تذبذب العلاقات بين السودان ودولة الجنوب الوليدة خلف كثير من التفاعلات الإستراتيجية ذات الأبعاد الاقتصادية بين البلدين «الإنتباهة» جلست للواء الدكتور عادل عبد العزيز مدير خدمات المستثمر بمفوضية الاستثمار والخبير الاقتصادي الإستراتيجي لقراءة أبعاد القضايا العالقة بين السودان والجنوب وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والأمنية، ومن ثم التطرق إلى مستقبل الاستثمار في السودان وأبعاده ومعيقاته والحلول التي وُضعت لما علِق به من شوائب مؤخراً.. كذلك أنجع الطرق لتعويض خروج البترول من الموازنة العامة بانفصال الجنوب ومناقشة العديد من القضايا الأخرى التي تصب حول السعي لتعزيز الشراكات الاقتصادية بين السودان والدول المجاورة.. حوار: رباب علي تصوير: متوكل البجاوي الحكومة طرحت برنامج الإنقاذ الاقتصادي.. هل يعد بديلاً للبرنامج الثلاثي أم أن طرحه إشارة لفشل الخطة الثلاثية؟ البرنامج الثلاثي للاستقرار الاقتصادي تم طرحه في العام 2011م بواسطة وزير المالية والاقتصاد الوطني بعد التفاهم مع محافظ البنك المركزي وهذا البرنامج له سياسات محددة يجب إنفاذها خلال هذا العام، وبنهاية العام 2013م يُتوقع أن يعود الاقتصاد السوداني بنسب نمو قُدّرت ب «5 6%»، والبرنامج يركز على أربع سلع رئيسة والتي تُوجب العمل على إحلال الواردات بالنسبة وهي القمح والسكر والزيوت النباتية والأدوية، كما يتحدث البرنامج حول أربع سلع رئيسة يجب زيادة الإنتاج فيها لتحقيق صادرات مقدرة وهي المعادن «بما فيها الذهب والبترول» والثروة الحيوانية والقطن والصمغ العربي، وتم توجيه النهضة الزراعية ووزارة الصناعة للوفاء بالمتطلبات اللازمة لإحلال الواردات وزيادة الصادرات ويدعم البرنامج بنك السودان بتوفير النقد الأجنبي للسلع الرئيسة منعًا لحدوث أي خلل، وهي الملامح الرئيسة للبرنامج الثلاثي للاستقرار الاقتصادي والذي تم تصميمه لمواجهة الوضع الاقتصادي الناجم عن توقف عائدات البترول بسبب انفصال الجنوب.. وزير العدل كشف عن مجموعة من المسؤولين يبتزون المستثمرين.. ألا ترى أن ذلك يقدح في سمعة السودان الاستثمارية؟ الإشارة هنا ليست لموظفي دولة أو مسؤولين بل لبعض الأشخاص الموجودين في المجال الاستثماري وهم عبارة عن أشخاص يتلقفون المستثمرين ويقنعونهم أن الإجراءات في أجهزة الدولة لا يمكن أن تتم إلا«بواسطة» وهذا حديث غير صحيح، والآن في مفوضية الاستثمار التابعة لولاية الخرطوم هناك نظام للنافذة الواحدة تُمكّن المستثمر من مباشرة كل إجراءاته الاستثمارية دون الحاجة إلى أي معاون أو صديق أو شخص يساعده فيها، وحقيقة هناك بعض الأشخاص تخصصوا في هذه المسألة ولديهم اتصالات حتى بالخارج بالدول العربية وغيرها، ونحن ندعو المستثمرين وخاصة الأجانب للاتجاه إلى أجهزة الدولة الرسمية مباشرة لاستكمال إجراءاتهم الاستثمارية.. مقاطعة.. إذن ما هي الإجراءات التي اتخذتها المفوضية لحماية هؤلاء المستثمرين؟ المفوضية دورها تبسيط الإجراءات إلى أقصى درجة ممكنة، وحاولنا القيام بعمل تفرقة ما بين المستثمر الجاد والأشخاص الذين يأتون لمآرب أخرى وأصدرنا بطاقة المستثمر والتي تُعرّفه عندما يُبرزها في الكاونتر أو أي من المكاتب ويتم التعامل معه على أنه مستثمر جاد ويبحث عن مصالحه من خلال اتباع الإجراءات بصورة سليمة، أما الأشخاص غير الحاملين لبطاقة المستثمر لا يتم التعامل معهم وهناك بالطبع أدوار أخرى للأجهزة الأمنية نحن غير مسؤولين عنها ولكنها منتبهة لهذا الأمر وتعمل على إبعاد مثل هؤلاء الأشخاص من المرافق التي يرتادها المستثمرون.. هناك اتهام بأن أي مستثمر إن لم يكن مدعوماً من مسؤول نافذ لا تمر معاملاته ولا يتم الترحيب به؟ بالطبع الحديث حول الإجراءات الاستثمارية بها مشكلات ووساطات لها تأثير سالب على الاستثمار لذا نؤكد أنه لا توجد في الأجهزة الرسمية الاستثمارية أي وساطات والجهات المختصة على استعداد لاستقبال المستثمرين وتوضيح الإجراءات وهي مبسطة وتتم بسهولة.. يرى البعض أن القوانين معيقة للعمل الاستثماري في السودان.. كيف تقرأ ذلك؟ الاستثمار في السودان بدأت قوانينه التي تُسهل الإجراءات الاستثمارية منذ ستينيات القرن الماضي وظلت تتطور، والآن في انتظار قانون جديد للاستثمار والمناطق الحرة للعام 2012م وأبرز ملامح القانون تسهيل الإجراءات على المستويين القومي والولائي بتطبيق مفهوم النافذة الواحدة وتوفير ضمانات للمستثمرين وإعفاءات مقدرة وتبسيط مسألة حيازة المستثمر للأراضي لتنفيذ استثماراته وتوجد نصوص واضحة جداً لولاية أجهزة الاستثمار على الأراضي المخصصة للاستثمار بحيث يمكن تخصيصها للمستثمرين وفقاً لأسس علمية واضحة ونتوقع إجازة القانون الجديد من مجلس الوزراء والمجلس الوطني ليحدث تطورًا كبيرًا جداً في مجال الاستثمار كما نتوقع وصول استثمارات جديدة أجنبية ومحلية تمكن من توسيع الاقتصاد وتشغيل القطاعات الاقتصادية غير النشطة في الوقت الحالي. انضمام السودان لمنظمة ألهيبك لم يستفد منها وما زالت ديونه الخارجية عصاة تأديبية يرفعها المجتمع الدولي متى شاء.. فهل هناك جهود بُذلت في السياق وإلى أي مدى يمكن نجاحها؟ ديون السودان الخارجية تجاوزت الآن 30 مليار دولار وهي في غالبها فوائد ديون فأصل الدين لا يتجاوز ال 13 مليار وهناك 17 مليار فوائد ديون أو عقوبات، والديون ليست على أمريكا وإنما على عدد كبير من دول العالم والسودان ملتزم تجاهها بهذه المديونيات.. رغم أنه من الدول التي تستحق الإعفاء من الديون بالمؤشرات الاقتصادية التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية، ولكن إمضاء هذه الإعفاءات من الديون كان يتوقف دائماً لدى عقبة الرفض الأمريكي بإدعاءات المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان ومنح الإقليم الجنوبي استقلاله والآن وبعد إقرار اتفاقية السلام ومنح الجنوب الاستقلال ما زالت بعض الدوائر في الولاياتالمتحدة تبحث عن أسباب لمنع استفادة السودان من إعفاء الديون وفي تقديري على السودان الاستمرار في جهوده نحو إقناع المجتمع الدولي والدوائر الأمريكية باستحقاقه لإعفاء الديون.. تعزيز الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية وبحث فرص الاستثمار بين السودان ودول الجوار.. هل من ترتيبات؟ السودان في محيطه الإقليمي يحتاج لمزيد من الشراكات الإستراتيجية، والأوضاع الآن في اتجاه دولة إثيوبيا وإريتريا وصلت مرحلة معقولة من التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، وفي الشمال مع دولة مصر خصوصاً بعد الثورة المصرية تسير من حسُن إلى أحسن حيث انفتحت الأسواق المصرية أمام صادرات اللحوم والمواشي السودانية، والعلاقات مع ليبيا من المتوقع أن تنمو وبصورة كبيرة جداً في الفترة القادمة بعد التغيير الكبير الذي حدث فيها، أما دولة تشاد فهي جيدة والحدود مفتوحة والتعاون الاقتصادي يتم بصورة معقولة ولكن يُنتظر أن يحدث تطوير كبير بمد الطرق وتنفيذ خط السكة الحديد القاري من السودان إلى السنغال عبر دول الغرب الإفريقي والذي يمر بدولة تشاد، أما دولة الجنوب فكما أسلفت يحتاج إلى إقرار المسألة الأمنية والاتفاق على الملفات المختلفة وبعدها يمكن أن يكون هناك تعاون إستراتيجي ما بين الدولتين.