ظللنا منذ الندوة العالمية حول اتفاقية سيداو «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» والتي أُقيمت حوالى عام «2002م» بمساهمة وتعاون مشترك بين هيئة علماء السودان والمركز النسائي العالمي وصندوق دعم تطبيق الشريعة الإسلامية.. ظللنا منذ ذلك التاريخ في دوامة لا تنقطع ونحن نحاول إطفاء حرائق الإنقاذ ورتق فتقها وسد خللها. وكلما فرغنا من معركة اندلعت معركة بعدها أشدّ ضراوة منها.. وكنا في بادئ الأمر نظنُّ أننا طليعة جيش الإنقاذ الفكري.. وكنا نظن أننا على أقل تقدير نقاتل بالوكالة عنها.. وبالأصالة.. ولكن يبدو أننا كنا واهمين.. فسيداو خرجت من الباب وعادت من النافذة.. ولكن لما تفحّصنا الأمر جيداً اكتشفنا أن سيداو خرجت من النافذة وعادت من الباب.. عادت في شكل محاربة العادات الضارة.. وهو الاسم الحركي لمحاربة السنة تماماً مثلما أن «راشد» هو الاسم الحركي لعبد الخالق. وعادت في شكل محاربة الختان بجميع أشكاله .. و«جميع أشكاله» هذه صورة من صور الدغمسة قبل اكتشاف الأخ الرئيس لها في القضارف بعد إعلان نتائج الاستفتاء على الانفصال.. و«جميع أشكاله» تُفهم بمنظور الفقه الدغمسي الأممي العلماني بأنها ما لا يجوز أو لا يحسن التصريح به في هذه المرحلة.. فمن أنواع الختان المحرم الفرعوني واليزابيث والساندوتش وغيرها مما لا يحضرني الآن.. ويُفهم من ضمن ذلك ختان السنة «جميع أشكاله». وعادت سيداو مرة أخرى في صورة حملة الصحة الإنجابية والأمومة الآمنة.. وكلها دغمسة في دغمسة لأن كل ذلك معناه الدعوة إلى استخدام العازل الذكري.. أو الكاندوم.. وإذا كنت أنا غير متزوج.. فلماذا أحتاج للعازل الذكري؟ ولماذا تُنفق الأموال الطائلة للترويج للعازل الذكري؟ إذا كنت غير متزوج .. فالعازل يساعدك على الزنا وإذا كنت متزوجاً فهو يساعدك على قطع نسلك.. واستعانت سيداو ايضاً بجيش محاربة الإيدز.. وأيضاً بالزنا الآمن.. كل ذلك والإنقاذ.. ملء السمع والبصر!! ثم جاءت قضية حقوق المرأة.. وحقوق الطفل.. والإنقاذ ما بين ساهية في خدرها.. ولاهية في غيِّها. وأقرَّت الإنقاذ نسبة 25% لتمثيل المرأة في هياكل السلطة والآن الدستوريات يملأن العين «لما تفضل» وما شاء الله.!! والدستورية «ليست المحكمة» الفذة الجالسة على صخرة الرعاية تقدم قانون الطفل ويشمل مواد متعلقة بتحريم الختان بجميع أشكاله. وتوالت الظباء على خراش.. ظباء الإنقاذ.. سفر المرأة بلا محرم.. حماية الطفل والرقم 999 قناة النيل الأزرق.. الجبايات والمكوس.. نيفاشا.. مؤتمر جندرة الدستور.. مؤتمر البرلمانيات.. مؤتمر تعديل قانون الأحوال الشخصية.. الهجوم على الدستور أي الهجوم على الشريعة.. ظهور كُتاب أمثال بابكر فيصل علي يسن عبدالله علي ابراهيم وأخيراً وليس آخراً زهير السراج الذي ادّعى أن نقد هو آخر الأنبياء.. إن الوجدان الذي تعدت عليه كل هذه الأشياء هو وجدان خرب بلا شك. إن بابكر فيصل بابكر هو شخص ذكره من باب الإحسان إليه خاصة في «الإنتباهة».. أما علي يس فهو رجل يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا صلى الله عليه وآله وسلم.. وهي ماركة مسجلة.. ويطعن في البخاري وفي رجالات البخاري ويستهين بالسلف ويجعل المنافقين من السلف الصالح بل ويقول إن في الصحابة منافقين.. أما عبد الله علي إبراهيم فهو أستاذ جامعات أوربا وهو لا يحسن أن يستدل استدلالاً صحيحاً بآية واحد من كتاب الله. أما زهير السراج فقبّح الله مسعاه لأنه يجعل سكرتير الحزب الشيوعي الهالك نقد آخر الأنبياء هكذا جاء في عنوان مقال «مناظير» يوم السبت 24/3/2012م بصحيفة الجريدة.