دور الموروثات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الدبلوماسية الوقائية بين قبائل دار فور في الفترة ما بين «1990 2009» عنوان لبحث قيم، قدمه الزميل الإعلامي ياسر أحمد أبو عقيلة الشيباني لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الزعيم الأزهري، وهي رسالة ضخمة تقع في «272» صفحة مزودة بوثائق تاريخية وخرائط جغرافية وصور فلكلورية شعبية.استخدم الباحث في بحثه عدة مناهج بحثية منها المنهج الوصفي التحليلي والمنهج الاستقرائي لبحوث العلوم السياسية والذي يأخذ الجزء للوصول به إلى الكل بجانب المنهج التاريخي. وتعد الرسالة من البحوث النادرة التي أُجريت في دار فور من حيث المحتوى والمضمون واللغة العالية، حيث غاص الباحث في أعماق تاريخ دارفور منذ عهد السلطنات وجني قيمها وإرثها ومن ثم قام بتوظيفها توظيفاً حديثاً متماشياً مع قضايا العصر، وقدم دراسة واقعية متفردة لإنسان دارفور من حيث تكوينه العشائري والقبلي والثقافي، وعلاقاته ووشائجه التي تربط بينه وبين محيطه المحلي والإقليمي وركّزت الدراسة على العادات والتقاليد والقيم الأخلاقية الفاضلة التي يتحلى بها إنسان دار فور، ففي مجال العلاقات الاجتماعية تحدثت الدراسة عن الجوديّة، كإرث اجتماعي ومحكمة شعبية مصغرة لدرء المشكلات وفضّ النزاعات بين الأفراد والقبائل، كما تحدثت عن نظام الراكوبة كنظام اجتماعي لحفظ العلاقة بين القبائل في حل المشكلات التي تنشأ بين القبائل.. كما تطرقت إلى المنيحة وهي منحة من الأغنام أو الأبقار يقدمها الأغنياء إلى الفقراء لكي يستفيدوا من ألبانها وسمنها في فترات الجدب والقحط والعوز.. لكني أركز في هذا المقال علي جزئية الموروث الثقافي في الرسالة ودوره في الوقائية الدبلوماسية، والذي يتم من خلال مجالس البرامكة «مجلس شرب الشاي» والأمثال الدارفورية والحكم والأقوال، بجانب الأدب الشعبي الذي يشمل شعر الهدايين والسنجاكة والحكامات والبوشانين والتي تحمل قيماً ثقافية نبيلة لقبائل دارفور تجاه مبادرات نشر ثقافة السلام ومنع النزاعات، بأساليب وطُرق متعددة وتشيد السلام في نفوس سكان الإقليم، وتدعو إلى احترام خصوصية كل قبيلة وتبسط الثقة بين أفراد المجتمع وتظهر تنوعهم الثقافي. وقسم الباحث القيم الثقافية إلى قسمين قيم ثقافية دينية وقيم فنية، مشيراً إلى أن القيم الدينية هي التي عُرف بها مواطن دارفور منذ عهد السلطنات الإسلامية وإلى اليوم، مثل سلطنة الداجو والتنجر وسلطنة الفور وعلاقات تلكم السلطنات مع الدول الإسلامية مثل تركيا والسعودية ومصر، وأيضاً من القيم الدينية خلاوي القرآن «المسيد» التي قامت بدور بارز في تنشئة إنسان الإقليم من خلال مساهمته في كسوة الكعبة والمحمل والذي كانت له مراسم خاصة فرضها السلطان، إضافة إلى سقي الحجيج، ويقول الثقاة إن آبار علي بالأراضي المقدسة هي آبار حفرها السلطان علي دينار.. أما القيم الفنية فتشمل الأدب الشعبي والغناء والرقص ومهرجانات الزفة والنقارة ومهرجانات الفروسية وسباق الهجن ومناسبات الأعياد الدينية «الفطر والأضحى» وأعياد الحصاد ومناسبات الأعراس والختان. وجميع المناسبات أعلاه عبارة عن مهرجانات فنية وملاحم شعبية تتبارى فيها الفرق الشعبية للقبائل لتقديم كنوزها ودُررها الغنائية التي تحمل معاني الكرم، والمروءة والفروسية، حيث نجد أن الموروثات الثقافية مليئة بقيم السلام والتسامح والتعايش السلمي، وتنضح الأمثال الشعبية الدارفورية بقيم الدبلوماسية الوقائية، التي لو طبقها مجتمع دارفور المتنافر المتشاكس لغطّ في سلام دائم، ولعاش حياة مترفة وهانئة تظللها غيمات الدعة والنعيم. ولولا ضيق المساحة لأوردتُ جُملة من النماذج الشعرية والغنائية التي عضد بها الباحث بحثه وأفكاره، ولكني أهمس جهراً في أذن الباحثين والنُّقاد والمؤرخين بأن هذه الرسالة تعتبر صيداً سميناً و«ثميناً» عليكم اصطياده. فالرسالة فتحت عدة نوافذ لدراسة المجتمع الدار فوري، وأتت بحقائق ومعلومات لم يتناولها الكُتّاب والباحثين من قبل.