{ من ناحية مقارنة على أرض الواقع الليبي، فإن ما سقط به القذافي على يد الثوار هو نفس السبب الذي أسقط به هو الملك إدريس السنوسي، وإن كانت المملكة الليبية في عهد الملك السنوسي هل حكم العائلة الواحدة شكلاً ومضموناً، فإن حكم القذافي بعد أن شب أبناؤه وابنته عن الطوق، أصبح حكم عائلة واحدة هي عائلته، أسرته وعشيرته، وإذا كان منطق القذافي ألا تحكم ليبيا العوائل بمعزل عن الجماهير، فالآن يرتد عليه منطقه، فهو في السنوات الأخيرة كان يلفظ قادة انقلاب الفاتح من سبتمبر لفظ النواة، ويقرب إلى قيادة البلاد أبناءه وابنته، وسيتبدل جيش ليبيا العظيم الذي وصل من خلاله إلى السلطة بكتائب مرتزقة حقراء رخصاء لا أصل لهم ولا فصل، مشحونين بالحقد العنصري تجاه الشعوب العربية وهذا سر تحفيزهم في المعارك. نعم إن القذافي بعد أن نجح انقلابه «الراشد» مع زملائه مثل أبو بكر يونس وعمر محيشي وعبد المنعم الهوني وغيرهم، كان يشن هجوماً عنيفاً في انتهاك لقواعد الدبولماسية على الأنظمة الملكية والأميرية والسلطانية، ولكن بعد أن شب أبناؤه عن الطوق وأصبحوا يافعين بدأ يستغني عن أعضاء مجلس قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر واحداً تلو الآخر، وكان آخرهم اللواء أبو بكر يونس الذي لم نسمع له ركزاً منذ تفجر ثورة السابع عشر من فبراير الماضي التي تنتصر في هذه اللحظات، بعد أن اقتحم الثوار طرابلس. إذن نفس السبب الذي شجع القذافي من قبل على إطاحة الملك السنوسي وعائلته، ها هو يشجع الثوار على إطاحة حكم القذافي وأسرته وعائلته وعشيرته الأقربين. هذا إذا عقدنا مقارنة بين ما دفع القذافي لقيادة انقلاب وهو في السابعة والعشرين من عمره، وما دفع الثوار لإطاحته بعد أكثر من أربعة عقود مضت على زوال حكم العائلة السنوسية. نعم «إنما أموالكم وأولادكم فتنة».. وقد فتن الأولاد من قبل صداح حسين وفتنوا حسني مبارك، وها هم يفتنون الحالم بالوحدة العربية أو الإفريقية القذافي، لقد جنت على نفسها براقش، جني القذافي على نفسه، وهو يمضي بليبيا نحو ما قبل عام 1969م وبصورة أسوأ حينما يهمش أعضاء القيادة التاريخية لثورة الفاتح، ويذبح بعضهم ويستبدلهم بأبنائه غير المؤهلين لقيادة دولة، وهم في مجونهم وفسقهم وانتهاكهم للأعراض بحكم إنهم عائلة مالكة «عائلة الفرعون». ضابط محترم مثل عمر محيشي عضو ثورة الفاتح يشتريه القذافي من ملك المغرب السابق بمائتي مليون دولار، ويذبحه بعد ذلك في طرابلس، لكن حينما ارتكب ابنه هانبيال جرماً في سويسرا أعلن الجهاد ضد سويسرا بذريعة أنها رفضت بناية المآذن، مع أن الصلاة محاربة حتى في ليبيا.. باعتقاد أن من يواظب عليها متهم بأنه من أعضاء الحركة الإسلامية التي تهدد استقرار النظام. نعم «إنما أموالكم وأولادكم وأزواجكم فتنة». عرمن ينكر الزيارة قال ياسر عرمان في لقاء صحفي خارج الحدود إنه «لم» و«لن» يزور إسرائيل، وإنه طيلة تمرده في صفوف الجيش الشعبي كان يزور دولاً عربية فقط. لكن السؤال هنا: هل يختلف موقف عرمان حيال إسرائيل من موقف حركته الشعبية؟!.. هذا هو السؤال الأول، أما السؤال الثاني فهو: هل يريد عرمان أن يكون دبلوماسياً في المنبر الذي يتحدث فيه، ولذلك تبرأ من سياسة حركته ودولة الجنوب الخارجية التي تعتبر العلاقات مع إسرائيل هي الأهم والأفضل، ولذلك أشار إلى زيارته إلى دول عربية، ومعلناً بغباء إنه لن يزور إسرائيل؟.. لكن إذا طلبت منه الحركة الشعبية أن يزورها هل سيرفض ويقول بأنه ضد التطبيع؟!.. يبدو أن عرمان يعتقد أن وعي الشارع العربي بنفس مستوى وعي الشارع الجنوبي في الدولة الجديدة. وبدلاً من أن يقول عرمان في الحوار خارج الحدود إنه يقتفي أثر حكام ومسؤولين عرب ذهبوا إلى الكيان الصهيوني في أرض فلسطينالمحتلة، إذا هو ذهب، أراد أن يتظاهر بأنه مواطن عربي شريف وهو يقول:«لم ولن أزور إسرائيل».. وهذا غريب يا عرمان. قل فقط لم أزرها ويكون الجدل حول خبر زيارتك ، لا بأس، لكن لماذا «لن» تزورها؟!.. ومن يزورها إن لم يزرها أتباع جون قرنق وأعضاء حركته الغشيمة.. هل هذا جزاء إسرائيل يا عرمان؟! لماذا هذا الجحود؟! ومن غير إسرائيل يعود لها الفضل الأكبر في بناء الحركة الشعبية وتدريبها وتقديم الأفكار السياسية والحربية لها؟! لماذا هذا الحجود يا عرمان؟ كيف هان عليك أن تقول «لن أزور اسرائيل» ؟! هل فشلت أهداف الزياة وصنّفك الإسرائيليون «مسلم جلابي» قد تلعب دور رأفت الهجّان؟! هذه العبارة لا تشبه ياسر عرمان بصفته من قدامى المحاربين في الحركة الشعبية التي هرب إليها في سبتمبر 1986م، حينما كان قد مضى على النظام الديمقراطي المنتخب برئاسة الصادق المهدي ثلاثة أشهر فقط، فهو يناضل ضد الديمقراطية في الخرطوم، فهل أيضاً «لن يزور إسرائيل» لأنها دولة ديمقراطية في إطار عنصري؟! ما كنت أتوقع أن يفاجئنا عرمان بتصريحه الذي يؤكد فيه أنه لن يزور إسرائيل، فهل الشعب العربي طفل يسيل لعابه؟!.. هل هو ساذج إلى هذه الدرجة؟! هل يظن عرمان إنه بإمكانه اللعب على الحبال العربية والإفريقية والإسرائيلية بهذا الأسلوب الفطير؟! إن المشكلة ليست زيارة إسرائيل ولكن من يدعمه غيرها؟! «نلتقي الخميس القادم بإذن الله».