- غدًا إن شاء الله تنتهي المهلة التي منحتها السلطات لمواطني جمهورية جنوب السودان المقيمين بالسودان لتوفيق أوضاعهم بطريقة قانونية، وفيه تنتهي صلاحية الأوراق الثبوتية السودانية التي يحملونها وتصبح حسب تعبير وزارة الداخلية «غير مبرئة للذمة» ويتحولون إلى أجانب مثلهم مثل غيرهم من رعايا الدول الأخرى، يحكم وجودهم في السودان قانون الهجرة وإقامة الأجانب وتسقط عنهم كل ما كانوا يتمتعون به من حقوق المواطنة التي يتمتع بها المواطنون السودانيون . وقد عجبت ودهشت لتصريحات رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت التي قال فيها إن حكومته تسعى مع حكومة السودان من أجل تمديد فترة بقاء الجنوبيين الموجودين بالسودان من أجل التمكن من توفيق أوضاعهم، وهذه مماطلة غريبة من جانب حكومة الجنوب، فمهلة التسعة أشهر التي تنتهي غداً كانت كافية «وزيادة» لتوفيق أوضاع رعاياها إذا كانت جادة في ذلك، وإذا كانت تحترم رعاياها بالفعل لما تركتهم هكذا عرضة لإجراءات قسرية قد تطالهم وحتى إذا لم تطلهم هذه الإجراءات فسيكونون بلا هوية وهو أمر أقل ما يوصف به أنه مسيء ومهين. ويأمل الجميع أن تلتزم الحكومة بهذا الأجل فلا تمدده قط مهما حدث وفي ذلك تدعيم لموقفها التفاوضي واستخدام الوجود الجنوبي كورقة ضغط يجب ألا تفرِّط فيها الحكومة أبداً، وهي ورقة رابحة حاولت وتحاول جوبا جاهدة «حرقها» في يد السودان عن طريق اتفاق الحريات الأربع، لا بد للخرطوم أن تُري جوبا غِلظة في هذا الجانب من أجل تليين مواقفها في الملف الأمني الذي هو المدخل الأوحد لأي اتفاق قد يتم التوصل إليه بين البلدين. المهدي ومبارك - الردح وسيل التنابز بالألقاب والتساجل بالسباب بين الصادق المهدي وابن عمه مبارك الفاضل، هو أمر مؤسف ومخجل وصادم ليس فقط للأنصار ولكن لكل الشعب السوداني، وهو يرى رمزين من رموز هذا الكيان التاريخي العريق ذي التأثير الواضح في الماضي والحاضر وفي المستقبل على ملامح العمل السياسي والاجتماعي في السودان، وهما يتلاحيان ويتبادلان الشتائم ويسخر كل منهما من الآخر ويصف صاحبه بأوصاف وألقاب غير لائقة. وما حدث هو انعكاس لحالة غياب الوعي بالتنافس السياسي والحزبي والذي ينبغي أن يتمحور فقط في البرامج والسياسات، ولكن ما يجري بين الرجلين تعدى هذا الفهم الواسع إلى فهْم ضيِّق وهو التنافس الشخصي القائم على الانتصار للذات وهو ما يشير إلى وجود صراع حول المصالح الخاصة جداً بينهما، وفي تقديري أن الأمر كله مثّل فضيحة سياسية ونشر الغسيل القذر للبيت الأنصاري على الملأ في وقت كان البعض يعوِّل عليه أن يكون صمام أمان للبلاد وهي تشهد ما تشهد من احتقان سياسي ينظر في ظله قسم من السودانيين إلى هذا الكيان وزعيمه باعتباره ربما يصير طوق نجاة، ولكن ما حدث من تصدُّع داخله جعل مقولة «جئتك يا عبد المعين لتعين ولكن وجدتك يا عبد المعين تعان» تنطبق عليه بالحرف. محاسبة كرم الله - في الأخبار أن حزب المؤتمر الوطني شرع في خطوات جادة لمحاسبة والي القضارف على تصريحاته بخصوص التطبيع مع إسرائيل، كما جاء في الأخبار أيضاً أن بعض الجهات ربطت بين لقاء الوالي بوكيل وزارة الخارجية الإسباني في زيارة الوالي الأخيرة لإسبانيا. وتعليقاً على ذلك نقول إن مبدأ المحاسبة مهم، ولكن لا ينبغي أن تتم هذه المحاسبة على المستوى الحزبي، لأن ما دعا إليه الوالي يعتبر مخالفاً ليس فقط لتوجهات حزب المؤتمر الوطني، وإنما لتوجهات الدولة السودانية وشعبها منذ الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية، وبالتالي فإن محاسبة كرم الله ينبغي أن تكون وفق قوانين الدولة التي تمنع على مواطنيها العاديين أي صورة من صور الاتصال بالكيان الصهيوني المحتل، ولا الدعوة إلى مصالحته أو التطبيع معه ما دام يحتل أراضي فلسطين وينكِّل بشعبها ويسومهم سوء العذاب، ويسعى بجد إلى طمس الهوية الإسلامية للقدس ويدنِّس المسجد الأقصى ويصد المسلمين عن الصلاة فيه ويسعى إلى هدمه. كيان قتل بدم بارد «1400» من أهالي غزة من الأطفال والنساء والشيوخ في حربه الجائرة عليهم قبل ثلاث سنوات والتي نقلتها محطات التلفزة الفضائية في كل أرجاء العالم وشاهدها الناس كما يشاهدون مباريات كاس العالم في كرة القدم ثم تأتي المحكمة الجنائية الدولية بعد ثلاثة أيام فقط من تصريحات كرم الله لتقول للناس دون حياء إنها ليست مختصة بالنظر في الشكوى التي تقدمت بها فلسطين ضد إسرائيل وجرائمها التي ارتكبتها في حق الفلسطينيين، ومبرر المحكمة هو أن فلسطين ليست عضواً كامل العضوية في الأممالمتحدة بينما تنشط ذات المحكمة في توجيه الإدانات بالإبادة الجماعية وغيرها من التهم بناءً على بيِّنات سماعية مفبركة ضد الرئيس البشير ووزير الدفاع وغيره من المسؤولين السودانيين والأفارقة ثم يأتي هذا الوالي والبلاد ترزح تحت نير التآمر الصهيوني ليفتَّ في عضدها على ما هي عليه بهذا القول الذي لو قاله أحد آخر من خارج زمرة الرجل لأقيمت الدنيا ولم تقعد ،«مالكم كيف تحكمون»! ، أما ربط البعض لما قاله كرم الله بزيارته إلى إسبانيا ولقائه بوكيل وزارة خارجيتها فيفتح ذلك الباب لتوجيه أسئلة مهمة جداً وهي: ما هي طبيعة هذا اللقاء وهل يحق لوالي ولاية ما أن يجري محادثات من أي نوع مع أطراف خارجية في أمور تتعلق بشؤون السياسة الخارجية للبلد؟ أليست السياسة الخارجية شأناً اتحادياً لا يجوز للولاة أن يخوضوا فيه منفردين وبصفتهم هذه؟ وإني لأرجو صادقاً ألا يكون هذا الربط صحيحاً لأنه إن صح فإن ذلك يؤشر إلى إمكانية حدوث اختراقات خطيرة ستكون نتائجها كارثية حتماً. ندعو الوالي كرم الله إلى تدبر الآيتين «51» و «52» من سورة المائدة حيث يقول الله سبحانه وتعالى «يا أيُّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين».