نواصل ما انقطع من حديث عن نشأة وتطور وتقدم سلاح الإشارة والتقنيات المستخدمة فيه قديماً وحديثاً وقبل ذلك لا بد لنا من لمحة تاريخية سريعة عن سلاح الإشارة مما لم يذكر في الحلقة الفائتة عن سلاح الإشارة.ولعله من المعروف أن الإنسان قد احتاج إلى التواصل مع محيطه وعندها بدأت الاتصالات وظهرت بصورة بدائية لا تتعدى استخدام الأفراد ذوي الأصوات الجهورية على قمم الجبال لنقل الأوامر من منطقة إلى أخرى وذلك كان معمولاً به في عهد «داريسون» الذي تربع على عرش الفرس حوالى «500» قبل الميلاد، أما الأغاريق والقرماجيون والرومان فلقد استخدموا الطرق البصرية للإبراق والمتمثلة في وضع المشاعل على أسوار الحصون الشاهقة في أوضاع وأشكال معينة يدل كل منها على حرف معين من حروف الهجاء.. وفي القارة الإفريقية نجد أن طريقة دق الطبول في الاتصال ما زالت مستخدمة إلى يومنا هذا ويشارك الأفارقة في ذلك الهنود الحمر في منطقة الأمازون وهذه الطريقة سميت إصطلاحاً بالإبراق الصوتي وهذه الأنواع من الاتصالات «الإبراق الصوتي» و«الإبراق البصري» بقيت حتى نهاية القرن الثامن عشر بعد تطور دون تطور إلى أن الفرنسي «كلودشاب» الاتصال البرقي «التلغراف» في العام 1792م ورحبت بذلك الحكومة الفرنسية واستخدمت هذا الاختراع في الجيوش فمدت أول خط في العام 1794م بين مدينتي باريس وليل وكان اختراع التلغراف في بداياته هذه يعتمد على السيمافورات وهي الأعمدة الطويلة ذات الأذرع المعلق بها المصابيح وهذه الأذرع يمكن تحريكها في أوضاع مختلفة يمثل كل واحد منها حرفاً من الحروف الأبجدية أو رقماً من الأرقام الحسابية أو رمزاً من الرموز الاصطلاحية ثم طور الألمان هذا النظام للإبراق بواسطة استلام الإبراق الكهربائي امتداداً لمحاولات الاسكتلندي «موريسون» الذي استخدم الكهرباء في نقل الإشارات حتى تمكن العام «كارل فريدريش» وصديقه الفيزيائي «فيلهلم» من مد خط يرقى لمسافة ثلاثة ونصف كيلو متر واستمر الحال هكذا إلى أن أتى الإنجليزي «تشارلس كولو» والعالم الفيزيائي «تشارلس هويستون» وتمكن من صنع برقية ذات كفاءة عالية ووصلت خط يرقى بطول ثلاثين كيلو متر في العام 1844م يصل بين محطة السكة الحديد «بارينجتون» في لندن ومحطة «سلاف» واستمرت محاولات العلماء في تطوير وسائل الاتصالات حتى سجل العالم الرسالي المشهور «صامويل مورس» اختراعه العجيب.. وهو وضع النموذج الجديد للبرقية الكهربائية، وأضاف إليه مفتاح لفتح وقف الدائرة وهو المفتاح الذي يحمل اسم مفتاح مورس وتبنى الكونجرس الأمريكي في العام 1843م اختراع «مورس» وذلك بعمل خط يرقي بين واشنطن وبليتمور والذي اكتمل في العام 1844م وبلغ طوله نحو 70 كيلو متراً ولقد امتدت الاختراعات وتواصلت في مجال الاتصالات إلى أن تم اختراع التلفون والأجهزة السلكية واللا سلكية، أما عسكرياً فإن الاتصالات تعني السيطرة على القوات والتي بدونها لا يمكن تحقيق الغاية وهي النصر في المعركة لذلك نجد أن الاتصالات العسكرية قد واكبت نشأة وتطور الاتصالات في العالم والدافع إلى ذلك هو الصراع بين الدول والرغبة في تحقيق النصر فبدأت بالاتصالات البرقية «المورس» ثم الاتصالات اللا سلكية والآن تستخدم جيوش بعض الدول الفتية الأقمار الاصطناعية لأغراض الاتصالات العسكرية، وبالنظر إلى تاريخ الاتصالات الحديثة نجد أن السودان حظيّ باتصالات سلكية عالمية في العام 1859م وكان ذلك بمدينة سواكن ذات الأهمية التاريخية آنذاك حيث تم من أول كيبل بحري تجاري يربط الهند بإنجلترا وفي العهد التركي بدأ مد أول خط تلغراف من الشمال إلى الجنوب ليربط مصر بالسودان وكان ذلك في العام 1866م إلى وادي حلفا وتابع الخط مجرى النيل من الخرطوم بحري في العام 0187م ومن ثم وصل الخط إلى الخرطوم بكيبل بحري عبر النيل الأزرق، أما الاتصال اللا سلكي فبدأ إدخاله عام 1914م أما الاتصالات العسكرية في السودان فإذا جاز التعبير لنا أن نسرد تاريخها فلربما علينا أن نبدأ من الوراء قليلاً حيث كانت جيوش المهدية تخوض المعارك في مسارح مختلفة تحتاج للاتصالات السريعة المستمرة لتمرير الأوامر والمعلومات اللازمة فكيف كان نظام الاتصالات لدى الدولة المهدية؟ وفي ذلك كتب اللواء«م» أبو قرون عبد الله أبو قرون مقالته المشهورة بمجلة الإشارة العدد «14» سنة 1995م قائلاً «غنمت الثورة المهدية عدداً كبيراً من السفن النهرية استخدمتها بكفاءة تامة في النيل الأبيض والأزرق ونهر النيل فكانت البواخر تمخر عباب هذه الأنهر مروراً وهبوطاً حاملة الجديد لعمال المهدية في مناطقهم أو لقادة الجيوش التي تعمل بمناطقهم».. ولقد استفادت الدولة المهدية من البريد النهري وأيضاً استفادت من التلغراف والجمالة بل وزادت وسائل اتصال جديدة مثل محطات «الجمال» بالتتابع حيث كانت تستبدل الجمال كل «25» كلم والتي تقطعها في ساعتين أو ساعة ونصف الساعة وكذلك نظام العدائيين وكان نظام الاتصالات في المهدية نظاماً متقدماً وكان ذلك بفضل العبقري النابغة الخليفة عبد الله التعايشي الذي كان يعطي اهتماماً خاصاً بالبريد ويوجه عماله بتفقد أعمدة وأسلاك التلغراف كما سرد ذلك اللواء «م» أبو قرون «وسيتم نشر هذا المقال كاملاً عن الاتصالات والسيطرة في المهدية إن شاء الله في الحلقات القادمات». وبالعودة إلى العام «1925م» وعندما انشأت قوة دفاع السودان اعتمدت في اتصالاتها على البريد والبرق في تداول الإشارات وتمرير الأوامر والتعليمات واستمر ذلك الحال حتى العام «1935م» حيث برزت الحاجة لإنشاء «إشارات قوة دفاع السودان» كما ذكرنا في الحلقة الماضية فأرسلت خطابات للمديريات المختلفة بهذا المضمون لاختيار أفراد يحملون شهادات المرحلة الوسطى ويجيدون اللغة الإنجليزية وبعد التمحيص وقع الاختيار على «10» أفراد ألحقوا بفرقة المهندسين لتأهيلهم عسكرياً ومن ثم عقدت لهم أول دورة إشارة وعين قائداً لهم الرقيب «سولتر» ومساعده السيد «محمد دينق» من مصلحة البريد والبرق لتدريسهم مصطلحات التلغراف وطريقة الإرسال والاستقبال ويمكن اعتبار هذا الحدث هو النشأة الأولى لقوات مدرسة الإشارة التي ترفعت لمعهد الإشارة في العام «1996م» وكانت بداية الاتصالات العسكرية التي تقدمها الإشارة لقوة دفاع السودان بالموريس اللا سلكي «التلغراف» في السلم وفي العمليات التعرضية والهيلو غراف «المورس الخطي» وفي العمليات الدفاعية لتميزه بالسرية التامة وعدم القدرة على التنصت عليه وكان من بين هؤلاء الرجال العشرة الذين كونوا نواة الإشارة على حسين شرفي ومحمود حسين ومحمد عيسى وعبد الله عبد المجيد ولقد استهل بالتدريب المكثف لهم في العام 1926م حيث اشتركت الإشارة في مناورات مع الهجانة في شمال كردفان بمنطقة «بارا» وكذلك مناورات جبال النوبة فاكتسب الرعيل الأول للإشارة الثقة والكفاءة التامة وفي العام 1937م بلغت القوة «40» فرداً وتم فصلهم من فرقة المهندسين والتحقوا بحملة الحيوانات وتم فصل الوحدة من حملة الحيوانات وبلغت القوة في ذلك الوقت «100» فرد ونقل لها أول ضابط سوداني وهو اليوزباشي محمد الحسن عثمان ولقد اشتركت إشارات قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية وكان التحرك من قشلاق عباس إلى السكة الحديد وتم توديعهم بالزغاريد، وبعد يومين من تحركهم نصبت محطة لا سلكية في وسط قشلاق عباس وبدأت أصوات المورس تشق صمت الديار معلنة عن ميلاد أول برقية لا سلكية رسمية من إشارات قوة دفاع السودان تفيد بوصول القوة سالمة إلى «كُرن» فكانت الدليل القاطع على البداية الناجحة والقوية التي أسست لسلاح إشارة فريد في نوعه في الوطن العربي والقارة الإفريقية السمراء. نواصل في الحلقة القادمة ما انقطع من حديث بإذن الله. المعلومات أعلاه مأخوذة من توثيق سلاح الإشارة.