أظهرت النتائج النهائية للمسح الإحصائي لتقدير أعداد الماشية فى ولاية شمال كردفان للعام 2011م أنها بلغت فى جملتها «25541000» رأس تشمل الأبقار، الضأن، الماعز والإبل .. هذه النتائج فى ولاية لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين، وهي متوقعة لأن المنطقة تحترف تربية الماشية إلا أنها كانت مذهلة وطرحت أسئلة واستفسارات صادمة بالنسبة لي، على شاكلة هل نحن مدركون تماماً لأهمية ما نحن قائمون عليه ..؟؟ وهل نرتكز على رؤية وإستراتيجية من شأنها أن ترفع قدرات هذا القطاع الإنتاجية وتغير واقع بيئته التقليدية والنمطية السائدة هناك والتى بسببها تبخرت موارد عديدة ..؟ ثروتنا الحيوانية هل من مبادرات جديدة..؟؟ على أية حال هذا يعتبر إنجاز ونقطة تحول لولاية شمال كردفان التى تصدرت الولايات فى تحقيق الخطوة وتحسب أهم مرتكز محورى تنطلق منه المبادرات والخطوات المستقبلية خاصة نحن بلد نبحث عن موارد غير البترولية والثروة من أهم الموارد المتجددة، مما يتطلب رعايتها برؤية شاملة تتمكن من تحريك فعالية الأداء وتبديل سلوك وثقافة المنتج ومفهومه للحيوان. ومن عجائب الصدف أن تأتى خطوة حصر الماشية مع بداية مشروع تربية وتسمين الضأن الصحراوية الذى هو شراكة ما بين المستثمر السعودى الشيخ الراجحى والمنتجين المحليين وهو يمثل تقليدًا ومفهومًا جديدًا فى الاستثمار بالمنطقة أن يأتى المستثمر ويتعامل مباشرة مع المنتج ويقوم بتمليكه أعداداً من الماشية تترواح ما بين «100 إلى 200 » رأس ليتم السداد من عائدات الماشية مما يسهم فى عملية استقرار الثروة الحيوانية وزيادة الإنتاج وجودته، مثل هذه المشاريع غير أنها تستوعب عمالة محلية توفر اللحوم الصحية لأغراض الاستهلاك المحلي والصادر.. وفي هذا الصدد قد إطلعت على رؤس أفكار جيدة ومشروعات مقترحة تمثل الفرص الاستثمارية المتاحة في ولاية شمال كردفان وهي بحاجة إلى قوة دفع سياسية كبيرة وكذلك إلى إحكام التنسيق ما بين حكومة الولاية والمركز حتى يمضي شريان الاقتصاد الوطني في التدفق دون تلوث أو مضاعفات نتيجة تعثرات وتقاطعات في القوانين واللوائح التي تحكم العلاقة ما بين مستويات الحكم .. شمال كردفان تحتوي على ميزة نسبية في عدة مجالات في مقدمتها الثروة الحيوانية بأعدادها المهولة التي كشفتها نتائج المسح لهذا العام منتشرة في معظم المحليات فقط هي بحاجة إلى مبادرات جريئة وشجاعة تفتح المجال للاستثمار والترويج للمشروعات بشكلها المقنع لأن الولاية بها عامل ماهر جداً وصاحب تجربة طويلة فى مجال تربية الضأن الحمرى والكباشى لكنه بحاجة إلى تطوير سلوكه فى الإنتاج وفى الآونة الأخيرة أصبحت الثروة الحيوانية مهددة بقلة مصادر الأعلاف ومشكلات المراعي وبعض الأمراض وهو بحاجة ضرورية لتأمين هذا الجانب حتى تتم الاستفادة من هذه الميزة النسبية بشكل يدفع بزيادة الإنتاج وترقية الإيرادات غير البترولية، ولا نغفل أن يربط هذا الكم الهائل من الثروة الحيوانية مع توفير المياه وشمال كردفان أيضاً لديها ميزة نسبية فى هذا المجال وبقليل من الجهد المحدود يمكن أن تتم الاستفادة القصوى من كمية المياه الجوفية والسطحية التى تتوفر فى الولاية عبر حفر وتوسعة مصادر المياه مثال برنامج السدود وحصاد المياه الذي نفذ في مناطق سودري فقد أثبت أهمية كبرى ويحمد للوالي الأسبق أبوكلابيش الذي اجتهد مع رئاسة الجمهورية حتى تم التصديق وبمتابعة من خلفه معتصم ميرغني رأى المشروع النور وهو اليوم محل تقدير لأهالي منطقة تنتج ثروة حيوانية كثيفة وقد ضاعف فرص المنافسة لمنتجاتها في الأسواق العالمية والمحلية.. معظم الولايات وشمال كردفان واحدة من بينها علَّتها في المحليات إذ يتربع عليها بعض المعتمدين الذين لا يملكون القدرة على النهوض والمبادرات مع أن قانون الحكم المحلي قد منحهم معظم السلطات والمهام لكن بعضهم كسول وأقل منها وأصبح الوزراء في الولايات يقومون بدور المعتمدين حيث إنهم يضعون السياسات وينزلونها أرض الواقع، صدقوني إذا كان هناك معتمدون فاعلون فى الولايات ليست هناك حاجة للوزراء .. أذكر أن المعتمد الأسبق للنهود الشريف الفاضل قد اتخذ قراراً بإخراج كل المواقف والأسواق الشعبية إلى خارج المدينة فقامت الدنيا ولم تقعد بلغت حد الهتافات ضده لكنه أصر على قراره ونفذه حيث ملّك كل مواطن راغب دكانًا يدير فيه أمر معاشه، اليوم الذى يزور المدينة يجد الناس يهتفون باسم شريف وفرحون بما قام به فقد وسع إيرادات المحلية وعمل معادلة اقتصادية وتجارية واجتماعية بالمدينة. وحتى تتطور شمال كردفان مواردها الذاتية أمامها خيارات عديدة وهي لا بد من أن تضع السلطات المحلية أولوياتها فى العمل وتحدد المطلوبات وتكثف وجودها بالمحليات حتى تتلمس من الواقع ماذا يريد المواطن وماهي أولوياته في التنمية والاستقرار لأجل ذلك لابد من عمل مراجعات فى بنية هيكل الولاية وشاغلي المواقع فيها حتى يوضع كل في مكانه المناسب.. نموذج آخر ناجح في سودري تم إنشاء كبري أبوزعيمة وهو مرفق خدمي أنهى المعاناة في أكبر ممر مائي تأثرت به المنطقة كثيراً لكنه اليوم بجانب أنه خدمي وهو كذلك أصبح مورداً اقتصادياً من خلال الرسم الذي وضعته المحلية على كل عربة عابرة.. فمن نستطيع القول: إذا كان المعتمد مدركًا بمقدوره أن يصنع من الفسيخ شربات!!