- ومن الأسئلة «الخلاَّقة»، سؤالٌ حيَّرني، بعث به إليَّ في رسالةٍ هاتفيَّة، أخي وصديقي، الأستاذ / راشد عبد الرحيم ، وما حيَّرَني حقَّاً هو ما بدا لي من كون السؤال المفاجيء، قد جاءَ بغير مناسبةٍ ظاهرة، ولكن بالتأمُّل، تكشَّفَ لي أنَّ السؤال الحصيف، يختزن في جوفه إجابةً، بل إجاباتٍ على كثيرٍ من الأسئلة المحيرة في واقع ما نسميه «الحركة الإسلامية»، التي استحوذ جوفها على كثيرٍ من الغُثاء الذي يتزيا بزي التبر، والجهل الذي يتزيا بزي العلم!! - السؤالُ كان يقول :« متى يتحوَّلُ الكلبُ العقورُ إلى حمارٍ ذلول؟؟» - ظللتُ نهاراً كاملاً أتأمَّلُ السؤال العصي، وأنا أعرِفُ عن صديقي راشد أنهُ ليس من هواة العبث، وأعلمُ يقيناً أن سؤالهُ هذا لم يكُن وليد لحظته، وما شككتُ في أنَّهُ أوجز فيه أسئلةً شتَّى، وإجاباتٍ شتَّى أيضاً، ولكنني لم أشأ أن أستفسرهُ عن مبعث السؤال، بل بدا لي أن الأجدى هو البحث عن إجابته التي تربضُ بلا ريبٍ في مكانٍ ما.. - متى يتحول الكلبُ العقور إلى حمارٍ ذلول؟؟.. هُما جنسانِ من الحيوان، كلاهُما يأتَمِرُ بأمرِ سيِّدِهِ، أوَّلُهُما في الأذى صرفاً، والآخرُ في النفع صرفاً، ومع ذلك فهُما يستويان في حقارة الشأن، فمتَى يا تُرَى يُمكِنُ أن يستبدلا المواقع؟.. - تجاربي الشخصية أوقفتني على نوعٍ من «البشر» يَرى المجدَ كُلَّهُ في أن يتوهَّمَ نفسه «حارس مرمى الحقيقة» المستقل بمعرفتها، المستأثر بالتصرف فيها، الموكَّل بالحُكم على الناس بميزانها، حسب مواقعهم منها، ومحاكمتهم «محاكمةً ناجزة» باسم الحقيقة أو الحق أو الصواب!!.. وأنا لا أرى كبير بأسٍ بالمصابين بمثل هذا الداء، وهُم كثرٌ، ما لم يبلُغ الداء منهم مبلغاً يجعلهم يتجاوزون الاتهام إلى السباب والشتم والقذف. - إن فيزياء «الكلب العقور» تتحكم اليوم في طوائف من المسلمين تتنابح في ما بينها، بأسهم بينهم شديد، يرى أحدهم نفسهُ إمام «الفرقة الناجية» وحادي ركبها إلى الفردوس!! و كأنهُ أخذ على الله عهداً بأن يدخله الجنة.. ومثلُ هذا لا ينقلبُ أبداً إلى نفسه فيحاسبها، أو ينشغلُ بعيوبه فيداريها، فهو عند نفسه معصومٌ من الزلل، موكَّلٌ بإصلاح الآخرين فقط!!.. - فإن قدر الله لك أن تراهُ في مواقف أُخرى، مواقف تستوجبُ الشدَّة حيث العدُو الحقيقي، فإنك ترى أخاك المسلم هذا يا صاح، أينما وُجد بعض اليهود أو النصارى أو أذيالهم، يرتدي «بردعة» الحمار الذلول، لا ينبس في محضرهم ببنت شفة، ولا يرَى عداوتهم ديناً، فالدين هو عداوة «العُصاة» في فهمه من المسلمين، وهُو الإغلاظ عليهم و سبهم أينما تيسَّر.. - يبدُو لي أنني وُفِّقتُ في سبر أغوار السؤال، سؤال صديقي راشد عبد الرحيم : متى يتحول الكلب العقور إلى حمارٍ ذلول؟؟ الجواب الأمثل: حيثما أطلَّ «الأخضر» بلا شك، وأعني بالأخضر «البرسيم»طبعاً ، وليس «الدولار»!! -لا أستبعِدُ أن يكون سؤالُهُ ثمرةً لتجربةٍ حيَّةٍ عايشها، مع «كلبٍ عقور»، أو ربما مع «حمارٍ ذلول».. والله تعالى أعلم.