من خور جادين سلام-1 حلقات توثيقية عن التعليم في دار الريح تعليم البنين - خور جادين نموذجاً محمد التجاني عمر قش [email protected] تجري الاستعدادات هذه الايام على قدم وساق لعقد مؤتمر عن التعليم العام والعالي في السودان؛ و نود بهذه المناسبة تقديم حلقات عن التعليم في دار الريح أو محلية بارا الكبرى من وجهة نظر توثيقية مع التركيز على جوانب العملية التربوية و عناصرها المختلفة وهي تحديداً البيئة المدرسية، والمنهج والمعلم والطالب ومخرجات التعليم وصولاً لعقد مقاربة ومقارنة بين واقع التعليم في الماضي والحاضرمن خلال عرض نماذج من المدارس التي كان لها دور ريادي في مجال التعليم في المنطقة المذكورة. \" خورجادين\" اسم له رمزية خاصة عند الحديث عن التعليم في دار الريح أو بالأحرى في محلية بارا الكبرى؛ فهذه المنطقة هي قرية صغيرة تقع بالقرب من واحة العاديك في إدارية دميرة حالياً. ففي العام 1949 أفتتحت أول مدرسة حكومية باسم مدرسة دارحامد الأولية خارج مدينة بارا في تلك المنطقة فوق ربوة ذات قرار و معين تطل على مشرع العاديك.كانت تلك هي البداية الرسمية للتعليم النظامي في قرى مجلس ريفي دارحامد، وإن سبقتها مدرسة صغرى في دميرة بإدارة الشيخ الوسيلة ويعاونه شيخنا أحمد ود الأمين و مربي الأجيال عثمان الرفاعي، و قامت تلك المدرسة إلى جانب الخلوة التي أنشأها الشيخان عبده والتجاني عمر قش على نفقتهما.كما كانت هنالك مدرسة صغرى في قرية المرة افتتحت عام 1947. و كانت المدارس الصغرى معروفة في ذاك العهد، وهي كانت تؤهل الطلاب للمرحلة الأولية، فالدراسة فيها ثلاث سنوات يخضعون بعدها لامتحان موحد يؤهلهم للدخول إلى الصف الثالث في المدارس الأولية، ولقد انتقل المتأهلون من الدفعة الأولى في مدرسة المرة الصغرى إلى مدرسة «خور جادين» التي تأسست في ذاك الزمان لاستقبال طلاب منطقة بارا، وكان أول ناظر لمدرسة خور جادين هو المربي الكبير والمعلم القدير الأمد رماني العريق الأستاذ عوض عبد الماجد، وكان من أشهر معلميها الأستاذ الشريف الركابي. كانت خلاوي القرآن تنتشر في كثير من القرى منها مسيد الفكي الناير في حلة الفكي و مسيد الفكي التوم ود يوسف في دميرة التوم، و مسيد الشيخ محمد ود بيوضة في نكور؛ و إلى الغرب كان هنالك مسيد ود كدام ذائع الصيت في أم حصحاص؛ و لا أحد ينكر فضل و مكانة مسيد مولانا الشريف عبد المنعم في أم سعدون الشريف؛ و في دار العريفية كان مسيد الحاج اللين يمثل منارة للعلم و القرآن والفقه، و خلاوي الشيخ مركز الدين في الشوّق و الشيخ أحمد ود أقروب في الرهد و مسيد الشيخ أبّا عيسى في البشيري و كان لمنطقة الطويل باع طويل في نشر القرآن و العلم إذ عمل كثر من أبنائها في مجال التعليم منذ وقت مبكر.أما خرسي فهذه مدرسة علمية قائمة بذاتها يرجع إليها الفضل الكبير في نشر التصوف و الفقه والقرآن و الفتوى، و لا ننسى مسيد الفكي الرشيد في الفرجاب شرق بارا. كل هذه الأماكن قامت بجهد كبير في تعليم الناس و تبصيرهم بأمور دينهم و كانت في ذات الوقت بمثابة مأوى لكثير من طلاب العلم و الدارسين يؤمها الشيوخ من كافة بقاع السودان خاصة من دارفور وشرق كردفان من دارالجوامعة حتى أشتهر منهم نفر كريم مثل الشيخ عمر مرو و الشيخ آدم البرقاوي والشيخ المسلمي من شرق النيل والفكي آدم ود البشير و شيخنا موسى عبد المجيد الذي أصبح إماماً