القارئ الكريم كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله على الأمة الإسلامية وهي أكثر قوة ونصرة.. ونواصل ما انقطع من حديث بدأناه قبل العيد حول قطاع الثروة الحيوانية، وتحديداً ممارسات وسلوك بعض المصدرين السودانيين الذين نقدر بعض مساهماتهم الوطنية في الاقتصاد لكن هذا الأمر لا يمكن أن يصبح مدعاة يجعلنا نغض الطرف عن سوء الممارسة وكثير من السلبيات التي صاحبت عمل هؤلاء المصدرين طيلة نشاطهم في هذا القطاع الحيوي والهام والذي له تأثير مباشر على الأمن القومي نظراً لما يصيب الاقتصاد الوطني من دمار وتخريب جراء هذا السلوك والجشع. أولاً نقول إن مصدري الماشية ظلوا ولسنوات طويلة يتلقون التمويل والدعم من المنتج مباشرة وذلك من خلال شراء الماشية بأجل طويل حيث يتم السداد بعد التسويق بزمن طويل، والضمان في ذلك إيصال مالي شخصي مروس باسم الشخص المشتري أو المصدر مما أصبح عرفاً متوارثاً عند الأهالي في مناطق الإنتاج في استغلال واضح لعدم حاجة المنتجين الملحّة لعائدات ماشيتهم أو ثرواتهم ومن دون أن يقدموا أي خدمات لهذا المنتج ومربّي الماشية والذي هو بحاجة إلى تطوير وسلوك يرفع قدراته ومهاراته حتى يكون هناك إنتاج مستقر يدعم الاستهلاك المحلي والصادر ويساعد على القدرة التنافسية العالمية. كان بإمكان هؤلاء المصدرين المحليين والذين ظلوا يتعاملون مع قطاع الثروة الحيوانية لأزمان طويلة أن يساهموا في تطوير هذا القطاع عبر كل مراحل الإنتاجية لكن هذا لم يحدث ولم نشهد يوماً أن أقدم تاجر مواشي على حفر بئر ماء في منطقة من مناطق إنتاج الضأن الحمري أو الكباشي مثلاً، مع علمنا بحاجة الناس للماء في تلك الديار وإحداث نقلة نوعية في نظام الإنتاج التقليدي وترقية المنافسة عبر الاستغلال الأمثل للثروة الحيوانية. الثروة الحيوانية عنصر مهم في اقتصاديات معظم أجزاء السودان ولدينا في السودان سلالات وأنواع جيدة غير متوفرة في بقية أنحاء العالم، كما أن السودان لديه ميزات نسبية في المراعي الطبيعية وسلالات خالية من الأمراض وهذا يؤكد نجاح الاستثمار في هذا القطاع في مجالاته كافة من لحوم وتربية وتسمين، غير أن جشع تجار الماشية السودانيين ولهثهم خلف الغنى هو الذي أقعد بهذا القطاع وأصبح تعاملهم معه بصورة غير أخلاقية ولم تراع تبعاته الاقتصادية والأمنية والسياسية.. فقط يخططون لأجل الغنى وجمع الثروة. احتكار تجارة الماشية لشركات وشخصيات محددة تسبب في مخاطر عديدة وممارسات غير شرعية أضرت باقتصاد السودان لأنها تجارة بدون التزام بالضوابط والقوانين وقد تسبّبت هذه السلوكيات في تهريب كميات ضخمة من المواشي السودانية بسجلات مزوَّرة وأحياناً بدون سجلات. هنالك سلوكيات أخرى تضرر منها المنتج والسودان مثل مضاربات التجار والسماسرة، هذه أدت لارتفاع أسعار الأعلاف وحالة غلاء اللحوم في الأسواق المحلية بدون ما يستفيد المنتج الأمر الذي يتطلب رقابة وحسمًا بجانب فتح المجال للجميع بغرض الاستثمار والعمل في قطاع الثروة الحيوانية، ولابد