للمزارعين    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمير تاج السر : درس من أولغا
نشر في رماة الحدق يوم 30 - 12 - 2019

من الأعمال الإبداعية المهمة التي نشرت عربيا في عام 2019، كتاب «رحالة» للكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك، التي حصلت على جائزة مان بوكر البريطانية في العام الماضي، وظهر اسمها فائزة في جائزة نوبل المؤجلة، كما ظهر اسم النمساوي بيتر هاندكه فائزا بنوبل التي تلت، والتي أعلن عنها مع المؤجلة في يوم واحد.
اسم أولغا لم يكن غريبا عليّ، وتعرفت إليه لأول مرة منذ سنوات، حين عثرت عليها، ضمن كتاب دار نشر إيطالية، كانت نشرت لي ترجمة لإحدى رواياتي، كان من الواضح أنها كاتبة لامعة، لأن الدار خصتها بمساحة أكبر، وكتبت عنها كلاما كثيرا بالإيطالية لا أعرف معناه، لكن دائما ما تهتم دور النشر بأولئك الكتاب الذين يشرفونها من ناحية السمعة، وأيضا تستطيع أن تربح بواسطتهم، باعتبار أن النشر أيضا عمل تجاري واستثماري في كل مكان، لذلك كنت أتابع مراحل الإعلان عن صدور كتاب «رحالة»، وحصلت على نسختي بسهولة، حين كنت في نشاط ثقافي في الكويت، من ضمن معرض الكتاب هذا العام.
كتاب «رحالة»، لا يمكن أن يكون رواية لأن لا أحداث واضحة، ولا معمار روائي موحد تتحرك في فضائه الشخصيات، وأيضا لا شخصيات مستمرة، تصنع دراما متصاعدة، كما نتوقع ونرى في كل الروايات تقريبا، أيضا لا يمكن اعتباره قصصا قصيرة، كما جاء في تصنيف الكتاب على موقع أمازون، لأن معظم ما يحكى داخل الكتاب لا يشبه القصص القصيرة، حتى تلك التجريبية منها، مثل الومضة والدفقة الشعرية وغير ذلك، كما لا يمكن أن يكون خواطر نثرية لأنه ليس كذلك.
إذن يمكننا أن نقول إنه كتاب سردي فيه كثير من الغموض والوضوح أيضا، فيه شخصيات جيدة تصلح لأن تكون أبطالا في أعمال روائية، وشخصيات هامشية تصلح لأن تكون هامشية في الروايات ولأن ما يروى في الغالب يأتي بصوت الراوية المتنقلة من بلد إلى بلد، ومن حكاية صغيرة إلى أخرى أصغر أو أكبر، سيكون الكتاب مشاهدات لرحلات شتى يقوم بها شخص ما، هو الراوي أو الراوية، وأيضا مشاهدات أخرى لا تروى بواسطة الراوي المذكور. باختصار هو كتاب معقد وممتع ومغو للقراءة، وتستطيع أن تقرأه بسرعة وتحس بالجمال فيه.
أحيانا تتمنى لو كان رواية، ذلك حين تمسك بقصة مثل قصة الرجل الذي أضاع زوجته وابنه في غابة صغيرة، في بلدة ساحلية صغيرة، واستنفرت البلدة كلها للبحث عنهما ولم يعثر لهما على أثر. هبطا من السيارة لقضاء حاجتيهما في طرف الغابة، ولم يظهرا مرة أخرى. نحن نتابع الدرب الذي سلكاه عشرات المرات صحبة الزوج والشرطة والأهالي، ننتقل لأماكن أخرى قد يكونا طرقاها، مثل جبال ساكنة قريبة، وسفينة راسية على الساحل، نلتقي بوجوه كثيرة وجهود كثيرة ولا أثر، نحس بالضياع وأننا بحاجة لمخرج، لكن الكاتبة تترك القصة هنا لتبدأ منحنى آخر في الغالب أكثر جاذبية، وأظن أن ثمة ذكاء كبير هنا لأن القارئ لا تقنعه النهايات المبهمة غالبا، وسيضع نهايته الخاصة لقصة المرأة وطفلها، وشخصيا وضعت نهاية تلائم تفكيري وهي أنه لم يكن يرافق الزوج امرأة وطفل قط، وأنه كان وحده، ويتوهم وجود أحد معه اختفى فجأة.
مشاهد أخرى للرواية تتحدث عن مطار ما وامرأة ثرثارة التقتها في صالة المغادرة الأخيرة، وتناولتا قهوة وأحاديث متشعبة عن حياتهما، هي قصة عادية وتصادفنا كثيرا في السفر، حيث لا بد من شخص ثرثار أو اقتحامي، يغتاظ من عزلتنا حين نكون نقرأ أو نتأمل، أو حتى نجلس بلا أي شيء، وتبدأ حكايات لا مناص من سماعها حتى موعد الطائرة. القصة المربكة التي راقت لي كثيرا، هي قصة الرجل الذي جاء من بعيد، واستقر في جزيرة صغيرة، ويقوم بقيادة سفينة صغيرة بين الجزر، ينقل فيها الموظفين من أماكن سكنهم إلى أعمالهم والعكس، ينقل طلاب المدارس، والسياح الذين قد يكونون متوافرين هناك، ويحلم دائما بالعودة لوطنه، الذي جاء منه، لكن لا وطن سوى البحر والسفينة الصغيرة والعمل اليومي، الذي لا ينتهي، ثم في النهاية يخالف كل ذلك وينطلق بسفينته الصغيرة المتهالكة إلى عرض البحر، وسط رعب الركاب. هذه قصة عن الهوية والأحلام والمكاسب الشاحبة أمام خسارة الوطن.
صحيح أن الأوطان ليست كلها طيبة، وليست كلها جميلة وليست كلها ترحب بأبنائها أو تمنحهم ثدي الرضاعة والحضن الآمن، لكن الأبناء يخترعون الإيجابيات كي يبقوا فيها أو يعودوا إليها مهما طال الغياب، وكنت تحدثت كثيرا عن أحاييل الحنين التي تضفر في الغربة بحبال متينة، وتمنح المغترب مشاهد شديدة الإغراء لوطن لا يشبه تلك المشاهد، ولا يكتشف خدعة الحنين إلا حين يعود. أوطاننا نحبها كثيرا لكن لا نستطيع الجزم إن كانت تحبنا أم لا؟
مشاهدات كثيرة في كتاب «رحالة»، بعضها بسيط وبعضها متشعب، ولغة عظيمة تضفر المفردات المطلوبة ببعضها، لإخراج نص محترم وجديد وشديد الخصوصية، ولعل قدرة المترجم إيهاب عبد الحميد أيضا منحت النص روحا عربية، بحيث تقرأ النص كأنك تقرأه بلغته، على الرغم من أنه ترجم غالبا عن الإنكليزية، وهذا يشير إلى تطور الترجمة لدينا في السنوات الأخيرة، وأنها لم تعد حكرا على مترجمين معينين يغلقون على جمالياتها في خزائنهم، إنها فن كبير ومتسع الآن، وقرأت روايات لمترجمين جدد، أحببتها كثيرا.
في النهاية سنعتبر نص أولغا المعنون «رحالة»، من النصوص التي يجب قراءتها، هو نص للمتعة والمعرفة والتأمل ومتابعة التجريب في الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.