كيف يمكن إجراء الاستفتاء لفصل السودان إلى دولتين على أساس اتفاقية نيفاشا، التي ظلت الحركة الشعبية تنتهكها بنداً بنداً منذ توقيعها؟. منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م، ظلت الحركة الشعبة تنتهك بصورة منهجية اتفاقية السلام، أبرز واخطر تلك الانتهاكات هي رفض نتيجة الإحصاء السكاني الخامس الذي أجرى وفقاً لنصوص الاتفاقية. ثم رفضت الحركة الشعبية ترسيم حدود كردفان غرباً وشرقاً وجنوباً، حسب حدود يناير 1956م، كما تنص اتفاقية نيفاشا. ثم رفضت الحركة الشعبية قرار تحكيم لاهاي بشأن نزاع أبيي ثم رفضت ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وفقاً لحدود 1/يناير 1956م. وما زالت الحركة الشعبية تراوغ. ثم قبل الاستفتاء قامت الحركة الشعبية بالتبني علناً لخيار الانفصال بديلاً عن الوحدة. وذلك ينقض نصوص اتفاقية نيفاشا. تلك أربعة انتهاكات خطيرة ارتكبتها الحركة ضد اتفاقية نيفاشا، بمباركة وتشجيع الشركاء الغربيين في الاتفاقية الذين ظللوا صامتين على نقض الاتفاقية بنداً بنداً. ذلك يعني تحديداً أن اتفاقية نيفاشا بفترتها الانتقالية (5 أعوام) قد استغلتها الحركة الشعبية للاستعداد لحرب جديدة هدفها الخرطوم. حيث استخدمت الحركة الشعبية ما يزيد عن عشرة بليون دولار، حازتها من حصة الجنوب في النفط، في شراء الأسلحة طائرات ومدفعية وصواريخ وذخائر. بينما أسقطت من حسابها التنمية والخدمات في الجنوب. قامت الحركة الشعبية بكل الإعاقات الممكنة والمعاكسات لعدم إجراء التعداد السكاني، الذي نصت عليه اتفاقية نيفاشا، بدء من إصرارها على تضمين العرق والدين في استمارة التعداد رغماً عن الاتحاد الأفريقي الذي رفض تضمين العرق والدين وانتهاء برفضها نتيجة التعداد رغماً عن تقرير الأممالمتحدة الذي وصف التعداد ب (الجودة العالمية والمصداقية التي بصمت جميع مراحل التعداد المختلفة) وأن (كل مراحل التعداد قد تم توثيقها وتسجيلها بشكل استثنائي من التجويد). وأن (التعداد ناجح بل هو النجاح عينه وذلك وفقاً لمائة وأربع وستين تقريراً) و (أن التجربة السودانية في التعداد تجربة مهمة فريدة تستحق أن تتكرر ويعاد تطبيقها في تعدادات أخري خاصة في الأقطار التي تعاني من النزاعات). لكن الحركة الشعبية رفضت نتيجة التعداد الذي أوضح أن عدد الجنوبيين 21% لتسمري حصتها من السلطة والثروة التي منحتها إياها اتفاقية نيفاشا بافتراض (مؤقت) أن عدد الجنوبيين 40% وذلك ريثما يتم إجراء التعداد. نتيجة التعداد حتمت مراجعة قسمة السلطة والثروة. ولكن ذلك لم يتم . رعاة الحركة الشعبية من الدول الغربية، الذين دفعوا عبر الأممالمتحدة فاتورة التعداد وهي مائة وخمسين مليون دولار، كانوا يتوقعون ان يثبت التعداد السكاني نصيب الحركة الشعبية من السلطة والثروة، أو ان يزيد من أنصبتها. ولكن خيبت نتيجة التعداد السكاني حساباتهم، فأختاروا طريقاً جديداً ضد اتفاقية نيفاشا التي رعوها، ليعلنوا تأييد الانفصال. إذا ترجمت نتيجة التعداد نيفاشياً، ذلك يقتضي تقليص نصيب الحركة الشعبية في السلطة والثروة. ذلك يعني ضمور الوزن السياسي للحركة الشعبية. ذلك يعني أن الحركة في واقع الأمر قد نالت أكثر مما تستحق في السلطة والثروة، في الأربع سنوات التي أعقبت توقيع الاتفاقية . واستطابت الحركة الشعبية الابتزاز لتنال بنقض نصوص الاتفاقية ما لم تنله بالحرب، أو ما لم تنله بالاتفاقية. لذلك رضت الحركة الشعبية نتيجة التعداد الخامس. لكن المؤتمر الوطني لحسابات سياسية صمت عن مراجعة أنصبة الحركة الشعبية في السلطة والثروة، وفقاً لنتيجة التعداد. تلك المراجعة تنص عليها اتفاقية نيفاشا. لكن الحركة الشعبية ظلت تتمادي في نقض نصوص نيفاشا حيث انتهكت اتفاقية نيفاشا. في (أبيي). لأن الاتفاقية نصت على أن حدود الجنوب والشمال هي حدود 1/ يناير 1956م. ذلك يعني أن حدود كردفان غرباً وشرقاً وجنوباً تضع كل (أبيي) في الشمال. كما تضع في الشمال (الميرم) و (هجليج) النفطية. ثم أعلنت الحركة الشعبية الرفض، عندما ثبت تحكيم لاهاي حدود كردفان غرباً وشرقاً مع الجنوب ومنح الحركة الشعبية جزء من أبيي (مساحة 9 ألف ميل). علماً بأن (أبيي) كلها جزء من الشمال حسب حدود 1/ يناير 1956م ، وحسب ما تقتضيه نصوص نيفاشا. رفضت الحركة الشعبية تحكيم لاهاي واختارت حشد القوات والأسلحة لتنتزع كل (أبيي) بقوة السلاح وتفرض الأمر الواقع. ثم قبل الاستفتاء أعلنت الحركة الشعبية قرارها بالانفصال. وذلك ضد نصوص اتفاقية نيفاشا. ثم رفضت الحركة الشعبية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، مما يمنحها الذرائع لاستئناف الحرب الأهلية في شمال السودان في جبهات عديدة في ولايات كردفان ودارفور والنيل الأبيض والنيل الأزرق. مسلسل ابتزازات الحركة الشعبية ومسلسل الانتهاكات المنتظمة لنصوص اتفاقية نيفاشا، تجعل من اشتعال الحرب الأهلية في جبهات واسعة أمراً كيداً قادماً. بهدف استئناف الحرب الأهلية استغلت الحركة الشعبية اتفاقية نيفاشا باعتبارها مجرد هدنة. ذلك ما تفيده قراءة المشهد السياسي. الحركة الشعبية استعدت لتلك الحرب خلال خمسة أعوام هي عمر المرحلة الانتقالية. استعدت بترسانة ضخمة من الأسلحة، ودعم أمريكي غير محدود.