فإذا كان نقد آخر الأنبياء فهو خاتمهم وخيرهم وأن من ادّعى له الختم أو شهد له بالنبوة فهو أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم بل إن في هذا تكذيباً لمحمد ذاته.. إن أقل ما يقال في هذا إنه تعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيب له واستهانة به.. وأقل من هذا عقوبته القتل حداً ولا تُقبل له توبة، كل هذا من تحت عباءة الإنقاذ وبسبب إغضائها وسكوتها وغفلتها.. وقد استفحل الأمر حتى بلغ حداً لا يصدّق وأصبحت الساحة كلها تعج بالمشروعات العلمانية الكفرية الصريحة.. هاكم مثالاً لهذه المشروعات الكفرية: مؤتمر تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي امتشق العلمانيون «سيفهم» وهو المنظمة السودانية للبحث والتنمية «سورد» Sudanese Organization for Research & Development (SORD) وعقدوا ما سموه «المؤتمر الأول لقانون الأحوال الشخصية في السودان» تحت رعاية المنظمة إياها «سورد» وشارك فيه ناشطون وناشطات قدموا فيه عدداً من الأوراق وقدموا مقترحاً لمشروع قانون للأحوال الشخصية وأنا أقول وبين يدي الآن أربع أوراق مقدمة كلها من محامين. ولا أدري إن كان الجندر قد وصل إلى هذا الحد وهل يذكر المحامي ديونث أم لا! لأنهم جميعاً يُجمعون على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. الأولى مقارنة بين قانون الأحوال الشخصية السوداني وبعض قوانين الأسرة العربية والثانية دراسة نقدية لقانون الأحوال الشخصية السوداني لعام 1991م، والثالثة ورقة عمل عن المجتمع المدني والإصلاح القانوني، والرابعة ملامح القانون المقترح للأحوال الشخصية في السودان. وأول ما أقرره عن هذه الأوراق ومُعدِّيها أنهم لا صلة لهم بالدين ولا بالتديُّن ولا صلة لهم بالشريعة الإسلامية وليس هذا سبّاً ولا أنا أزعم أنهم يفعلون ذلك عن جهل، فهم ربما فعلوا ذلك عن إرادة، الشاهد على قولي أن النقاش لا يتناول الأسس ولا النصوص ولا اختيارات الفقهاء الأربعة ولا غيرهم ولا يورد نصاً من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه يسعى لإبطال أحكام شرعية بُنيت على نصوص من الكتاب والسنة وعلى اختيارات واجتهادات ومقابلات للنصوص وأشياء أخرى كثيرة.. وللأمانة وردت آية واحدة «إذا النفوس زُوِّجت» في شرح معنى الزواج، والبسملة مرتين مرة مكتوبة باليد ومرة من أصل الورقة.. لكل ذلك بيان القيمة العلمية لهذه الأوراق وللمؤتمر برمته، فهي لم تُبنَ على علم ولا على فقه.. بل إن المقصود منها بلا مواربة إخراج الإسلام من حياة الناس واعتماد قوانين ونظريات ومناهج وضعية دون النظر إلى كتاب ولا إلى سنة. وفي المقابل يطالب أصحاب الأوراق ومنظمو المؤتمر الأول لتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في السودان باعتماد المواثيق والعهود الدولية والاعتراف بها في صلب الدستور كما فعل دستور نيفاشا الانتقالي لعام 2005م ويطالبون بأن يكون للعهد الدولي وغيره من المواثيق الدولية حجية أمام المحاكم السودانية، في أشياء أخرى كثيرة ولسوف نعرض القانون المقترح في الحلقة القادمة بالتفصيل.