يظن البعض أننا من المطبلين للإنقاذ والمزمرين لقادتها، من أجل اكتساب غرض دنيوي ومصلحة عاجلة، وهؤلاء لايعلمون بأننا نعتبر الإنقاذ ثمرة للعمل والجهد اللذين استغرقا منا زمناً منذ مطلع الشباب الباكر وهي تمثل بالنسبة لنا أملاً تحقق، وهدفاً استقر في شباك الواقع لقاء إخلاص ووفاء للمبادئ، وليس نتيجة تطبيل أو حرقٍ للبخور على أعتاب بيوتات الملوك والسلاطين. وعندما ينهض أبناء الحركة الإسلامية، للدفاع عن مشروعها، فهم لا يدافعون عن عقارٍ اغتصبوه ولا عن حق استلبوه، وإنما هم الأصلاء في التوجه الذي بدأ، والفكرة التي حُفِرت في أعماق الصدور. والمطبلون، الذين يركبون الموجة، ويسيرون حسب اتجاهات الرياح عن طريق إبداء الانحياز بالتصفيق وملء الحناجر بالهتاف والشعار، وهم لما بعد قد آمنوا بما يهتفون به، فإنهم يتفوهون بكلمات لا تتجاوز الحناجر، و أولئك يمكن أن نطلق عليهم أنهم هتيفة المصلحة الذين يرقصون على أنغامها، لكنهم يهربون مولين الأدبار عندما تدلهمّ المصائب وتنتصب التحديات. والذين عُرفوا بأنهم من أصحاب المهارة والقدرة، على التسلق وركوب ظهر الأنظمة بمختلف توجهاتها، قد لا نعجز في معرفة أساليبهم وأسمائهم، فهم شيوعيون حتى النخاع عندما قفز إلى السلطة الحزب الشيوعي، ومايويون من أنصار المرحوم جعفر نميري إلى آخر لحظة قبل انتصار الإرادة الشعبية في أبريل من العام 85، كما أنهم ثوريون ديمقراطيون بعد ذلك، وأخيراً تحولوا إلى الإنقاذ فأصبحوا ملوكاً فيها أكثر من أولئك الذين أرسوا دعائم القصر الملكي وأفنوا زهرة شبابهم لتشييده إن صح أن الإنقاذ بنت قصراً منيفاً. والمطبلون، ينشطون في خدمة أغراضهم، ويتفانون في الإطراء والثناء على من بيده اتخاذ القرار، فلا يبدون له رأياً مخالفاً، أو نقداً فيه نصيحة، والكثير من متخذي القرار الذين غشت على قلوبهم سحب الغفلة يكرهون الناصحين، ويستجيبون لمن يتمسحون بأحذيتهم، وتلك هي من طبائع المطبلين الذين يستغلون ما طُبعوا عليه من مهارات وخبرات، فيحالفهم الحظ في إغلاق باب المسؤولين في وجه كل مرشدٍ وناصح، فتكون الأبواب قد أوصدت ولا تفتح إلا على أنغام التطبيل والتزمير وأبخرة الكلام المعسول. أما أصحاب المبادئ، فإن دفاعهم عن إخوانهم لا يوضع في مستوى التطبيل، والفرق شاسع بين مطبل يبذل كل جهده من أجل شخصه، وبين صاحب مبدأ يهب روحه خالصة فداءً لما آمن به لا بسبب أنه يتمتع بسلطة أو يملك أزمَّة اتخاذ القرار. والمطبلون يرقصون طرباً في الاحتفالات، ويطلقون الساق للريح عند الملمات. أما أصحاب المبادئ فهم الثابتون عند احتدام المعارك الذين يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع. و البون جدُّ شاسع بين الذي يغرق حتى أذنيه في مستنقع الأثرة وذاك الذي يسير في اتجاه خصائص الإيثار.