العنقريب عبارة عن سرير مصنوع من خشب السنط ومنسوج بطريقة فنية بالحبال وتكثر صناعته بالولاية الشمالية وله عدة مسميات بولايات السودان فعند النوبيين يسمي «أنقري» والنيليون يطلقون عليه اسم «الدقاق» والبجا «السيداب» وفي الوسط بعض القبائل تسميه «الفدو الشبّاح» إضافة الى اسمه المتعارف عليه «العنقريب»، وكان الراحل الدكتور الطيب محمد الطيب الباحث في التراث قد قدّم رسالة ماجستير عن العنقريب نقتبس منها قوله «صناعة العنقريب صناعة سودانية أصيلة اشتهرت بصناعته القبائل النيلية وقد استُعمل منذ قديم الزمان، كما أن صناعته كانت سهلة وبسيطة حيث تخرّم الأرجل ثمّ يجلّد بالجلد، وفي عهد السلطنة الزرقاء كانت تزخرف عناقريب الملوك بالعاج والأبنوس والذهب، أما عناقريب الأثرياء والحكام السودانيين فكانت تصنع من الصندل الخالص»، وقديمًا كان لا يخلو بيت سوداني منه بل كان يشكّل الأثاث الرئيس في المنزل، أما الآن فقلما نجد عنقريبًا ضمن أثاثات المنزل وإن وجد نجده في ركن قصي لاستخدامه عند الضرورة حال الفرح كالجرتق وفي الأحزان لحمل الجثامين. «تقاسيم» قامت بزيارة ورشة لصناعة العناقريب بسوق أم درمان حيث التقينا الأخ مدثر إبراهيم حسين قسم السيد صاحب الورشة والتي ورثها أبًا عن جد التقيناه وطرحنا عليه عددًا من التساؤلات فيما يتعلق بكيفية صناعة العناقريب وأسعارها ومدى الطلب عليها وهل مازلت مرغوبة كأثاث للمنزل، اجابنا قائلاً: نحن أسرة ممتدة وهي أسرة الحاج حسين قسم السيد والدنا عليه الرحمة علمنا المهنة وتجويدها و«شربناها» منه شرابًا وكان كثيرًا مايقول لي أثناء زيارتي له في الورشة عقب عودتي من المدرسة وأنا أحمل له طعام الغداء من المنزل كان يقول لي: «اصنع لي رجل عنقريب واحدة نظيفة وجميلة ولا تصنع لي عشرة أرجل غير جيدة الصنع»، وكان هذا في سبعينيات القرن الماضي حيث كان يشهد سوق العناقريب حركة دائمة وكان به قرابة الثمانية عشر دكانًا وورشة للتصنيع اذكر من أصحابها أبو القاسم الحاج وعبد الله سعد وعثمان النور والصادق الأمين.. لكن عندما ظهرت صناعة أسرّة الحديد في ورش أبو روف حدثت انتكاسة واندثار في صناعة العناقريب مما حدا بنا إلى ترك المهنة لمدة عشرين عامًا ثم عاودت ممارستها قبل ثلاث سنوات وعند عودتي لسوق العناقريب وجدته في طريقه للاندثار فهنالك فقط ثلاثة مختصين في هذا المجال هم عبد الله سعد وأولاد خير الله وقسم السيد حسين قسم السيد، ونحن أولاد إبراهيم حسين قسم السيد لنا باع طويل فيها وقد عملنا على تطويرها وتصنيع أثاثات على شاكلته مثل الكنبة والكراسي وترابيز على ذات الطراز وحتى الأسرّة التي تشبه العنقريب كان والدنا عليه الرحمة هو الذي قام بصناعتها، وورشتنا تلك أول ورشة تعمل «عنقريب الجرتق» حيث اقتبسنا فكرته من الحُق. والآن نعمل على شكل جديد للعناقريب اتبعنا فيها طريقة النقش على الأرجل.. وقديمًا كان العنقريب مُتاحًا في أي منزل وفي أي ديوان وفي البرندة وفي الحوش ما يعرف بالعنقريب الهبباي وعمومًا العنقريب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة السودانية في الأفراح والأتراح.. ونحن نعمل على جلب الأخشاب من سنجة والدمازين وأهم تلك النوعيات خشب السنط ويستعمل في صناعة المروق لمتانتة، أما الأرجل فيتم تصنيعها من خشب التك والمهوقني والقمبيل ولكل نوع ميزته وجماله، وقديمًا كان العنقريب يُصنع من خشب السدر وبشكل كروكي ويُنجر بآلة القدوم ويُنسج بالقد وحبائل السعف، وبمرور الزمن تطورت صناعته لتدخل المخرطة حيث يقسم الخشب لمقاسات معينة ثم تأتي مرحلة التخريم بواسطة «المكلام» وبعدها مرحلة المعجون وهي مرحلة معالجة، ثم الصنفرة والجملكة للتنعيم وأخيرًا مرحلة النساجة التي غالبًا ما تكون بالبلاستيك للعناقريب الحديثة. وتتفاوت أسعاره حسب الخامة والحجم.. ومن هذا المنبر أتوجه بصوتي لوزارة الثقافة أن هبوا لنجدة العنقريب من الاندثار فهو تراث أصيل.