نالت الحركة الشعبية باتفاقية نيفاشا، ما لم تنله بالحرب. ثم نالت بنقض نصوص اتفاقية نيفاشا، ما لم تنله بالإتفاقية. بدعم أمريكي وغربي ثقيل الوزن، إستغلت عصابة الحركة الشعبيَّة اتفاقية نيفاشا لتفرض أنها وحدها تمثل الجنوب حصريَّاً. فحازت بذلك وحدها نصيب الجنوب من السلطة والثروة في اتفاقية نيفاشا. وذلك بافتراضٍ مؤقت في الإتفاقية، أن الجنوبيين يبلغون (40 %) من سكان السودان. وعندما أثبت التعداد السكاني الخامس أن عدد الجنوبيين يبلغ (21 %) من سكان السودان، رفضت الحركة الشعبية نتيجة التعداد. حيث تقضي اتفاقية نيفاشا بمراجعة نصيب الحركة الشعبية في السلطة والثروة، وفقاً لنتيجة التِّعداد السُكاني. حيث وفقاً لتلك النتيجة، كان يجب تقليص نصيب الحركة الشعبية في السلطة والثروة تبعاً لعدد الجنوبيين الذي أبرزه التعداد السّكاني أى (21 %). لكن بعد نتيجة التعداد لم تقم حكومة السودان، في حرصها الزائد عن الحاجة على السلام، بمراجعة أنصبة الحركة الشعبية. فكان ذلك عطاء مجانياً بغير مقابل للحركة الشعبية. حيث منحتها بذلك حكومة السودان ضِعف استحقاقها من السلطة والثروة البليونية (بالدولار)، ممَّا منحها (التمكين) الكامل في سلطة وثروات الجنوب. كما فتح باب شهيتها على مصراعيه، ليتفاقم ابتزازها وانتهاكها لبنود اتفاقية نيفاشا، حتى انتهكت نصوص اتفاقية السلام فيما يتعلّق ب (أبيي). حيث قضت الإتفاقية أن حدود الجنوب والشمال هي حدود 1/يناير 1956. ذلك يعني أن حدود كردفان غرباً وشرقاً وجنوباً تضع كلّ (أبيي) في الشمال. كما تضع في الشمال (الميرم) و (هجليج) النفطية. بعد أن انتهكت الحركة الشعبية بنود اتفاقية نيفاشا فيما يتعلق ب (أبيي)، كان التحاكم إلى محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي. ولكن بعد إعلان قرار التحكيم، أعلنت الحركة الشعبية رفضها القرار، عندما ثبَّت قرار التحكيم حدود كردفان مع الجنوب ومنح الحركة الشعبية، في حل وسط سياسي غير قانوني، جزءً من (أبيي) وهي مساحة (9 آلاف ميل). وتلك تعادل مساحة لبنان. علماً بأن كل (أبيي) جزء من الشمال حسب حدود 1/يناير 1956م، وحسب نصوص اتفاقية نيفاشا. رفضت الحركة الشعبية تحكيم لاهاي، واختارت حشد القوات والأسلحة لتنتزع كلّ أبيي بقوَّة السلاح فتضمّها إلى الجنوب بالجبر العسكري وتفرض الأمر الواقع. ثم رفضت الحركة الشعبية قبيل الإستفتاء ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب. حيث أصبحت دولة الجنوب بلا حدود، مثلها مثل إسرائيل. وذلك ممَّا يمنحها الذرائع لاستئناف حرب جديدة ضد الشمال متى شاءت، في جبهات عديدة في ولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق والنيل الأبيض. وقد افترضت الحركة الشعبية أن حكومة السودان في حرصها على السلام، قد فقدت إرادة القتال، وأنها ترغب في السلام بأى ثمن. ولو كان ذلك الثمن اضافة مناطق شمالية إلى الجنوب. من تلك الفرضية الخاطئة للحركة الشعبية بأن حكومة السودان ترغب في السلام بأى ثمن، ظلَّ ينبع مسلسل ابتزازاتها وانتهاكاتها التي لا ينتهي، حتي أشعلت حرب جديدة. وهي حرب بادرت الحركة الشعبية بإشعالها في أربع جبهات تباعاً في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، في الكرمك وتلودي وبحيرة الأبْيض وهجليج، ثمَّ مابعد هجليج. حيث هناك جبهات جديدة قادمة على الطريق. لقد استغلت الحركة الشعبية اتفاقية نيفاشا باعتبارها هدنة لإعادة التسليح، ريثما تعاود الحرب لتحقيق أطماعها التوسعية في الشمال بضم مناطقه إلى الجنوب بقوة السلاح. ما تفيده قراءة المشهد السياسي، أن الحركة الشعبية قد استعدت لحربها الجديدة ضد الشمال، خلال خمسة أعوام، هي عمر المرحلة الإنتقالية. إستعدت الحركة الشعبية لتلك الحرب بترسانة ضخمة من الأسلحة ودعم أمريكي وغربي وإسرائيلي غير محدود. لم تكن حرب الجبهات الأربعة التي أشعلتها الحركة الشعبية، مفاجأة لأى مراقب أو مهتم بالشأن السوداني. وكذلك حرب جبهاتها القادمة المتوقعة لن تأتي مفاجأة لأحد. لذلك ليس أمام شعب السودان والقوات المسلحة السودانيَّة اليوم غير أن تؤدب الحركة الشعبية وتحسن تأديبها. وإذا اعتدت الحركة الشعبية على هجليج النفطية لتفرض تنازل عن أبيي، وإذا أصبحت المناطق الشمالية في أربع ولايات سودانية هدفاً عسكرياً مشروعاً للجيش الشعبي، على السودان الرَّدّ بالمثل لتصبح جوباوبانتيو وغيرها، هدفاً عسكرياً مشروعاً. لأن تأمين السودان ليس فقط بهزيمة عصابات الجيش الشعبيّ التي قامت باحتلال هجليج. حيث يقتضي تأمين السودان، تدمير الآلة العسكرية للحركة الشعبية تدميراً كاملاً، وتدمير كافة قواعد انطلاقها ضد الشمال تدميراً كاملاً، حتى تعلم الحركة الشعبية أن إرادة القتال السودانية متوفرة، وأن الدفاع المشروع عن الوطن على ما يرام. في مخطط الحركة الشعبية، تمَّ تحديد جبهات القتال القادمة في الجبلين وكوستي وسنار والدلنج والأبيض والدمازين. لذلك قبل أن تحلّ تلك اللحظة، يجب قلب السِّحر على السَّاحر لتدور المعارك المشروعة في بانتيووجوبا. ذلك هو الدرس الذي يجب تلقينه لعصابة الحركة الشعبية. جيش السودان بخبرته وكفاءته ووطنيته، كان وسيظلّ خير معلِّم. لم تتعلَّم الحركة الشعبية حتى الآن تعلم أن حسن العهد والوفاء والإلتزام بنصوص اتفاقية نيفاشا الذي بصم سلوك حكومة السودان، جاء بدافع الحرص على سلام السودان شمالاً وجنوباً. حيث يعتبر الفهم المقلوب للحركة الشعبية أن حسن العهد غفلة والوفاء بالإتفاقية ضعفاً وحسن النوايا سذاجة. ليس هناك خيارٌ أو بديل لتأمين السودان، سوى إلقاء عصابة الحركة الشعبية في مزبلة التاريخ. عصابة الحركة الشعبية هي العدو الإستراتيجي للسودان. يجب أن يكون ثمن عدوانها على السودان، إسقاطها من الحكم. ولن يرضى شعب السودان ثمناً غير ذلك.