أمس الأول كان إعلان نتيجة شهادة الأساس، ورغم التفوق والنجاح الباهر الذي حالف الكثير من التلاميذ، إلا أنه بالمقابل هنالك تلاميذ لم يحالفهم الحظ في النجاح، فبينما سالت دموع الفرح عند الناجحين كانت هنالك مآقٍ تبكي حزناً ! وبعض الأسر تقسو كثيراً على أبنائها الذين لم يكتب لهم النجاح، بل تعمد للمقارنة بينهم وبين زملائهم الناجحين مما يؤثر مستقبلاً سلباً على نفسية الطالب.. «البيت الكبير» التقى بعض التلاميذ الذين لم ينجحوا هذا العام، وبعضهم كان برفقة أفراد من أسرهم .. واستعنا برأي الباحث الاجتماعي الأستاذ محمد عبد الرحمن ليدلي لنا بدلوه في هذا الموضوع من ناحية اجتماعية: قابلتها داخل حرم المدرسة والدموع تغطي مقلتيها.. دنوت منها ولم أكن بحاجة لسؤالها عن السبب فواسيتها قائلة: إن الفشل لا يعني نهاية الحياة، بل هو التجربة التي تسبق النجاح دائماً. أجابتني والغصة تسد حلقها: جميع صديقاتي نجحن إلا أنا ! وأنا حقيقة أخشى الآن العودة للمنزل خوفاً من كلام أهلى خاصة شقيقي الأكبر، فهو يقسو عليَّ كثيراً، وكان يحثني على المذاكرة لدرجة قد تصل حد الضرب. وبما أننا كنا على موعد مع متفوقة ولارتباطنا بزمن محدد لم أمكث معها كثيراً، فغادرتها وأنا أتمنى لها النجاح في مستقبل أيامها. أحمد الذي كان يدرس في مدرسة خاصة وكان جميع أفراد الأسرة يتوقعون نجاحه بتفوق، وكان ذلك واضحاً في مرافقتهم له للمدرسة للحصول على نتيجة، لكن الوالدة أصابها الوجوم عندما علمت بنبأ رسوب ابنها، وحتى أستاذ الصف لم يصدق عينيه أثناء تلاوته لتفاصيل النتيجة!! أحمد انخرط في بكاء مرير بينما والدته التزمت الصمت، وعندما حاولت أن أتحدث معها في ذات الموضوع رفضت الإدلاء باي تعليق واكتفت بقولها «أحمد تأثر بظروفنا بالمنزل» وعلمت فيما بعد أن والدته انفصلت عن والده قبيل موعد الامتحانات بشهر ونيف! «ع. م» شقيق التلميذة «ع. م» كان الغضب باديا على محياه لحظة أن علم بعدم نجاح شقيقته الصغرى، وكان يتحدث بصوت عالٍ ويعزو السبب لمتابعتها المسلسلات التركية والقنوات الفضائية واهتمامها بآخر صيحات الموضة والكريمات، واضاف: لا ألقي بكل اللوم عليها لكن نحن من ساعدها لتهاوننا معها. كعادتنا ختمنا جولتنا بالرأي العلمي، حيث التقينا هاتفيا الأستاذ محمد عبد الرحمن أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم الذي أفادنا بقوله: الفشل ليس نهاية الحياة .. والنجاح في الحياة يعتمد على الفشل لأنه بداية النجاح.. وقد يكون الفشل خط رجعة أو نقطة انطلاق وحاثاً الانسان على أن يخرج كل طاقاته، ونحن لا نعده فشلا بقدر ما أنه خط رجعة، فالامتحان نفسه ليس هو المعيار النهائي لتقييم الإنسان بفشله أو عدم نجاحه، فهنالك أناس ناجحون أكاديميا لكنهم لم ينجحوا في حياتهم العامة، والأسر ليست وحدها المسؤولة، لأن العملية التعليمية تكاملية، فالدولة نفسها مسؤولة، فنجد بعض الطلاب يدرسون في مدارس سواء أكانت حكومية أو خاصة، لكنهم قد لا يجدون الفرصة الجيدة لإعداد أنفسهم للامتحان لارتباطهم بعوامل نفسية واجتماعية تؤثر سلبا على التحصيل الأكاديمي، فدور اللأسر لا يقتصر على الاستذكار فقط، ولكن عليها تهيئة الجو النفسي، وعلى المدارس إعداد الطالب أكاديمياً حتى يكون مستعداً لاسترجاع المعلومة حال طلبها منه على وريقة الامتحان، وعلى المجتمع ألا يحمّل التلميذ التعثر أو عدم النجاح، لأن هذه نظرة قاصرة جداً وخطيرة للغاية، وقد تؤدي لتراكم مشكلات تبدأ بالانطواء على النفس والاكتئاب، وقد تصل درجة الانتحار إذا تكالبت المشكلات مع بعضها. وعن نفسي لدي تجربة شخصية عندما كنت بالصف الدراسي الجامعي الأول، فأنا فشلت بمعيار الفشل الذي نتحدث عنه الآن، وذلك عندما رسبت في مادة تخصصية في علم الاجتماع، ولكن في امتحانات الدور الثاني «الملاحق» أحرزت نسبة نجاح 100%، ففشلي كان دافعاً لي لتحقيق تلك النتيجة، فالفشل فرصة لمراجعة النفس والسلوكيات والشعور بحجم المسؤولية، ودونكم العالم نيوتن الذي لم يكن ناجحاً أكاديمياً لكنه وضع قوانين علمية كلنا نعرفها، فعلى الأسر التعامل مع التلميذ غير الناجح بطريقة لا تجعله يكره العملية التعليمية وفي ذات الوقت تحثه على النجاح. وما أود التركيز عليه هو أن النظرة الدونية أشد وطأة من الفشل في حد ذاته.. مع تمنياتنا للكل بالتوفيق والنجاح من أجل رفعة هذا البلد.