في الحلقة السابقة ختمنا حديثنا حول بقاء الولاة وأعضاء حكوماتهم كثيرًا في الخرطوم في وقت يعاني فيه الرعية من الإهمال المريع في الخدمات، وأذكر قبل عام ونصف عام كنت في زيارة غير رسمية من تلك الولاية لإحدى ولايات الوسط، وبعد أن أديت عملي وسط المواطنين وداخل المرافق الخدمية المختلفة ظللت في رحلة بحث عن الوزراء وواليهم فوجدتهم جميعهم في الخرطوم عدا وزير التربية الذي كان يشغل منصب نائب الوالي إلى جانب وزارته، فاضطررت لأخذ بعض الإفادات عبر الهاتف من أحد المعتمدين حيث كان موجودًا حينها بالخرطوم، أما الوزير المعني بالتخطيط فيبدو أنه فضل «الهروب» من إفادته عبر الهاتف ووعدنا بزيارة قريبة ولكنه لم يفعل حتى إقالته من منصبه. وكثيرة هي الحالات المشابهة لبقاء الوزراء والمعتمدين وفي مقدمتهم الولاة في خرطوم الفيل والمواطنين المغلوبين على أمرهم يعانون من الإهمال المخيف في كافة الخدمات. ونجد الكثير من المعتمدين لا يكلفون أنفسهم عناء تفقد رعيتهم والمشروعات الخدمية التي قد تكون ذات فائدة للرعية، ويعتمدون في حديثهم للإعلام على التقارير التي قد تكون غير صحيحة، وفي هذه أيضًا لنا موقف مع أحد المعتمدين حيث هاتفنا بعد أن أجرينا تحقيقًا حول عطش أحد المشروعات الزراعية، وظل المعتمد يصر في حديثه على أن المياه تجري في ذاك المشروع ظناً منه أننا كتبنا تحقيقنا ذاك من خلف المكاتب المغلقة، وحينما أيقن بأن عملنا تم ميدانيًا ووثقته الكاميرا قال لي عبر الهاتف «والله التقرير القدام مكتبي يقول إن المشروع تملأه المياه»، مع العلم بأن المسافة بين مكتب الأخ المعتمد والمشروع المعني لا تتعدى بضعة كيلومترات، ولكنه لا يكلف نفسه عناء تفقد رعيته ومعرفة أحوالهم، وكثيرة هي الحالات التي عشنا تفاصيلها وجميعها تؤكد مدى إهمال الرعية من الراعي، ومعاناة المواطن في الكثير من الخدمات الضرورية ولكنها لا تتوفر لهم، وحتى ولاية الخرطوم التي تعتبر مركزًا للحكم بوجود أعلى هرم تنفيذي فيها فهي تعاني من الإهمال إن كان في أطرافها أو وسطها وإن أراد الأخ الوالي التأكد من هذا فلينفذ برنامج زيارات مفاجئة لمحليات الولاية المختلفة وسيجد إهمالاً يمشي على قدميه في محلياته وسيري تردي الأوضاع الصحية في جبل أولياء وسيرى إهمال الخدمات في الريف الجنوبي وتردي البيئة فيه وسيجد الإهمال في المرافق التعليمية وسيرى الكثير من الذي لا يُرفع له في التقارير المنمقة والمطمئنة.