كأن دول مجلس الأمن الدولي وهي تطالب بوقف العمليات العسكرية بين السودان وجنوب السودان كأنها تعتبر هذه العمليات مثل لعب كرة القدم التي تكون المباراة فيها في وقت محدد ويمكن أن تُلغى من جانب أحد الفريقين أو أن يتفق الفريقان على إلغائها، أي كأنها مباراة ودية بين المنتخب القومي السوداني ونظيره في دولة جنوب السودان.. هذا التشبيه يأتي حسب منطق مجلس الأمن الدولي الذي يرى أعضاءه العمليات العدوانية المنطلقة من دولة جنوب السودان بواسطة جيش الحركة الشعبية أو حركات تمرد دارفور، ويعتبرون أن على السودان أن يرفض الدفاع عن أرضه مع أن واشنطن تدافع عن مصالحها بواسطة قدراتها العسكرية في دول إفريقية آسيوية بعيدة جداً عنها.. فكيف تطالب السودان مع دولة جنوب السودان بوقف العمليات العسكرية؟! نعم يمكن أن تكون المطالبة بوقف العمليات العسكرية التي تشكل الهجوم والعدوان لكن كيف نفهم وقف العمليات العسكرية بغرض الدفاع وصد هذا الهجوم والعدوان؟! هل يطلق أعضاء مجلس الأمن تصريحاتهم وهم في حالة سكر؟! المعلوم لكل الناس أن مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمة للحدود مع دولة الجنوب تتعرض من حين إلى آخر لهجوم مسلح منطلق من الأخيرة، والطبيعي أن تقوم قوات الشعب المسلحة السودانية بالدفاع الفوري، فكيف في هذه الحالة تشمل مطالبة مجلس الأمن السودان مع دولة جنوب السودان بوقف العمليات العسكرية؟! كيف تكون التسوية بين المهاجم والمدافع؟! لكن يبدو أن هذه المطالبة الغريبة تأتي بقصد مباركة العدوان الذي يواجهه السودان من دولة جنوب السودان، فهذه المطالبة إذا بدت للناس نوعاً من الاستهتار إلا أن وراءها دعماً سياسياً لصالح الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا باعتباره دعماً مستحقاً لها يأتي مقابل طاعتها العمياء للأوامر الأمريكية والإسرائيلية.. لذلك لا غرابة وإن بدت في أن يطالب مجلس الأمن الجاني والمجنى عليه بوقف العمليات العسكرية.. هي إشارة خضراء لاستمرار العدوان ضد السودان بالاستفادة من أرض دولة جنوب السودان والحركات المتمردة التي تظن أنها يمكن أن تكون صديقة دائمة لأمريكا، وأن أمريكا عدو دائم وفي كل الأوقات للسودان.. وإنه لن يأتي يوماً تتطلب فيه مصالح الأمريكان في إفريقيا أن يسودها الاستقرار مثل أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، بل إن المصلحة الأمريكية يمكن أن تقتضي في يوم من الأيام أن يذهب حكم الحركة الشعبية في جوبا لزوال أنشطة التمرد الواسعة هناك وبالتالي الاستفادة ولو لصالح إسرائيل من الموارد. والحركة الشعبية تحكم الآن جنوب السودان في المرحلة الأولى لمشروع التآمر الغربي الصهيوني الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى أن تكون مرحلة حرب وتمرد وتوترات أمنية، لتكون المرحلة التي تليها مرحلة استقرار يتوفر فيه مناخ جني الثمار.. وحتى انفصال جنوب السودان كان في مرحلة تالية لمرحلة إشعال الحرب عام 1983م حتى الآن مازالت الحركة الشعبية صديقة لمصالح الغرب وإسرائيل، ولا نقول صديقة لهما، وإذا نظرنا إلى مستقبل هذه المصالح، فليس من المناسب أن تستمر صديقة لها، لأن استمرارها يعني استمرار مقاومتها من جانب حركات الثوار واستمرار المقاومة يعني تأخير جني ثمار هذه المصالح الغربية والصهيونية، وتأخيرها يعني أنها دفعت للحركة الشعبية في مرحلة الصداقة ثمنها ولم تجنها بعد بسبب استمرار نسف الاستقرار.. الحركة الشعبية تمثل في خلية مصالح القوى الأجنبية ذكر النحل الذي يقوم بدور معين في وقت معين ثم ينبغي بعد ذلك أن يُقتل، لكن قبل أن يستنفد غرضها في مشروع التآمر تجد الدعم السياسي من دول مجلس الأمن الدولي، فتصبح العمليات العسكرية بلا «مجنى عليه».. بل «جاني وجاني».. المهاجم من دولة جنوب السودان «جاني».. والمدافع عن أرضه أيضاً «جاني»، أما المجنى عليه فهي المصالح الغربية والصهيونية.. إن العالم يمر بمرحلة تاريخية مؤسفة، يصبح فيها المدافع عن أرضه جانياً.. إنها تصريحات سكارى مجلس الأمن.