عندما وجد المواطن وقتها عبد العزيز آل سعود رحمه الله والذي كان يقيم في وسط ما يُعرف الآن بالمملكة العربية السعودية عندما وجد أن منطقة الحجاز «المنطقة الغربية حاليًا» وهي المنطقة التي تقع فيها اطهر البقاع «الحرمين الشريفين» قد شاعت فيها الفوضى الامنية والدينية وقد تفرق فيها الناس الى فرق وطوائف شاعت فيهم علوم الباطن التي تعطل العمل وتدعو الناس الى دخول الخلوات وترك شؤون الحياة وعمارة الارض. مما ادى الى انفراط امن الحجيج وتدني مستوى الخدمات المقدمة لهم من الحكام. وحيث ان العائلة السعودية الكريمة كانت قد تفقهت على مذهب الامام محمد بن عبد الوهاب الذي يقوم بالاساس على مبدأ الحديث المشهور الذي نصه: «لا يصلح امر آخر هذه الامة الا بما صلح به اولها» او كما قال صلى الله عليه وسلم . ولما رأت تلك الاسرة الكريمة ما شاع في منطقة الحرمين وقتها من عقائد فاسدة قرر صقر الجزيرة عبد العزيز ومعه من شايعه من اسر المنطقتين الشرقية والوسطى بالاضافة الى ابناء واحفاد الامام محمد بن عبد الوهاب «الذين يطلق عليهم اسم آل الشيخ نسبة لجدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله». تقدم ذلك الجمع المبارك بقيادة المجاهد عبد العزيز آل سعود وتساقطت في وجههم كل مناطق نجد والحجاز وتهامة وعسير وغيرها وقاموا بازالة كل المظاهر المخالفة لشريعة الاسلام وسنة المصطفى «ص» وفر حكام الحجاز الذين كانوا يقولون بانهم ايضًا من بيت النبوة فروا الى دولة تقع شمال السعودية.. يقول الاستاذ محمد حسين هيكل «الكبير»: انه بعد ان دانت كل الجزيرة العربية للمجاهد عبد العزيز آل سعود وبعد ان شعر بانه قد اتم ما جاء من اجله الى الحجاز . اراد ان يرجع الى الرياض لانه في ذلك الوقت لم يكن لديه من الامكانات ما يمكنه من حكم الجزيرة العربية كلها فارسل عبد العزيز الى المك فؤاد- ملك مصر وقتها- يطلب منه ان يضم منطقة الحجاز اداريًا الى مصر التي كانت وقتها ذات امكانات نسبية مقدرة تمكنها من توفير افضل الخدمات للحجيج بالاضافة الى الامن الذي كان قد أرّق فقدانه معظم الحجاج في ذلك الزمان. ولكن المك فؤاد اعتذر عن ذلك مما اضطر عبد العزيز بعد مشاورة من جاءوا معه ان يعلن نفسه ملكًا على ما يسمى الآن المملكة العربية السعودية من الدمام غربا إلى جدة شرقًا ومن نجران جنوبًا الى حدود الاردن شمالاً. الوهابية ليست طريقة ولا هي فرقة.. ومثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل أي شيخ معاصر نعرفه الآن ولنقل مثلاً القرضاوي.. ولقد اخذ الشيخ من علوم شيخ الاسلام بن تيمية وتلميذه بن القيم ولان اولئك العلماء الاجلاء كانوا ياخذون بكثرة من مذهب الامام احمد بن حنبل بحكم اقامتهم في الشام فلقد مال الامام محمد بن عبد الوهاب الى الأخذ في الفروع بمذهب الامام احمد ولكن ذلك ايضًا لم يجعله يترك الاخذ باحكام المذاهب المشهورة الاخرى في بعض المسائل. لا يعترف الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتقسيم الامة الاسلامية الى فرق وطرق على رأس كل فرقة شيخ يعطي المريدين وردًا معينًا فاذا قبلوه تحولوا الى سالكين فيطلب منهم الشيخ وقتها الدخول الى الخلوة والانقطاع عن كل شيء وعدم الفكير الا في الشيخ والخلوة عندهم على اصناف لكل طريقة صنف ومنها ما يستمر لمدة اربعين يومًا ومنها ما يمتد بالسالك ليصل الى ثلاثة او اربعة شهور.. اما ما يأمر به الشيخ مريده عند الدخول الى الخلوة فهذا ما لا يصدق ولكننا سنتعرض له مرة قادمة لانه طويل لا يسمح به المجال هنا.. لقد سمى الطرائقيون لأغراضهم الواضحة كل من يطيل لحيته على سنة المصطفى ويرتدي جلبابًا لا يجر في الارض وكل من يأمر زوجته وابنته بلبس النقاب وكل من ينكر الطبول والمعازف عند ما يسمى بالذكر وكل من ينكر بناء القباب على القبور وكل من ينكر علم الباطن وعلم الحرف وعلم الخطوة وغيرها من العلوم التي وضعها الطرائقيون وتميزوا بها على اتباعهم البسطاء فقسموا الناس الى عامة وخاصة وخاصة الخاصة.. وادعى بعض منهم انه يحضر ما سموه