كردفان الكبرى دائماً متميِّزة بدءاً من جغرافيتها وسهولها ثم إنسانها الذي ينتمي لتلك البيئة الملهمة، والذي يشاهد ويعايش واقع كردفان ويقرأ تاريخها يجد أنها تحتضن كل القوميات والعرقيات دون تمايز ولم تنكفئ كما بعض المناطق، لذا تجد طبائع وخصال إنسان كردفان تختلف تماماً عن أي مجتمع آخر.. مطلع هذا الأسبوع نظَّمت روابط طلاب شمال كردفان بجامعة أم درمان الإسلامية يوماً اجتماعياً كان متفرِّداً لا تفصح عنه الكلمات الموجزة، فهو قد حرّض ذاكرتنا وأنعشها بما قيل شعراً ونثراً، فعلى الرغم من فرحي بالمشهد داخل صالة الخليل بالموردة إلاَّ أنني قد حزنت بشدة للحضور الفاتر لقيادات ورموز شمال كردفان، فكنت أظن أن المناسبة استثنائية وكان الأجدر أن يحضر عدد مقدر من أولئك الذين يمثلون نسيج الولاية السياسي والاجتماعي حتى يمنحوا هؤلاء الفتية الثقة والقدرة على السير؛ لأن التضامن مع هؤلاء الشباب يمثِّل صكًا يدفع بالجوانب المشرقة.. نعم غاب الكثيرون عن ذلك المشهد الرائع لكنهم كانوا حضوراً في شخص البروفيسور/ حسن عباس حسن مدير جامعة أم درمان الإسلامية الذي حضر بطاقيتين، الأولى وهو بصفته مديراً للجامعة والثانية هو ابن كردفان المولد والنشأة، فهو من «أبو زيد» وفيه يتجسّد كل الوجدان الكردفاني ولم تفقده الهجرة والبُعد عن كردفان ودّها وعشقها، كما أن الشاعر البدوي الشفيف عبد الله ود إدريس قد وثَّق جغرافية وإنسان وموارد وخصائص كردفان شعراً رائعاً في فكرة كانت سيناريو ملهمًا وغزلاً شفيفًا عن طبائع أهل كردفان وكرمهم وفراستهم، في تلك اللحظة كل من الحضور قد لبس وشاحاً ودرعاً متوهماً وأعادت له ذاكرته مشهداً رائعاً من مشاهد كردفان وباديتها المؤنسة. في نقاء ذهني متفرِّد نثر الشاعر الشاب الوسيلة محمد نور شعراً غلب عليه تصوير واقع كردفان وإبراز محاسنها الأخاذة فكانت كل عبارة ينطقها تعدل قبلة على جبين «الغرة أرض الخير» وتزيد عليها بكثير، فقد أفلح في صياغة ونسج جمال وسحر تلك البيئة في قصيدة ممتعة فعلت القصيدة عجباً على الحاضرين فتدفّقوا نحوه كل يعبِّر بطريقته الخاصة وأسلوبه الخاص في تفاعلٍ مدهش.. حضر باكراً رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني الأستاذ الفاضل حاج سليمان وجلس بجواره النائب البرلماني مهدي أكرت، وكذلك النائب علي الشرتاية، غير أن اللافت الحضور السافر لقيادات حزب المؤتمر السوداني «حزب الرجل الواحد» حضروا يدفعهم وهمٌ وهوسٌ مستديم، فقد كاد بعضهم يُفسد علينا تلك «اللمّة» الكردفانية التي نجح الطلاب في صناعتها تخطيطاً وتنفيذاً وفشل فيها قادة كردفان السياسيون.. ما كان المكان والمناسبة يحتملان غير عبارة «كردفان حزبنا وأمّنا» لكن يبدو أن البعض من القلقين أراد أن يستغل المناسبة ويتنفس سُماً، إنني على يقين تام أن السيد إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني لم يكن في ذاته بذلك القلق المتوهم من بعض المتوترين، وهو أي «إبراهيم» في شخصه محل تقدير واحترام لكنه قد أصبح شخصية عامة ومكاناً للجرح والتعديل والنقد، لكن مع ذلك ونصيحة خاصة للرجل وبما أنه طارح نفسه رجل بر وإحسان الأفضل أن لا يشرك ذلك بالسياسة وأن كثيرًا من الذين حوله «نفعيون»، أقترح عليه حل الجسم الهالك «حزب المؤتمر السوداني» وتحويله إلى منظمة مجتمع مدني أو جمعية خيرية وينتظم هو شخصياً في أروقة أي من الأحزاب المحترمة ولا يخلط عمل الخير بعمل الشر والسوء الصادر عن «جوبا» و«كاودا»، فإذا فعل ذلك سيتفرق أولئك «كلاب الحَرْ» بفتح الحاء وتسكين الراء هؤلاء غير مطابقين للمعايير المؤهلة للممارسة السياسية ولا يلتقون في أي مظاهر النشاط السياسي الموزون!!. بصراحة شديدة في ذلك اليوم الكردفاني قد لاحظت اهتمام الطلاب واحتفاءهم بالسيد إبراهيم الشيخ، فتم تكريمه مع آخرين للأسف جميعهم كانوا غياباً حضره هو وقد صبر حتى نهاية الحفل وكان هناك تفاعل متبادل يكشف بجلاء أن سياسة «الرجل» قد اتَّجهت «بذكاء» إلى الاستثمار في هؤلاء «النُضُر» من الشباب وهو اتجاه خطير بحسابات السياسة على الآخرين!!.. ليس هناك شخص بمقدوره منع «الرجل» لكن المنافسة مطلوبة وإلّا ستلحق بالجميع طامة في شمال كردفان ما لم يحصل تجديد وانحراف في خطاب الحزب المغمور والضامر، ولكنه «قوي بحقو الما ببخل بيهو». المؤسف أن الدعوة بلغت الجميع من قيادات شمال كردفان لكنهم لم يلبوا فبعضهم كان مشغولاً بفرض رأيه على إنشاء محلية جديدة في دائرته الاجتماعية وهو مبلغ غروره ومقصده، وبعضهم فرحاً بأنه قد أفلح في الإتيان بمعتمد في منطقته من غير أهلها حتى يشكله كيف يشاء، أيها النائمون أفيقوا وانظروا إلى أولويات كردفان واملكوا الرعية بالإحسان إليهم، ولعل هذا ما ظفر به «ود الشيخ» وأكسبه محبة البعض!!.. على أي حال شكراً أيها الشباب «طلاب شمال كردفان بالجامعة الإسلامية» فقد أحييتم فينا تراث وموروث كردفان، وشكراً ابن البزعة المبدع الفنان «ود البكري» وأنت تعطر ذلك اليوم بالشدو الجميل، يا سلام عليك وأنت تعيد ذاكرتنا بشجن كردفان ووجدانها الطروب، فقد هجتنا بتلك المقاطع سنورد منها: مر شمال «أم بل» وقاصد أم بادر أمشي بالقمرة تلقى النعام سادر فيهو اتغزل وأوعى لا تكابر!! لفائدة المعرفة العامة «أم بل» هي مسقط رأس البروفيسور عوض السيد الكرسني أستاذ القانون بجامعة الخرطوم، وهي تقع على الجزء الغربي من شمال كردفان في حدود الولاية مع شرق دارفور، ومن محاسن الصدف يتغنى لها «ود البكري» الذي نشأ في بيئة كردفان الشرقية «أراضي البزعة» الرابطة ما بين سهول كردفان وحوض النيل الأبيض وفيها المواطن متمِّيز بثقافة مزدوجة وهي بيئة ملهمة «أرض الباجة» الرعوية وذات الخصوبة العالية في كل شيء.. هي كردفان أم الرجال وهي الودود الحنون!!.