من إزالة كل عوائق الاستثمار وتسهيل الطريق للمصدر بأن يتعامل مباشرة مع المنتج ومربي الماشية، وأحسب أن هذا المنهج سوف يسهم في تحرير الاقتصاد من القيود ويرفع وينمي العقلية الإنتاجية إذا صاحبته قوانين ولوائح مرنة من شأنها تحقيق المصالح الوطنية العليا في الاقتصاد ويضمن العدالة في الموارد وتوزيعها وليس تحقيق المصالح الذاتية الضيقة كما يفعل السادة في شعبة مصدري الماشية الذين ترتفع صيحاتهم عندما يقترب الضرر من مصالحهم الشخصية لكن لا يرتجف لهم جفن عندما تُهدر مصالح المنتجين ويتضررون. السودان اليوم ليس سودان الأمس، فقد شهد تحولات كبيرة وملحوظة في مجالات البنية التحتية وهناك شبكة طرق معبدة تربط أجزاء واسعة من مناطق الإنتاج والتسويق وشبكات أخرى في الاتصالات والإنترنت، والمعلومة باتت شائعة في أي مكان ولا مجال للتدليس والتغييب.. كما كان في الماضي.. كما أن المنتجين ومربي الماشية أصبحوا على قدر كبير من المعرفة والدراية ولا يمكن أن تمرَّر عليهم أمور الاحتيال. وقديماً كان الناس وإلى عهد قريب يضربون المثل «براعي الضأن» في قلة المعرفة بالأشياء والمواكبة، أما اليوم، فإن الواقع قد اختلف كثيراً ولابد أن يدرك الجميع هذه الحقيقية وهم يتعاملون مع رعاة الضأن والبقر والإبل في بوادي كردفان والبطانة ودارفور.. نحن الآن جزء من المنظومة الدولية في كل شيء.. والمنتجون أصبحوا يعرفون كل شيء خاصة فيما يلي حاجتهم في التعامل مع الثروة الحيوانية بدءًا من العمالة والبيطرة والعلاج، وعلى شعبة مصدري المواشي أخذ هذا الأمر في سلم أولوياتها وأن تمضي نحو التطور والحيوية بدلاً من الجمود إن أرادت الاستمرارفي التعامل مع هذا القطاع وإلا فسيتم تجاوزها، كما أن ذات الأمر معني به في المقام الأول اتحاد أصحاب العمل الذي تتبع له هذه الشعبة ذات الصوت العالي «شعبة مصدري الماشية» التي انزوى رئيسها ونائبه وتركا الأمر برمته لرئيسها كي يصدر البيانات ويصرح للصحف والميديا.. هذه الشعبة بها كوارث ومن أعضائها هناك ما يحمل أكثر من صفة، ففي السودان يتم التعامل معه كمصدر وفي بلدان أخرى يتم التعامل معه كمورد، وكل ذلك من خلال أوراق رسمية.. في السودان يستخرج مستندات بأنه مصدر لصالح المستثمر السعودي فلان أو الشركة الأجنبية الفلانية مثلاً، وخارجياً يعمل عقدًا صوريًا مع شركة أو مستثمر مقابل نسبة تُمنح للمستثمر الأجنبي ولا دخل له بتسويق هذا المنتج، وأحياناً يقدم المستثمر الأجنبي بعض التسهيلات للتاجر السوداني كالمكان أو بعض المداخل خارجياً.. على أية حال نحن مع أهمية السماح للشركات الأجنبية بممارسة عمل صادر الثروة الحيوانية والتعامل مباشرة مع المنتج بدون سمسار أو وسيط سوداني، فقط القانون واللائحة والإجراءات الديوانية التي تضبط هذا النشاط والالتزام بالمعايير والمواصفات الدولية حتى لا تحدث خسائر باقتصادنا أكثر من الذي أحدثته شعبة مصدري الماشية، وكذلك الدولة لابد أن تكون عينها مفتوحة وبصيرة في التعامل مع القطاع العام.