عندما قرأت كلام عبد المحمود أبّو الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار حول جبهة الدستور الإسلامي قلت: ليته سكت ولم ينبس ببنت شفة حينما استنطقه أحد الصحافيين حول جبهة الدستور الإسلامي... كنت أُجلّه وأشعر أنّ الرجل يصدر في مواقفه عن تدين وفقه وظللت ألتمس له العذر جراء تمترسه خلف زعيمه الصادق المهدي رغم أن الأخير ظل يُشرّق ويغرّب ويخبط خبط العشواء في مواقفه السياسية وآرائه الفقهية لكن تصريحات أبّو الأخيرة جعلت صورته تهتزّ بشدة في نفسي فقد قال الرجل كلاماً غريباً أستعرض بعضه في عجالة: أبّو قال متحدثاً عمّن تولَّوا قيادة جبهة الدستور الإسلامي إن «هذه المجموعة اعتقدت أنه بعد فصل الجنوب أصبح الشمال على قلب رجل واحد وهذا ليس صحيحاًَ لأن النزاع في السودان قد زاد...»!!! بالله عليكم هل صدق الرجل في قوله هذا وهو يعلم أن الجنوب بسكانه ومواطنيه قد خرج من السودان وأن السودان أصبح أكثر إسلاماً وأن غير المسلمين أصبح عددهم لا يتجاوز الثلاثة بالمائة؟! هل اشتعال الصراع في جنوب كردفان والنيل الأزرق يؤثر في حقيقة أن السودان أصبح أكثر إسلاماً من حيث نسبة المسلمين؟! ما هي علاقة الصراع والحرب بنسبة المسلمين الذين زادوا بسبب خروج الجنوب وهل يقول هذا الكلام من يحرص على سيادة الإسلام وشريعته؟! الكلام الأغرب لم يأتِ بعد من الرجل الذي يتولّى منصب الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار وليس لحزب الأمة فقد قال في حديثه للأهرام اليوم «إن تسمية الدستور الإسلامي في هذا الوقت غير مناسبة لأن هناك شريحة كبيرة تنادي بالدولة المدنية ذات العلمانية»!! ليت الإمام المهدي الكبير سمع هذا الكلام من أمين عام هيئة الأنصار في القرن الواحد والعشرين ولستُ أدري والله ماذا كان بمقدور أبوعيسى وعرمان وأعتى العلمانيين في السودان أن يقولوا أكثر مما قال أمين شؤون الأنصار؟! لقد اختُطفت هيئة شؤون الأنصار.. نعم إذا مرّ هذا الكلام بدون أن يثير أزمة واحتجاجاً صارخاً داخل الهيئة فأقسم بالله إنه يعني شيئاً واحداً أن الهيئة قد اختُطفت وأن أتباعها ليسوا أكثر من قطيع يُساقون بالإشارة وهم ليسوا أكثر من شياه لا يختلف ولاؤهم وتبعيتهم عن تبعية الشاة لراعيها أو المريد الأعمى لشيخه الذي لا يعدو أن يكون كالميت بين يدي الغاسل!! لأمثال هذه القطعان نزل قول الله تعالى محدِّثاً عن حال الأتباع يوم القيامة حين يتنكَّر لهم سادتُهم المتبوعون «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ». أبّو يتعلّل بوجود شريحة علمانية قال إنها كبيرة للنكوص عن الدستور الإسلامي.. أمين الأنصار ينصِّب نفسه منافحاً عن العلمانيين!! .. أبّو يقول حديثه للتنصل من الدستور الإسلامي حتى بعد أن خرج الجنوب وأصبح المسلمون أكثر من 97 % بالرغم من أن الرجل يعلم أن زعيم طائفة الأنصار وإمامها وزعيم حزب الأمة عجز عن إلغاء قوانين الشريعة المسمّاة بقوانين سبتمبر حين رَأَسَ الحكومة بعد نميري بالرغم من أنه قال إنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.. عجز يومها عن المساس بالشريعة حين كان الجنوب يدغمس حياتنا وينتقص علينا ديننا فكيف بعد أن أصبح الإسلام عزيزاً وأصبح السودان مسلماً؟! أبّو الذي يسارع في هوى زعيمه لا يستحي إذ يقول ذلك رغم أنه يعلم أن قرنق عدو الإسلام وعدو الله ورسوله اضطر إلى أن يوافق صاغراً على أن يحتكم السودان الشمالي لشريعته حتى عندما كان الجنوب جزءاً من السودان وحتى عندما كان الجنوبيون يقللون من نسبة المسلمين في السودان فبالله عليكم ألا يحق لي أن أُسقط الرجل من تقديري واحترامي بعد أن أسقط شريعة الإسلام إرضاء لشريحة العلمانيين من حساباته ومن مرجعية هيئة شؤون أنصار المهدي الذي ما قاتل المحتلين قديماً إلا من أجل إقامة شريعة الله؟! شريحة كبيرة تنادي بالعلمانية في رأي أبّو نترك لها شريعتنا!! أين هي هذه الشريحة الكبيرة وكم تبلغ نسبتها أيها الرجل وهل هي أكبر من عدد المؤيدين للشريعة المستعدّين لبذل أرواحهم في سبيلها؟! لماذا أيها الرجل تتبنّى شريحة العلمانيين ولا تتبنّى شريحة المسلمين الذين يوحِّدون الله حين لا يفرقون بين آيات الصلاة وآيات الشريعة والذين يؤمنون بقول ربهم «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» اقرأوا لأبوّ وهو يقول: «من الواجب التريث لاستصحاب كل الآراء حتى يكون الدستور معبراً عن التنوع السوداني بكل دقة»!! صدقوني إنني عندما أقرأ كلمة «التعبير عن التنوع» أتذكر عرمان!! إنه لحن القول الذي جعل أبّو يقول: «نحن نريد دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية دينية تواكب المستجدات وتراعي حقوق غير المسلمين وتتلاءم مع النظام الدولي الحديث»!! إنه لحن القول الذي يتبدّى من الحديث عن «النظام الدولي الحديث» الذي لا أدري أيقصد به اتفاقية «سيداو» التي أفتى زعيمُه بقبولها أم يعني زواج المثليين أم يعني نمط الحياة الأمريكي أم يعني الإسلام الأمريكاني؟! أما «المرجعية الدينية» فكان الأحرى والأولى أن يستبدلها بعبارة «المرجعية الإسلامية» لكن ماذا نفعل غير أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل!! اما عن حديثه عن شريحتي الأنصار والختمية اللتين قال إن لديهما تجربة في الحكم وكان الواجب أن تُستصحب فأقول له إنها استُصحبت ويكفي وجود الختمي العريق عمر حضرة الذي خاطب الاجتماع التأسيسي وأبدى حماساً عظيماً كما أن الطرق الصوفية كانت ممثلة في الاجتماع وهل يجوز للمسلم إلا أن ينصاع تصديقاً لقوله تعالى «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ولا أريد أن أنبش التاريخ يا أبّو ويكفي هذا الآن!! تنويه أنوّه لقرائي الكرام أني قد اضطررتُ لأسباب فنية قد لا تفوت على فطنة القارئ إلى استبدال الإيميل القديم بآخر جديد تجدونه أسفل هذا المقال. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.