بالحضرة الالهية عند بعضهم والحضرة النبوية عند الآخرين والتي تتنزل فيها المقادير الالهية عليهم اولاً ثم منهم تفيض على بقية الخلق وغير ذلك مما دخل على الإسلام من علوم باطنية في عصور انحطاط الدولة الاسلامية. عمومًا فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما قلنا انما هو فقيه على المذهب الحنبلي كغيره من العلماء الذين تواتروا على مر الزمان والذين ما زالوا يظهرون في زماننا وبعد زماننا.. ولذلك فانه كان اولى بأولئك الطرائقيون ان يسموا الطريقة التي سموها زورًا بالوهابية بالطريقة الابن تيمية او الابن قيمية لأن محمد بن عبد الوهاب ما هو الا تلميذ نقل عن اولئك العلماء ما نقلوه عن احمد بن حنبل وما نقله احمد عن الشافعي والشافعي عن مالك ومالك عن ابوحنيفة وابو حنيفة عن رسول الله «ص» وصحابته الكرام «رض» علوم شرعية ظاهرة تكتب وتقرأ وتدرس وتتطور وفقًا لتطور الحياة بمستجداتها وحوادثها. تقوم فكرة الطرق الصوفية على مبدأ ان هناك شيخًا صالحًا غالبًا ما يكون قد ورث ذلك الصلاح من اجداده الذين هم في الغالب من سلالة المصطفى «صلى الله عليه وسلم».. هذا الشيخ لا علاقة له بعلوم الدين الاسلامي التي تدرس كعلوم الفقه والحديث واصول الدين وخلافه حيث ان ذلك الشيخ يتلقى مباشرة من الله جل وعلا او رسوله الكريم علومًا يسمونها علوم الباطن او علوم الحقيقة وتلك العلوم عندهم تتفوق على علوم الشريعة التي تؤخذ في الجامعات ويسمونها ايضًا علوم الظاهر او علم الرسوم.. لأنهم وفقًا لزعمهم ان علوم الباطن هي علوم الخاصة والاولياء الذين اجتباهم ربهم في خلوتهم فخصهم بعلوم الحقيقة ويستندون في ذلك مغرضين وخاطئين بقول الله تعالى ان الله سبحانه في سورة الكهف: «علمناه من لدنا علمًا» عن العبد الصالح الذي تعلم منه نبي الله موسى عليه السلام - فابتدعوا بناء على ذلك ما سموه بالعلم اللدني وهذا ما لم يقل به أي من ثقات المفسرين للقرآن على امتداد تاريخ الاسلام وذلك لانه ببساطة ان العلوم كلها من لدن الله تعالى. ولعل ذلك ما جعل بعض شيوخهم يشطح ويقول ان علم الاولياء «اللدني» افضل من علم الانبياء «الظاهري» وعبر عن ذلك بقوله: «خضنا بحورًا وقف بساحلها الانبياء» يقصد بحور العلم.. اما مستندهم الثاني قول الرسول الكريم «ص» وهو يروي عن ربه في الحديث القدسي: «ما تقرب عبدي اليّ بعمل احب اليّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى احبه ... الحديث المشهور» ويعتبرون انفسهم متميزين على الناس حتى احبهم الله تعالى فاعطاهم قدرات خارقة فاصبحوا يكشفون الحجب «ومن هنا جاء اسم المكاشفي» واصبحوا يقضون حوائج الناس ويتوسطون بين العباد والرب فينامون بالخيرة للناس بدلاً من ان يعلموهم صلاة الاستخارة كما كان يفعل المصطفى «ص» وهذه ايضًا من وسائل جعل المريد دائم الاعتماد على الشيخ فهو يطلب منه كل شيء ويعترف له بادق اسراره الأسرية «وهذا ما يعرف بكرسي الغفران في عقائد النصارى» والإسلام لم يأمر احدًا بأن يطلع احدًا على اسراره وجعل العلاقة بين العبد والرب سبحانه مباشرة بل واقوى من العلاقة بين المرء واخيه او ابيه اوامه او زوجه. لقد كان من الغريب ان يقول المجلس الصوفي العالي ان هنالك ثمانٍ وسبعين فرقة تحب الرسول «ص» ويجب السماح لها بالاحتفال بالمولد وهناك فرقة واحدة لا تحب الرسول «ص» فيجب عدم السماح لها باقامة خيمة في ساحة المولد.. فيا اخي اذا كنت قد رضيت ان تفرق المسلمين الى ثمانٍ وسبعين فرقة لكل منها خيمة وشيخ وطريقة ومدحة ورقصة وهذا ما لايقره الإسلام بالتأكيد .فكيف بالله عليك ان تحكم على مسلم بأنه لا يحب المصطفى «ص» وتؤلب عليه السلطات حتى لا تصدق له بإبداء رأيه وقول كلمته وايصال رسالته للناس؟ ماذا سيضيرك اذا وقف احدهم وقال كلامًا تعتبره انت غير مفيد ما لم يكن هذا الكلام يهدد سلطانكم الذي جعلتم به من العامة اتباعًا لا يملك الواحد فيهم ان يحزم امرًا الا بعد ان يأخذ فيه الإذن من الشيخ وخوّفتم الناس بمقولة باطلة مفادها: ان من لا شيخ له فالشيطان شيخه.