حريق سوق كنجو كنجو أكبر أسواق جوبا والذي قضى على معظم الدكاكين لا يحتاج مني إلى تعليق لولا أن بعض الحمقى لا يزالون يتحدثون عن إمكانية عودة الوحدة بين الشمال والجنوب ذلك أن السوق يتكون في الغالب من التجار الشماليين الذين ظلوا يقيمون فيه من قبل الانفصال بزمان طويل. انتظرتُ ولم أكتب حتى عاد إلى الخرطوم بعضُ تجار ذلك السوق من الشماليين الذين أكدوا ما كان معلوماً ومعروفاً من أن الحريق لم يستهدف سواهم وكان عبارة عن المحاولة الأخيرة والكبرى لإخراجهم من السوق ومن الجنوب حتى لو كان البديل يوغنديين أو كينيين أو غير ذلك من الشعوب الأجنبية التي تُستقبل بالأحضان بينما يتعرَّض الشماليون للموت الزؤام والنهب والسلب والتضييق. سبق إحراق سوق كنجو كنجو سلسلة من الأحداث المؤسفة التي تعرض لها تجار شماليون غامروا بالبقاء رغم ما يعلمون ممّا حدث لإخوانهم «فالمعايش جبّارة» والبحث عن لقمة العيش يضطر الناس أحياناً لركوب الصعاب واقتحام الأهوال بل ودخول نار جهنم فساداً وإفساداً!! لا أتحدَّث عن الأحداث التي أعقبت مصرع قرنق والإثنين الأسود الذي لم تنجُ منه حتى الخرطوم البعيدة عن الجنوب وإنما عن مسلسل آخر من الفظائع التي تعرَّض لها الشماليون ولا يزالون في شتى مدن وأصقاع الجنوب لم نسمع إلا عن القليل منها، ولعل اغتيال رجل الأعمال السوداني محمود عبيد الشهير بجودة ومقتل التاجرين عماد سعيد وطارق صديق مما كُتب عنه خلال الأشهر الأخيرة يكشف جزءاً يسيراً من الجحيم الذي كان الشماليون يتلظّون فيه قبل الحريق الأخير الذي اجتاح كونجو كونجو. الغريب في الأمر ولعلها الصدفة التي أرادها الله لكي نعقد المقارنة ونهز قناعات الحمقى هي التي أتتنا بخبر طازج في اليوم أو الأيام التالية لحريق كونجو كونجو يقول إن مصر في شخص وزير الصحة فؤاد النواوي أعلنت عن قرار بمساواة علاج السودانيين المقيمين في مصر مع المصريين!! لستُ أدري هل يتعرَّض السودانيون للقتل في مصر بل هل يتعرضون للتضييق أو قل هل يتعرض كل الأجانب جميعهم لسوء المعاملة ناهيك عن السودانيين الذين تطبَّق عليهم معظم ما تتيحه الحريات الأربع المتفق عليها؟! والله إني لأعذر مصر لو تلكأت قليلاً في إنفاذ الاتفاق فما يرتكبه متمردو دارفور من أفعال باسم الشعب السوداني بما في ذلك التسلل إلى إسرائيل وما كان يرتكبه النقرز الجنوبيون وغير ذلك من الأفعال التي تسيء إلى السودان وشعبه مما يمكن أن تحتج به مصر لكن دعونا نرجع للسؤال الأول هل من مقارنة بين مصر وشعبها وحكومتها (الآن ولاحقاً) وجنوب السودان وشعبه وحكومته التي تشنُّ الحرب علينا وتسعى لتحرير السودان منا؟ أقول ذلك حتى نطوي صفحة الحديث عن الوحدة بأي شكل من الأشكال مع جنوب السودان ذلك أن امتدادنا الطبيعي ينبغي أن يكون مع دول الجوار الأخرى التي تربطنا مع شعوبها روابط حضارية وثقافية متينة ولو كان هناك حديث عن الوحدة والتكامل والكونفدرالية ينبغي أن يوجَّه إلى مصر وليبيا أولاً. أعجب أن من يتحدثون عن الجنوب ينظرون إلى أنه كان موحداً مع السودان وينسَون أن مصر كانت موحَّدة مع السودان طوال تاريخها منذ عهد الفراعنة كما ينسَون أن قرار انفصال الجنوب كان قراراً من شعب الجنوب مما يُعطيه شرعية دستورية هي الأقوى من بين كل القرارات بينما لم يكن قرار انفصال السودان عن مصر قراراً من شعب السودان ويكفي أن نذكر أن الحزب الاتحادي الديمقراطي أو الوطني الاتحادي لا يزال يحمل كلمة (الاتحادي) التي لم يقصد بها الآباء المؤسسون إلا الاتحاد مع مصر، ولو أُضيف إلى ذلك المؤامرة الكبرى التي ثبت أن الاستعمار البريطاني كان يقف وراءها (مؤامرة توحيد الجنوب بالشمال وفصل السودان عن مصر) لو أضيف إلى ذلك هذه الحقيقة لانكشف المستور وتبيّنت الحقيقة بأبعادها الحضارية كاملة جلية، وليت الأستاذ الباحث جمال الشريف يُتحفنا بشيءٍ من حقائق التاريخ حول هذه القضية.