لمسجد الأبيض الكبير فيما بعد وهو أحد علماء الفقه المالكي البارزين في المنطقة، كما جذبت دار الريح عدداً من علماء الشناقيط الذين أسهموا بقدر كبير في نشر العلم في تلك البقاع؛ الأمر الذي مهد الطريق لتقبل الناس للتعليم والدراسة النظامية في ذلك الوقت المبكر. كانت خور جادين هي رائدة التعليم في دارحامد وتعاقب على تلك المدرسة العريقة عدد من كبار رجالات التعليم في ذلك الوقت منهم الأستاذ عوض الحلو من أم درمان، والشيخ هاشم إسماعيل من دنقلا ؛ والفاتح أحمد خالد من بارا. و من أعظم الرجال الذين تولوا إدارة المدرسة الشيخ عبد الرحيم البشير الرجل الصالح الذي توفي ساجداً و هو يؤم الناس في مسجد الأبيض في صلاة الجمعة رحمهم الله جميعاً و جزاهم الله بخير مايجزي به شيخاً عن تلاميذه. هذا، بالإضافة إلى المعلمين الأفذاذ الذين لما يبخلوا على تلاميذهم بشيء من العلم و التربية الصالحة وقدموا نموذجاً حضارياًَ و قدوة حسنة للمواطنين والطلاب بكل تجرد و نكران ذات وإخلاص في العمل. إن مدرسة كانت تحت إدارة هؤلاء العظماء لا شك أنها قد تخرج فيها رجال لا يقلّون عظمة عن معلميهم منهم السياسي المعروف أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني حالياً؛و زعماء القبائل أمثال الأمير العبيد محمد تمساح و الأمير الحاج جابر جمعة سهل و صديق التجاني عمر قش وشيخ العرب عيسى التجاني عمر قش. ومنهم العُمَد بابكر العالم وبكر جودة و بركات عثمان والصافي إدريس ومن دار الهواوير المترجم المعروف نمر حسن نمر. و من القادة العسكريين الكبار الذين تخرجوا في خور جادين اللواء طيار الركابي مكي أحمد حامد قائد سلاح الطيران سابقاً واللواء كنني حمدتو قائد سلاح البحرية و منهم أستاذة الجامعات الدكتور الغالي الحاج والدكتور الشيخ جمعة سهل والطبيب المشهور الدكتور عمر زايد بركة و الشاعر عثمان خالد و الفنان عبد الرحمن عبد الله؛ و غيرهم كثر من المعلمين الذين حملوا لواء التعليم في شمال كردفان و نشروا المعرفة في القرى والحضر وآخرون في شتى المجالات المدنية و العسكرية. مع مرور الزمن بدأ التعليم ينتشر في تلك الربوع ففي العام 1953 إفتتحت مدرسة المقنص الأولية و ما أن حل مطلع العقد السادس من القرن الماضي حتى كانت جميع القرى الكبيرة قد وصلها قطار التعليم وأنشئت مدارس عديدة في المزروب و أم كريدم و طيبة و أم سعدون و غيرها وانتقلت مدرسة خورجادين إلى دميرة في العام 1962 و كنا أول دفعة تلتحق بالمدرسة في مقرها الجديد. في واقع الأمر كانت مدرسة خور جادين بوتقة انصهار لكافة أبناء المنطقة؛ و لذلك فهم يتعارفون فيما بينهم و يتواصلون؛ وقد كان هذا ديدن المدارس العريقة التي كانت محاضن تخرج الرجال و تدربهم في جميع مناحي الحياة عن طريق تقديم القدوة الحسنة من قبل المعلمين الذين كاون يأتون من كل فج عميق يحملون تجاربهم التربوية الناجحة فلا غرو أن كانت مخرجات التعليم ممتازة بكل المعايير. وحق لأستاذنا سليمان جمعة سهل وهو أحد خريجيها أن يطلق علي تلك المدرسة \"كلية خور جادين الأولية\" لما قدمته لطلابها من معرفة و علم وتربية في بيئة تعليمية متكاملة وعلى إيدي معلمين أكفاء و مدربين و لهم خبرة ومعرفة ومثل وخلق ودين واهتمام بطلابهم مع وجود منهج وكتاب مدرسي كانت تتناسب مع متطلبات ذلك العصر تماماً. محمد التجاني عمر قش-الرياض [email protected]