يعتبر نهر النيل أهم نهر في إفريقيا وثاني أطول نهر في العالم، ويتألف من رافدين كبيرين: الأبيض الذي ينبع من بحيرة «فكتوريا» في وسط إفريقيا، والنيل الأزرق ينبع من بحيرة «تانا» في الحبشة. ويلتقي هذان الرافدان في مدينة الخرطوم، ويستمر النهر في مسيرته إلى مصر، وإلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط. وأضحى نهر النيل عبر العصور والأجيال المتتالية مصدر وحيٍ بمختلف أخيلتهم ورؤاهم الإبداعية. وما فتئوا ينظرون إليه نظرات حبٍ وإعجاب، وتقدير في كل زمانٍ ومكان. والشاعر المصري الكبير أحمد شوقي وقف على شاطئ النيل في لحظة إعجاب وتأملٍ، وفي فكره وإحساسه أسئلة حيرى تبحث عن مرافئ ثقةٍ وطمأنينة ويقين لكي تهدأ عندها خواطره، وتستقر نفسه وتسعد بها مشاعره، وهو يطرح السؤال إثر السؤال لعله يجد إجابة مقنعة يطمئن إليها، بقوله في قصيدة «النيل»: من أي عهدٍ في القرى تتدفق وبأي كفٍ في المدائن تغدق؟ ومن السماء نزلت أم فجرت من عليا الجنان جداولاً تترقرق؟ وبأي عينٍ أم بأية مزنةٍ أم أي طوفانٍ تفيض وتفمق؟ وبأي نولٍ أنت ناسج بردةٍ للضفتين جديدها لا يخلق تسود ديباجاً إذا فارقتها فإذا حضرت اخضوضر الاستبرق في كل آونةٍ تبدل صيغة عجباً وأنت الصايغ المتأنق تسقي وتطعم لا إناؤك ضائق بالواردين ولا خوانك ينفق والماء تسكبه فيسبك عسجداً والأرض تغرقها فيحيا المغرَق! وبخيالٍ مجنحٍ وإحساسٍ مرهف، ارتسمت في ذاكرة ووجدان شاعرنا السوداني المبدع التجاني يوسف بشير لوحة فنية زاهية الألوان بديعة الصور، نبصر فيها من خلال صياغته الشعرية الرائعة «نهر النيل» محمولاً من جنة الفردوس على أجنحة الملائكة إلى سكان المعمورة، وهو يقول في قصيدته «محراب النيل»: أنت يا نيل يا سليل الفراديس «م» نبيل موفق في مسابك ملء أوفاضك الجلال فمرحى بالجلال المفيض من أنسابك حضنتك الأملاك في جنة الخلد«م» ورفت على وضيء عبابك وأمدت عليك أجنحةً خضراً «م» وأضفت ثيابها في رحابك فتحدرت في الزمان وأفرغت «م» على الشرق جنةً من رضابك بين أحضانك العراض وفي كفيك «م» تاريخه وتحت ثيابك مخرتك القرون تشمر عن ساقٍ «م» بعيد الخطى قوي السنابك يتوثبن في الضفاف خفافاً ثم يركضن في ممر شعابك ويسترسل الشاعر المبدع التجاني يوسف بشير إلى أن يقول: أيها النيل في القلوب سلام الخلد «م» وقف على نضير شبابك أنت في مسلك الدماء وفي الأنفاس تجري مدوياً في انسيابك! ومن الوجد والهيام بمحاسن نهر النيل، عبّر الشاعر المصري الدكتور أحمد زكي أبو شادي عن مدى وفائه وابتهاجه بالخير العميم الذي أنعم به الله تعالى على أهل وادي النيل بهذا النهر العظيم، قائلاً عنه: يجري بماء حياتنا وحياته فكأنما صرنا سريّ نباته يجري بغالي الرزق جري موفقٍ للبر لا يمتن من حسناته وسخاؤه يأبى الرجوع لبذله فيذوق ملح البحر عذب فراته حتى