تعليقاً على المقال الذي نُشر في هذه الصحيفة الغراء بتاريخ 26/مارس /2012 وصلني هذا المقال الرائع من الأخ الدكتور التجاني إبراهيم محمد أستاذ اللغة العربية بجامعة تبوك و هو أحد أبناء إدارية دميرة و مثقفيها الغيورين وها أنا أضع المقال بين يدي القارئ الكريم مع شكري و تقديري للكاتب. قال إبراهيم ود دير أحد فرسان موقعة بارا «أغسطس 1821م»، حين نصب الأتراك مدافعهم لمهاجمتهم في حلة «شريم»: «إني هاجم على ذاك المدفع لأضربه بسيفي، فإن عشت كان من قسمي، وإن مت كان وسمي» ثم هاجمه بجواده وضربه بسيفه ضربة أثّرت في ماسورته، ثم صال وجال بين يدي جيش الأتراك الذين أمطروه نارًا من فوهات بنادقهم، فأردوه شهيداً في معركة غير متكافئة، فانهزم جيش المقدوم مسلّم هناك مخلفاً حوالى 3000 من القتلى والجرحى. هذه المقدمة التاريخية دفعني إليها ما كتبه الأستاذ: محمد التجاني مقال وسمه ب «رسالة عاجلة» إلى السيد رئيس الجمهورية ونائبه الأول، ليحيطهما خُبرًا بما يجري في منطقة بارا والخيران، وبما يعانيه أهالي تلك المناطق من الفقر والجهل والمرض والعطش، إضافة إلى التخبط الإداري الذي أفرز نقل إدارية دميرة إلى غرب بارا التي توجد رئاستها في قرية «أم كريدم». وهدف آخر هو تبيان الكثافة السكانية التي تعج بها قرى هذه المناطق، فالتاريخ قديمًا شاهد على هذا الوجود السكاني الكثيف؛ فضحايا تلك المعركة يقدرون ب 3000 رجل وذلك دون الذين نجوا، وكان ذلك قبل قرنين من الزمان، فإذا وصلت هذا العدد بمتوالية الزيادة السكانية إلى يومنا هذا لظهرت لك الكثافة السكانية التي أعنيها ممن يقطنون منطقة بارا وما يجاورها من قرى. وأحفاد أولئك الأبطال هم الآن مقيمون في تلك المناطق، ما زحزحهم عنها تقلب الدهر ولا الجفاف ولا التصحر. وكان أجدادهم قد سجلوا بدمائهم صفحات من تاريخ السودان، ولكن ماذا قدمت لهم هذه الحكومة التي جاءت لإنقاذ الناس؟! كانوا قبلها ينعمون بشيء من الخدمات الصحية المستقرة ذات العلاجات المجانية، وبالاستقرار الإداري الذي يراعي حلّهم وترحالهم وينعم أبناؤهم بالتعليم المتميز في مدارس تقوم على إعاشتهم وقد شهدت غالبية مناطق السودان شيئاً من التنمية والخدمات عدا المنطقة الممتدة من الأبيض شمالاً إلى حدود الولاية الشمالية، فهذه لم تنل حظاً من التنمية في أيّ مجال من المجالات، علماً بأن أراضيها صالحة للزراعة المروية وإلى الرعي المقنن وإلى إنتاج الصمغ العربي والكركدي والسمسم وغير ذلك، بل لم تنل حظاً حتى من زيارات الرئيس البشير. في الآونة الأخيرة، وبعد 22 عامًا من عمر الإنقاذ، حظيت المنطقة بزيارة النائب الأول فقد تكبد المشاق في الوصول إلى بعض أريافها، وسمعته يقول في إحدى خطبه هناك: ستتحولون في القريب العاجل من الشرب بالنشل والدلاء إلى الشرب ب... ماذا تتوقع؟ كنت شخصيًا أتوقع أن يقول «الحنفية» ولكنه أحبطني بقوله «الحفائر المحسنة»، ثم قال: وسينتقل أبناؤكم في المدارس من طاولات الرمل والبروش إلى طاولات خشبية تظلها مبان ثابتة بدلاً من «كرانك ورواكيب» القش! هذه النُقلة ستحدث بعد 22 عاماً من مجيء الإنقاذ! ولعلّه في زيارة سابقة وعدهم بإنشاء طريق «أم درمان جبرة بارا» وقد طُرح هذا المقترح ذات مرة في البرلمان إلا أنه قوبل بالرفض بحجة الميزانية، هذا البرلمان الذي يقود ركبه ابن المنطقة الشيخ أحمد إبراهيم الطاهر! وكان قد وصل إلى صهوته بفضل أصوات أهالي دار الريح! ألا يدري هذا الشيخ أن «الشطار» من ساسة حكومته قد ربطوا قرى أهلهم بالعاصمة القومية بالطرق المعبدة؟ طريق أبوحمد عطبرةالخرطوم، طريق شندي- الحقنة- الخرطوم، طريق مروي عطبرة- الخرطوم، طريق كريمة مروي كورتيالخرطوم، طريق دنقلا القبولاب الخرطوم... خمسة طرق أو تزيد!! مقابل كم من السكان هناك؟ مقارنة بالسكان المُجَدَّعين من أم درمان إلى مشارف مليط غرباً، ومن الأبيض إلى مشارف كورتيودنقلا شمالاً؟! أما رأت عينا شيخ أحمد ولا سمعت أذناه، ولا شمّت أنفه؟؟ أم أن أولئك هم أحفاد صبير وجاويش ومهيرة؟ فما بال أحفادك أيها الشهيد الهمام إبراهيم ود دير؟؟ أما يستاهلون طريقاً واحدًا يربطهم بأواصر البندر؟؟ قد ذكر الأخ الأستاذ قش في مقاله ذاك تعليقاً طريفاً وعجيباً لأحد مسنّي المنطقة بعد ما رأى من التخبط الإداري هناك فقال «يبدو أن الوالي يريد أن يعادل الرَّحْل» ولعل الوالي المعني هو الشيخ ود زاكي الدين، أما «الرَّحْل» فهو ما يُحمل على البعير من متاع غالباً ما يكون عيشاً، وهذا الحَمْل لا بدّ أن يُجعل نصفين متعادلين على صفحتي البعير، وإلاّ مال النصف الآخر فسقط، أو أدمى غارب البعير. هكذا شرح هذه العبارة، ولكن القائل استعارها لما رآه يجري في النصف الآخر لإقليم «كردفال» أي: جنوبها، ذاك النصف الذي يئنّ من ضروب بنات الدهر؛ فهو نصفٌ مالت به المشكلات التي إذا ما حُلّت انعدلَ، وهذا الرجل يخشى أن تنتقل العدوى من هناك إلى هنا، ولذا يتوجب على السيد الوالي أن يتنبه جيّداً إلى قضايا حوزته ويقوم بحلها قبل التفحل، من شاكلة الخبط الأعشى الذي يزيح محلية قائمةً وسط أهلها لينأى بها إلى ركن قصيّ، ثم القضايا الصحية، هل يدري الوالي أن قرى ريفي بارا تتعالج بالأبيض بدلاً من بارا، وما أدراك ما مستشفى الأبيض؟ بل يحولون منها إلى العلاج بالخرطوم!! ذلك غير قضايا التعليم والتنمية في المجالات المختلفة. فعلى الوالي أن يتنبه لهذا كله قبل أن يسعى أبناء هذه المناطق إلى معادلة الرَّحْل. والله من وراء القصد. د. التجاني إبراهيم محمد جامعة تبوك المملكة العربية السعودية