لم تسمح لنا الظروف بأن نلتقيك سوى عبر هاتفك الذى لم ينقطع عنا متفقداً أحوالنا وأحوال أهلنا وطبيعة مهنة الصحافة الشاقة بدارفور، رغم أننا في أقصى غرب السودان وأنت فى شرقه، فكان رحيلك أخي وصديقي مهدي سعيد صبيحة السبت فاجعة لنا نحن مراسلي «الإنتباهة» بولايات دارفور، لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فقد كان الفقيد نعم الأخ والصديق، ولم يجعل له أرضية فقط وسط أهله بالقضارف، بل دخل قلب كل مراسل للصحيفة بالولايات المختلفة، وهو يدافع عن قضايا بالصحيفة قبل قضيته، وكان له الدور الكبير في عودة «ربوع السودان» لأربع مرات في الأسبوع بعد أن كانت مرتين من خلال مهاتفته لنا بتوحيد الرؤى حول تلك القضية التى رفعناها بالإجماع لرئيس قسم الولايات الأستاذ جعفر باعو، حتى عادت «ربوع السودان» عملاقة، وزادها بريقاً يراع فقيدنا «مهدي» الذى سيظل في وجداننا وبين أهلنا الذين عرفوه من خلال حديثنا لهم عنه حينما يكتب عبر تلك الصفحة.. أخي مهدي قد طالبتني مراراً وتكراراً بأن أزورك فى القضارف وأتعرف على أهلك، ودائما أقول لك إن شاء الله سيحدث ذلك، لكن بعد المسافة ووعورة الطرق بدارفور وتكاليف السفر الباهظة حالت دون ذلك حتى أراك بأم عيني حتى أخذك الله تعالى من دار الشقاء إلى دار الراحة.. نسأله تعالى أن يتقلبك قبولاً حسناً ويجمعنى وإياك في جنات خلده طالما حرمتنا الظروف من اللقاء في هذه الدنيا إلا عبر هاتفك.. ونسأل الله أن يصبر أسرتك، وأن يواصلوك بالدعاء بدل الحزن يا رفيقنا.. ويوافقني ما ذكرته في حق فقيدنا وهو قليل عليه الزميل مالك دهب مراسل «الإنتباهة» بولاية شمال دارفور، حينما قال لى لا أستطيع أوفي «مهدى رحمه الله حقه»، كما أن معرفته له أيضا كانت عبر الهاتف، لكنه كان نعم الزميل على حد قوله، واضاف مالك قائلاً إن المرحوم كان يطالبه بضرورة أن يكون هناك تبادل للزيارات بين المراسلين بالولايات، حتى يتحول الأمر من عمل مهني رسمي إلى علاقات أسرية، إلا أن مشيئة الله أرادت أن يذهب إلى دار أخرى دون أن تتحقق أمنيته. وتابع مالك قائلاً: «كانت من بين وصاياه للزملاء بالولايات التوسع في العمل الصحفي ومراسلة وكالات خارجية لرفع كفاءتهم وزيادة دخلهم»، بينما مراسل الصحيفة بغرب دارفور محيي الدين زكريا ربما يكون أوفرنا حظاً بأنه التقى بالمرحوم من قبل، وقال إن لقاءهم كان فى يوم 27/2/2008م في ملتقى المراسلين الذي نظمته «الإنتباهة» عبر قسم الولايات الذي كان يرأسه في ذلك الوقت الاستاذ صلاح باب الله. وقال محيي الدين إن المرحوم كان يناقش قضايا زملائهم بتجرد ويطالب بحقوق إخوته بالولايات قبل المطالبة بحقه، وأضاف: «كنا في بداية العمل الصحفي وقتها، واندهشت لتلك الجرأة التي كان يتمتع بها الفقيد»، لافتاً إلى أن مهدي رحمه الله ظل يقدم له بعض النصائح بالحد من نقده وكتابته الحادة في ولاية تأثرت بظروف الحرب، حتى لا يدخل في بعض المخاطر. ولأن العديد بالولايات لا يدرون شيئاً عن قانون الصحافة والمطبوعات، لكنه كان يشجعه على الاستمرار في تناول قضايا المواطنين بولاية غرب دارفور. وتابع محيي الدين قائلاً: «كان المرحوم يقول لي أنا لو كنت في مكانك يا محيي الدين بغرب دارفور سيكون لى عمل يومي عبر صفحات الإنتباهة»، فنحن مراسلو «الإنتباهة» بالولايات نؤكد ما ذهب إليه الأخ الصادق البصير بأن رئيس القسم جعفر باعو ظل يردد بأن مهدي رحمه الله أفضل مراسل ل «الإنتباهة» بالولايات، وهى قلادة شرف نضعها نحن اليوم على جبين اسرته بقضارف الخير عبر هذه الأسطر التى هى قليلة في حق شيخ المراسلين الأستاذ مهدى سعيد رحمه، الذي بكت عند رحيله دارفور والقضارف وكل ربوع السودان، حيث كتب مهدي عن القضارف متحدثاً عن حقولها وانتاجها ومشكلات مزارعيها، وظل يبحث عن الحلول لكل القضايا، وسال مداد قلمه عن هموم القضارف حول الثقافة والرياضة والحدود، وجال وصال بين القرى والمحليات يتلمس قضايا المواطنين ليعكسها بكل صدق وتجرد. مهدي أدى رسالته على أكمل وجه، وقد شهد له الجميع بمهنيته الصحفية ونقله الوقائع والأحداث بشفافية ومصداقية، دون البحث عن الإثارة أو الغرض. وفي يوم رحيله خرجت القضارف كبارها وصغارها الأصدقاء والأهل والقيادات السياسية والشعبية في موكب ذرفت فيه الدموع وحمل فيه النعش، حيث ترددت أصوات التهليل والتكبير وتلاوة القرآن ليرقد الجسد الطاهر في مثواه الأخير والأكف مرفوعة بالدعاء له بالرحمة والمغفرة. وستظل القضارف تذكر مهدي سعيد وإسهامته الصحفية وجهده الكبير من أجل النهوض بها، فقد نقل نبضها عبر قلمه والكاميرا، وهي مشاهد حية عكست نبض الولاية في كل جوانبها. وفي تشييعه لمثواه الأخير تحدث وزير الثقافة الدكتور فتح الرحمن الجعلي وعدد مآثره ومدح أخلاقه، داعياً الله أن يتغمده بالرحمة.. اللهم ارحم مهدي سعيد بقدر ما قدم، واسكنه الجنات مع الشهداء والصديقين.