ربما من المفارقة أن الحركة الشعبية إبان حربها الطاحنة مع حكومة الخرطوم قبل توقيع اتفاقية نيفاشا لم تفكر في الاحتفال بذكرى أحداث توريت 1955م لكنها احتفلت بهذه المناسبة الدامية في ظل شراكة كاملة مع الشمال في السلطة والثروة، وذلك قبل حوالى عامين، واعتبرت الحركة الشعبية على لسان قائدها سلفا كير أن هذه الذكرى ترمز لرفض هيمنة الجلابة الشماليين وما سمّاه بعيد المحاربين الذي سيتم الاحتفال به سنوياً. والغريب أن عدد الجنوبيين الذين قُتلوا كان قليلاً جداً بالنظر إلى الشماليين، وحتى عندما جاءت القوات من الخرطوم بقيادة القائد أحمد محمد لم تجد القوات المتمردة فقد دخل جلها الغابة وبعضها عبر إلى أوغندا بأسلحتهم ومعداتهم رافضين الاستسلام. وتعود الأحداث الدامية التي أوقدت لها الحركة «شموع» الاحتفال عندما تمردت الفرقة الإستوائية في الثامن من أغسطس 1955م رافضة الذهاب إلى الخرطوم وتسليم سلاحها. وكان الأوربيون يتفرجون على المذبحة لأنها لم تكن تستهدف سوى القوات الشمالية والموظفين والتجار الشماليين.. وعانت القوات المسلحة كثيراً قبل أن تسيطر على الأوضاع وأمر إسماعيل الأزهري الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك قوات الجيش في الخرطوم بالذهاب إلى مدينتي جوبا وملكال جواً بعد أن استأجر عدداً من الطائرات من بعض دول الجوار ومن دولة بريطاينا. { عيد المحاربين وفي الاحتفال الذي أقامته الحركة الشعبية إحياءً لذكرى أحداث توريت 1955 حيّا سلفا كير رئيس حكومة الجنوب وقائد الحركة هذه الذكرى واعتبرها رمزاً للتحرر من أشكال القهر السياسي والعسكري.. وأثار احتفال الحركة بهذه المناسبة الدامية العديد من الأسئلة الحائرة لدى عدد من المراقبين السياسيين حول مصداقية الحركة إزاء مفهوم التعايش السلمي مع الشمال وعن مدى استعدادها لاجتثاث كل مرارات الماضي في ظل وطن يسع الجميع كما تشير هذه الخطوة إلى تناقض أدبيات الحركة التي تسعى جماعة ما يسمى بأولاد قرنق إلى تكريسها حول ما يسمونه بتعزيز خيار الوحدة كبديل للانفصال. كما أن الاحتفال قد يشجع العناصر التي تحتضن المرارات تجاه الشمال فتسعى إلى تنفيثها بعد أن أصبحت المذابح التاريخية للشمال مدعاة للبطولة والتحرر من الهيمنة بل والاحتفال بها. كذلك فإن الخطوة تؤكد أن عجز سلطات حكومة الجنوب عن إيقاف الانتهاكات التي طالت التجار الشماليين وغيرهم في الجنوب وعدم توقيف المعتدين أمرٌ لا علاقة له بالأوضاع الظرفية هناك وإنما هو جزء من السياسة غير المعلنة التي تنتهجها حكومة الحنوب.