انتهينا في المقال السابق إلى التناقض العجيب ما بين مسلمات الأستاذة إيمان الخواض واستنتاجاتها في مشروع قانون الأحوال الشخصية وعجبت أنها توافق على كل المطلبيات العلمانية التي جاءت في المشروع البائقة.. ومن أهم هذه القضايا مسألة الولي. وفي لمحة سريعة نقدم بعض أهم خصائص المشروع العلماني وقانون 1991م. أولى الملاحظات أن هؤلاء العلمانيين بإدراك منهم أو بغير إدراك يقفون موقفاً عدائياً من البسملة، مع أن البسملة لا تغير من جوهر القدسيات أو الكفريات التي تشتمل عليها أي ورقة، فالأوراق التي قُدِّمت في مؤتمر قانون الأحوال الشخصية جاءت خلواً من اسم الله في معظمها لذلك جاء العمل أبتر وأقطع وأجزم تماماً كما جاء في الحديث. بينما نجد أن قانون 1991م يبدأ بالبسملة في صفحة الغلاف الأولى ثم بعدها مباشرة في الصفحة الداخلية إذن فلا بد أن يكون هناك موقف من الدين وإلا لما تواترت هذه الظاهرة في كل عمل يضطلع به العلمانيون والكفار من لدن سهيل بن عمرو يوم صلح الحديبية مروراً بياسر عرمان في المجلس الوطني وانتهاءً «بسورد» المنظمة السودانية للبحث والتنمية ومنسوباتها ومنسوبيها بمن فيهم د. أمين مكي مدني.. المقترح المشروع يبدأ بإهداء إلى الكادحات من النساء إلى آخر العبارة.. مما يؤكد أن المنظمة منظمة مطلبية تستخدم لغة البلوريتاريا العمالية في زمن لينين وانجلز وعبد الخالق والشفيع وهلم جراً.. وفي المشروع المقترح مقدمة وفهرست وأحكام تمهيدية، وأما الأحكام التمهيدية فمحتواها اسم القانون وبدء العمل به وتطبيقه وسيادة أحكامه والمسائل التي لا حكم فيها وإشارة إلى قانون الإثبات وهذه القضايا فرغ منها قانون 1991م في صفحتي «1 2» تحت عنوان «قانون الأحوال الشخصية لعام 1991م وزاد عليها جانباً مهماً بل بالغ الأهمية خلا منه المشروع العلماني ليس لسبب غير انتسابه إلى العلمانية وموقفه من الدين.. ففي المادة «6» من هذا الباب وهو بعنوان استصحاب المبادئ الفقهية لدى تطبيق القانون «وهي: أ/ الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. ب/ اليقين لا يزول بالشك. ج/ أولاً الأصل بقاء ما كان على ما كان. ثانياً الأصل براءة الذمة. ثالثاً الأصل في الصفات العارضة. د/ العادة محكمة. ه/ الساقط لا يعود. و/ التصدق على الرعية منوط بالمصلحة. ز/ إعمال الكلام أولى من إهماله. ح/ ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله. ط/ لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان. س/ الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان. ك/ من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. ل/ من سعى في نقص ما تم من جهته سعيه مردود عليه. م/ الضرر يُزال. ن/ يستعان بأهل الخبرة في معرفة السلامة والأهلية وعوارضها. إن الاختلاف بين القانونيين يدل دلالة واضحة وبينة أن قانون 1991م جاء مبرءً من الانحياز للرجل أو للمرأة لأن أبرز الأحكام التي تنطبق على المتخاصمين دون النظر إلى جنس أي واحد منهما. أما المشروع العلماني فلا يزال يدل دلالة قوية على أنه محاولة مطلبية تقوم بها نقابة سمّت نفسها «سورد» لا يزيد عن ذلك ولا ينقص وذلك لأنه يتكلم عن حقوق المرأة ولا يتكلم عن شيء عداها وكأن ظلم المرأة حقيقة كونية مطلقة اطلع بها الرجل والملائكة وناموس الوجود والرسل وخالق الكون وباريه. يقول في المقدمة: 1/ إعادة الاعتبار إلى إنسانية المرأة والكفّ عن النظر إليها كأداة للمتعة مع سيادة مفهوم الشراكة في إدارة شؤون الأسرة. وأنا أسأل هؤلاء الناشطات: إعادة الاعتبار للمرأة في مواجهة من أو في مواجهة ماذا؟ لن تستطيع أي ناشطة أن تجيب مباشرة وبشجاعة عن هذا السؤال ولسوف يكتفين بمنهج الدغمسة العلماني من عينة ضرب في وزارة الرعاية الاجتماعية مثل «الختان بجميع أنواعه» مع أن الإجابة عن السؤال موجودة في صلب المشروع العلماني الذي ما قام إلا ليرد على هذا السؤال ولكن بطريقة بهلوانية لولبية تتخفّى وراء شعارات المرأة والأنثوية والجندرة وسيداو والمساواة المطلقة التي لا يتمتع بها موجودات في الكون حتى وسط الجمادات والذرات والأجسام الكهربية المتساوية الكتلة والشحنة.. إن المشروع لم يأتِ لرد الاعتبار للمرأة ولكنه جاء بغرض الطعن في السنّة وفي الشريعة وفي دين الله. جاء ليبدل الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة وفي إجماع السلف والخلف. جاء المشروع العلماني لينص على الورق إسفافاً وجهلاً ومخالفة للمعلوم من الدين بالضرورة. جاء المشروع العلماني ليسخر من قانون 1991م فإذا به لا يسخر إلا من نفسه. وقد أبرز المطبق الذي وُزِّع في المؤتمر بعض جوانب الاعتراض على القانون وأورد بجانبها الإيداع العلماني في المادة الموازية!!. وهاكم طرفاً من هذا الإيداع. الخطبة قانون 1991م المادة «01 2» إذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة بمقتضى فيسترد ما أهداه إن كان قائماً أو قيمته يوم القبض إن استهلك. المشروع العلماني لا يترتب على العدول تعويض غير أنه إذا سبّب أحد الطرفين ضرراً للآخر يجوز للمتضرر المطالبة بالتعويض. قانون 1991م يتحدث عن المقتضى يعني السبب القوي.. والمشروع العلماني ينكر المقتضى جملة وتفصيلا.. وهذا لعمري جهل فاضح لأن المقتضى سبب مانع من الاستمرار في الخطبة كأن يكتشف الخاطب أمراً كان مستوراً عنه «ولا داعي للتعداد». يرفض المشروع العلماني فكرة المقتضى جملة وتفصيلا حتى إذا وجدت الشابة خطيبها زانياً أو وجد الشاب خطيبته في أحضان رجل آخر فليس لأحدهما أن يطالب برد ما أهدى!! أما الحديث عن الضرر كما جاء في المشروع العلماني فقد فرغت منه مادة الأحكام التمهيدية «6» الضرر يُزال. فبالله عليكم أي المشروعين أرقى وأكمل وأتم وأعدل؟ الزواج قانون 1991م عرّف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة على نية التأبيد يحل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه الشرعي. المشروع العلماني يقول الزواج هو عقد بين رجل وامرأة على نية الدوام بغرض تكوين أسرة. يسخر علمانيو «سورد» وناشطاتها من عبارة يحل استمتاع كل منهما بالآخر.. ويستبدلونها بعبارة بغرض تكوين أسرة ونقول لكم أيها العلمانيون: فلماذا أُقحمت عبارة على التأبيد وأقحمتم أنتم عبارة بنية الدوام إن لم يكن ذلك بغرض الأسرة وزاد عليكم القانون بمفهوم الاستمتاع المتبادل إذ لا يمكن تكوين أسرة إلا بتفعيل قاعدة الاستمتاع المتبادل وأحكمها القانون أيضاً بعبارة على الوجه المشروع فبان الفرق واضحاً وجلياً بين علمانية المشروع وسلامة الدستور. أما كارثة الولاية فهي على وشك أن تُخرج أصحاب المشروع عن الملة!! الولاية: يقول القانون في المادة «5» في شروط صحة العقد: يشترط لصحة عقد الزواج أ/ إشهاد شاهدين. ب/ عدم إسقاط المهر. ج/ الولي بشروطه. يقول المشروع العلماني أخزاه الله المادة «41»: لا تجوز الولاية على المرأة.. «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذباً» وأقول كبرت كلمة تخرج من أفواهكنّ إن تقلن إلا كذباً.. هذه الجرأة على دين الله تُخرج عن الملة لأنها تصادم نصاً معلوماً من الدين بالضرورة ولسوف نرى في المقالة القادمة ما إن كان إنكار شريعة الولاية يعد من إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة أم لا! ثم ننظر في بعض جهالات المشروع العلماني الأعمى المطلبي غير الفكري وغير العلمي والله المستعان.