قرأت إعلاناً في هذه الصحيفة عن القمة الإثيوبية للاستثمار وكيف أن إثيوبيا أصبحت قبلة للاستثمار الأوروبي والعربي والإفريقي، وكيف أن هذا التوجه سيجعل من إثيوبيا بين «2012 2015م» ثالث أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، حيث تمت مضاعفة الناتج المحلي لثماني سنوات متتالية وذلك بسبب التوسع في الزراعة والصناعة، وقد لازم هذا التوسع أيضاً توسع في مجال الطاقة والصناعة والنقل والبنيات التحتية والصناعات الزراعية. وتجتذب إثيوبيا المستثمر بالمغريات بالإعفاء الضريبي لفترة تمتد لسبعة أعوام وبالإعفاء الجمركي الكامل لكل الآليات ومدخلات الإنتاج، كما أنها تيسر قروضاً بنكية تصل «70%» من إجمالي الاستثمار بدون ضمان، هذا إضافة لإعفاء ضريبي كامل للصادر.. وتطرح إثيوبيا أحد عشر مليون هكتار للزراعة والاستثمار الزراعي.. هذا باختصار ما ورد في الإعلان عن تلك القمة في الصحف السودانية والتي سيتحدث فيها الرئيس زيناوي والوزراء المختصون إلى جانب مديري الشركات العاملة.. وما استرعى انتباهي أن النظام الحاكم في إثيوبيا قام على أكتاف السودان وله الفضل الأكبر في إرساء قواعد ذلك النظام، وقد استطاع هذا النظام أن يدير بلدًا تنعكس فيه تناقضات الاثنيات التي تشكل إثيوبيا بتعداد سكاني فاق الثمانين مليون نسمة.. وقد فشلنا نحن في السودان حتى في الحفاظ على وحدة التراب، وجمع من تجمعهم عوامل الدين واللغة والثقافة في بوتقة واحدة رغم أن سكان السودان الآن لا يزيد عن ثلث التعداد في إثيوبيا.. إثيوبيا تطرح ملايين الأفدنة للاستثمار الزراعي بينما في السودان يتوقف أكبر مشروع زراعي في إفريقيا وبدأ العمل فيه منذ أكثر من ثمانين عاماً.. طبعاً ستستخدم إثيوبيا مياه النيل التي تعبر بلادنا بدون حتى تأشيرة تزانزيت دون أن نستفيد منها، ولكم ناديت حتى بُح صوتي بالتعاون الاقتصادي مع دول الجوار وخاصة إثيوبيا والتي تولد فيها طاقة كهربائية ضخمة يمكن الاستفادة منها في الزراعة والنقل في السودان، وإنشاء خطة السكة الحديد إلى إثيوبيا التي لا تملك مخرجاً بحرياً والخط الحديدي في السودان يقف على مرمى حجر من إثيوبيا!! ولكن هذا المرفق العام تم تدميره في السودان وقد كنتُ أحلم بأن يكون هذا المرفق الذي نعرفه بالسكة الحديد أداة ربط اقتصادي واجتماعي وثقافي وحتى سياسي، والارتباط بإثيوبيا ودول الجوار الأخرى يجب أن يكون اقتصادياً خاصة تلك الدول التي لا تملك إطلالة على البحر.. غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي وهي من أكثر مناطق إفريقيا توتراً يشكل الحل السياسي فيها دوراً ثانوياً ويمكن حل لقضايا تلك المناطق في العامل الاقتصادي، وحتى لا أبدو مبالغاً في التحليل أبرر قولي هذا بجيوش اللاجئين من إثيوبيا وإريتريا وتشاد وإفريقيا الوسطى والكنغو ويوغندة التي لا تجد سوى السودان مأوى لها، طلبًا للعيش والرزق!! والسودان بموقعه المتوسط للمناطق الثلاث التي ذكرت يمكن أن يقوم بدور الرابط الاقتصادي والذي يمكنه إنهاء تلك التوترات داخل أي دولة وفي الإقليم عامة، فالزراعة والنقل يعنيان العمل الذي يبحث عنه مواطنو الإقليم يغنيه عن التمرد وعمليات السلب والنهب التي عادة ما يفرضها العوز والمجاعة التي تعاني منها المناطق التي تحيط بالسودان.. غرب إفريقيا، البحيرات، والقرن الإفريقي.. وهذه التوترات والنزاعات التي تندلع في تلك المناطق يتأثر بها السودان لتداخل القبائل بينه وبينها، وحلول كل القضايا في هذه المناطق تتمثل في الحل الاقتصادي الإقليمي لا الحل العسكري في كل من هذه البلدان على حده.. وقد فطنت أوربا لهذه الحقيقة بعد سلسلة من الحروب الإقليمية والعالمية واتجهت نحو الحل الاقتصادي، الأمر الذي أبعد عنها شبح الحرب في كل القارة الأوروبية.. وإفريقيا تلك القارة البكر الغنية بالموارد تم نقل الخلافات إليها من أوروبا وابتدعت القوى الاستعمارية نهجاً جديداً لصراعاتها لتتعامل في ما بينها ولكن الدم الذي سيل هو الدم الإفريقي، فها هي مالي بعد جنوب السودان يريدون اقتطاع مساحة من ليبيا والجزائر وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو لإقامة دولة الطوارق في قلب الصحراء الكبرى!! وقد استولى الطوارق على مساحة كبيرة من مالي، وهم فيما بينهم مختلفون تتجاذبهم رغم عقيدتهم الإسلامية الطوائف الدينية المتنافرة ما بين سلفيين وقاعدة وليبراليين، ورغم ذلك تعاقدت فرنسا وألمانيا مع الطائفة التي تحتل مناطق اليورانيوم لتأمين استثماراتها هناك.. ونعود لمنطقتنا والحلول الاقتصادية التي يمكن أن تنتشلها من السقوط وتقلل من أطماع الآخرين فيها، كل العالم يدرك حقيقة علمية إلا تلك الأنظمة التي حكمت وتحكم السودان الآن وهذه الحقيقة أن هناك بلدين في العالم يملكان من المواد ما لا يملك بقية العالم وهما روسيا والسودان ولا عجب؛ فالذهب يُجمع بطريقة غاية في البدائية بما يقدر بمئات الأطنان، هذا خلاف البلاتين والماس وغيرها من المعادن النفيسة وهذه الثروات لا يمكن إخراجها بالأماني بل بسياسة اقتصادية واعية تدرك ما تقرر وما تفعل وأهم تلك الثروات الأرض التي لا تموت وتعطي كل عام أُكلها، والاقتصاد يقوم في السودان على عمودين الزراعة والنقل وهذان انهارا بسبب سوء الإدارة وقصر النظر وهذا فساد لا يحتاج مني لوقفة فمن أراد أن يستوثق فدونه المشروعات الزراعية جميعها بما فيها سكر النيل الأبيض الذي أُغلق يوم افتتاحه ودونه السكة الحديد التي أصحبت أثراً بعد عين.. نصيب السودان من مياه النيل سيقل بعد زراعة «11» مليون فدان في إثيوبيا فأين مشروعاتنا الزراعية التي سنحاجج بها العالم لتوفير المياه لها حسب قانون توزيع مياه الأنهار الدولية الذي وضع في هلسنكي؟! كل هذا تم بسبب إهمال أصحاب العلم والمعرفة الذين يخططون بالعلم لتجد السياسة الطريق ممهداً، وليس كما يدور الآن حيث يخطط عطالى السياسة للعلم وتأتي النتيجة الحتمية.. الخبال!!