حينما تسلَّمت تكليف رئاسة قسم الولايات ب «الإنتباهة» أواخر عام 2009م، طلبت من زميلي وصديقي صلاح باب الله أرقام هواتف مراسلي الصحيفة من أجل التواصل معهم، فكان أول الأرقام التي ذكرها لي رقم مراسل ولاية القضارف، وظل الأخ باب الله يمدحه لي بأفضل الكلمات وأروعها، وقال لي إنه من أنشط المراسلين ليس ب «الإنتباهة» فقط وإنما بكل الصحف السودانية، فاتصلت بمهدي سعيد، وأقسم بالله العظيم أن أول محادثة لي معه جعلتني أشعر بأنني أعرفه قبل سنوات طوال، فلم تكن بيننا حواجز أو غموض بل كان واضحاً شفافاً طيباً جداً، ومنذ تلك المحادثة عرفت مهدي سعيد الذي لم أره إلا حينما أعلن المؤتمر الوطني اختيار كرم الله عباس الشيخ مرشحاً للحزب لمنصب الوالي في القضارف، فجاءتني الدعوة لمرافقة كرم الله، وكنت متحمساً لتلك الزيارة من أجل لقاء مهدي سعيد الذي وجدت صورته مثل دواخله بيضاء نقية.. قابلته بوجهه البشوش الوضاح، وبهذا الوجه رحل عنا مهدي صباح أمس الأول دون استئذان.. رحل مهدي دون وداع لأصدقائه وأحبابه وعشاق قلمه الجريء.. ولعلي أجزم أن خبر رحيل مهدي الذي جاءني عبر الهاتف وأنا في تغطية صحفية بمدينة الدمازين لم يشابهه إلا خبر رحيل شقيقي وصديقي نادر باعو في بداية هذه الألفية، وأيضاً كنت في رحلة عمل بمدينة الأبيض، وفي كلا المكالمتين الأليمتين لم استطع إكمال المحادثة من هول الخبر، فذرفنا الدموع.. بكى صلاح باب الله والفاضل إبراهيم وحتى محمد «سائق الليموزين» حزن لرحيل مهدي، وقال لي «والله هذا الشاب رغم عدم معرفتي به إلا أن رحيله أحزنني»، فهذا هو مهدي يحزن الجميع لفراقه ويبكي الجميع لرحيله. ذرفت الدمعة يا الغالي وكل لحظة أذكرك فيها وتركت جروحاً في صدري.. وجروحي مين يداويها وعزاي الوحيد إنك تكون في جنة الخلد وشايف اللي فيها وربي رحمك وأخذك لدنيا خير من الدنيا اللي أنا أبيها اللهم ارحم مهدي واسكنه داراً خيراً من داره وعوضه أهلاً خيراً من أهله.. اللهم اسكنه الجنة مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم امنح أسرته الكبيرة وأسرته الصغيرة زوجته وأبناءه وأهله وأصدقاءه الصبر والسلوان، وتغمده بواسع رحمتك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. «إنا لله وإنا إليه راجعون»