الهواء، فلطفه من جوده حتى النسيم، فطبعه من ذاته وترى المروج يمينه وشماله صور الجمال حنت على مرآته وترى الحقول قصائداً منظومةً بالرائع الفتان من أبياته يا نيل لن ينسى عهودك شارب مما منحت وذاكر ُلحماته! وفي وجدان الشاعر السوداني عمر الحسين شوق وحنين للعودة إلى قريته «نوري» في شمال السودان لكي يسعد بمشاهدة رونق الطبيعة ومباهجها الخلابة التي أضفى عليها نهر النيل جمالاً وبهاءً وسحراً ولم تبرح فكره وخياله ذكرياته الجميلة عن قريته الحبيبة «نوري» أثناء غيابه عنها قائلاً: تلك «نوري» وجنة الله نوري فيك نيل الحياة يخطو وئيداً مثل فينوس تتثنى في المسير فيك أغرودة شدتها طيور بين غصنٍ وزهرةٍ وغدير فيك عين الظبا وسحر الغواني وانطلاق المنى ولحن السرور! فيك كل الحياة حين تناجي بسمة الفجر يا نعات الزهور! ويرى الشاعر المصري علي محمود طه نهر النيل شرياناً للحياة، إذ جعله الله هادياً ومرشداً للوحدة والإخاء بين الشعبين الشقيقين: المصري والسوداني، وذلك بقوله في قصيدته عن النيل: أخي إن وردت النيل قبل ورودي فحي ذمامي عنده وعهودي! وقبِّل ثرى فيه امتزجنا أبوةً ونسلمه لابنٍ لنا وحفيد أخي إن أذان الفجر لبيت صوته سمعت لتكبيري ووقع سجودي أخي إن شربت الماء صفواً فقد زكت خمائل جناتي وطاب حصيدي أخي إن جفاك النهر أو جف نبعه مشى الموت في زهري وقصف عودي حياتك في الوادي حياتي، فإنما وجودك في هذي الحياة وجودي! ويستطرد الشاعر الكبير علي محمود طه في قصيدته إلى أن يقول: أخي إن نزلت الشاطئين، فسلهما متى فصلا ما بيننا بحدود؟ وغامت سمائي بعد صفو وأخرست مزاهر أحلامي، ومات نشيدي غداة تمنى المستبد فراقنا على أرض آباءٍ لنا وجدود وما مصر والسودان إلا قضية موحدة في غايةٍ وجهود إذا يدنا لم تدك نار حياتنا فلا ترج دفئاً من وميض رعود إذا يدنا لم تحم نبع حياتنا سرى ريه سماً بكل وريد وكيف ينام المضعفون وحولهم ظماء نسورٍ أو جياع أسود؟ على النيل يا ابن النيل أطلق شراعنا وقل للياليه الهنية: عودي! والشاعر السوداني الكبير إدريس محمد جماع أبصر في النهر بإحساسه المرهف وذوقه الفني الرفيع، سحر الطبيعة وإشراقة الحياة! وربيع الدنيا أضحى أكثر رونقاً وبهاءً في ناظريه وهو يتأمل بحبٍ وإعجابٍ نهر النيل قائلاً: وادٍ من السحر أم ماء وشطآن أم جنة زفها للناس رضوان؟ كل الحياة ربيع مشرق نضر في جانبيه وكل العمر ريعان تمشي الأصائل في واديه حالمةً يحفها موكب بالعطر ريان وللطبيعة شدو في جوانبه له صدى في رحاب النفس مرنان إذا العنادل حيا النيل صادحها والليل ساجٍ، فصمت الليل آذان حتى إذا ابتسم الفجر النضير لها وباكرته أهازيج وألحان تحدر النور من آفاقه طرباً واستقبلته الروابي وهو نشوان أقبلت من ربوةٍ فيحاء ضاحكة في كل معنىً بها للسحر ايوان! والنيل مندفع كاللحن أرسله من المزامير إحساس ووجدان!