في وقت سابق بكى ذاك الشيخ من الفقر والجوع ورفع يديه للسماء داعياً المولى عز وجل أن ينصفهم بعد ظلمهم من ولي الأمر في ولايتهم، وفي نفس الولاية تلك بكت امرأة لجوع أبنائها، فهناك لا وجود لديوان الزكاة ولا وجود لوزارة الشؤون الاجتماعية، وإن رأى معتمد تلك المحلية الشمالية حال رعيته لرفض البقاء على كرسيه ليلة واحدة لما يعانيه الرعية.. وفي ولاية أخرى أقصى الشرق أقسم بالله العظيم نفس منظر الدموع والبكاء انهمرت من رجل قوي الصحة والجسد، بكى الرجل لأن أبناءه يعانون من ضيق العيش وهو لا يجد عملاً يسد به رمق أبنائه وغيره من أبناء جيله يجرون عربة الكارو لأن «الحيوان» الذي كان يقوم بهذه المهمة نفق، وفي الوسط لا تقل معاناة المواطنين عن غيرهم، وكذلك الحال في الغرب والجنوب الجديد... كل السودان يعاني أهله من الفقر وتردي الخدمات وسوئها، الجميع يشتكي الإهمال حتى خرطوم الفيل يشتكي أهلها الإهمال، والمسؤولون يسدون آذانهم ويعيشون في أبراجهم العاجية لا يعلمون كيف يتم التعامل مع الرعية، وربما يعلمون ولكنهم لا يتحركون لإيجاد معالجات لتوفير بعض الخدمات الضرورية، فولايات السودان تدار بالمجاملات في كثير من مرافقها، وفي إحدى ولايات الوسط اتصل بي موظف كبير في أحد المرافق الصحية وقال لي إن مدير أحد المستشفيات تم تعيينه بعقد خاص والولاية زاخرة بالكوادر البشرية الشابة التى بإمكانها القيام بنفس المهمة وربما أفضل، وفي ولاية أخرى المواطن يفتقر للخدمات الصحية في التأمين الصحي ومشروع الدواء الدوار لا يجد طريقه لتلك الولاية، وغيرها.. المواطن يحتاج... ويحتاج... وبعض مواطني المكابراب بنهر النيل يرسلون وفدًا للمركز لإيجاد حقوقهم من الخدمات، وكثير من الولايات تفعل هذا، ونحن نسأل كغيرنا لماذا لا يشكِّل المركز لجان مراقبة لعمل الولاة والمعتمدين الذين يجلسون على مكاتبهم المكيفة أكثر من النزول للشارع لمعرفة أحوال الرعية، ووفد المكابراب يريد فقط توفير الخدمات الضرورية في مناطقهم التي كان بالإمكان تحقيقها لو كان والي نهر النيل يدرك مهامه ويحاسب معتمديه على التقصير.. وما يحدث في المكابراب يحدث في الكثير من قرى ومدن ربوع السودان، فجميعها تحتاج لتوفير الخدمات.. حتى الخرطوم التى تحتضن في جوفها الملايين الهاربين من تردي الخدمات في ولاياتهم، والمركز يستمع ثم يدعم ببعض الأموال والولاة يصرفون تلك الأموال في بنود أخرى سنفصلها لاحقًا.. فهل نحلم بلجان مراقبة لعمل الولاة الذين يقضون نصف العام في الخرطوم وثلثها خارج البلاد والثلث الأخير بين الاجتماعات والزيارات و... و ... وسنواصل