استخلص الدكتور غازي صلاح الدين في مقاله القيِّم والخطير الذي نشرته ثلاث صحف سودانية أمس من بينها هذه الصحيفة، من قرار الاتحاد الإفريقي حيال ما يحدث بين السودان وجنوب السودان والتحركات الدولية لنسج مؤامرة جديدة على بلادنا، استخلص رؤية جامعة تصلح خطة عمل عاجلة ينبغي أن تكون هي هم الدولة والحكومة الشاغل، وتشرع في تفكيك هذه الرؤية للدكتور غازي وإعداد تفصيلاتها والتحرك الفوري لدرء الخطر الذي يدهم السودان، إذ تضيق حلقات المؤامرة ويحكمها أصحابها من القريب في جوارنا والبعيد الذي يترصدنا. ومثلما لم يعسر على د. غازي الذي خبر أساليب «المجتمع الدولي» أن يرسم خريطة دقيقة لما يخطط للسودان، فإنه لم يعسر كذلك على كل من قرأ المقالة الذي أطلقت صافرات إنذار قوية وقرعت أجراس التنبيه، أن يبصر بعينين فاحصتين في الخطر الماحق المحدق ببلادنا والشجر الذي يسير.. خاصة أن قرار الاتحاد الإفريقي الأخير حول النزاع بين السودان ودولة جنوب السودان، أسفر بما لا يدع مجالاً للشك عن أن خيوط المؤامرة الجديدة قد أخصبت بيضها داخل محيطنا القاري، وتتهيأ هذه المنظمة الإقليمية المسلوبة الإرادة، لأن تضع حملها بعد ثلاثة أشهر، ولن يكون السودان بعدها كما كان وكما نعرف. ولذا فإن ما كتبه د. غازي وهو يطرق أبواب العقول بقوة، يستحق أن يتداول حوله الناس وأن تؤخذ الأفكار الواردة فيه، خاصة أنه ركز على أن خطة العمل لمجابهة ومواجهة هذا المنعطف الحرج الذي سيقرر مصير السودان كما ذكر، هي تحدٍ قومي يتجاوز الحدود والفواصل الفكرية والحزبية والسياسية، وليست هماً يقتصر على فئة أو قبيلة أو حزب أو حكومة، وعلى الحكومة وقيادة الدولة وهي تلم بتفاصيل وأبعاد ما يُحاك ضد السودان، أن تطلق مبادرة وطنية لجمع الصف وتوحيد السودانيين وإحياء روح الوحدة الوطنية وإذكاء نارها، وجعل الاصطفاف الوطني الذي عناه غازي واقعاً يتغذى من صلابة الموقف الوطني وتوحد الإرادة السياسية لدى كل الشعب. وغير ذي بال، أن تنصرف الحكومة إلى غير هذا الموضوع والهم الكبير، فكل شيء يهون في سبيل هذه المواجهة السياسية والقانونية والدبلوماسية، وحسن تدبير الدريئة العسكرية لكل ما يهدد البلاد ويتهدد وجودها وأمنها واستقرارها، وليس لدى الحكومة وقيادة الدولة غير الاستهداء بصوابية الأفكار والآراء التي وردت في مقالة الدكتور غازي، واستلال الحلول من بين سطورها، واستهلال حملة سياسية ودبلوماسية لرفض ما جاء في قرار الاتحاد الإفريقي، وإجهاض محاولات شرعنة تدخل مجلس الأمن الدولي في الشأن السوداني، وفرض تصورات دولية عليه كلها تناصر دولة الجنوب وتسعى لتهديد وجود السودان بوصفه دولة، وتعمل على إنهاء الحكم الحالي، وتغيير تركيبة السودان وهويته الثقافية، وسلخه من انتمائه الحضاري بصفته بلداً مسلماً ثقافته المركزية الغالبة هي الثقافة العربية. نحن في مرحلة دقيقة بالفعل تتكالب علينا فيها القوى الدولية والإقليمية، وتستنسر علينا بغاث الطير ويستأسد علينا كل جروٍ وخنزير، فالأولى أن تبدأ الحكومة نفسها بالتغيير في طريقة تعاملها مع هذه القضايا، ولتكن أكثر جديةً في توحيد شعبها وأكثر قوةً في التعبير عن مواقفها ورفضها، فإذا أسندت ظهرها للشعب السوداني وخاطبت وجدانه الوطني النقي كما حدث عقب تحرير هجليج، وأخذت بالنقاط والأفكار التي أجملها د. غازي، ووضعت الرجل المناسب في المكان المناسب، وألجمت الكثير من أصوات التخذيل، وأخذت كل من يعبث بأمن وسلامة البلاد، وضربت بيد من حديد كل مفسد، فإنها تستطيع أن تواجه وهي مطمئنة هوج الرياح التي تواجه البلاد... أليس من الأجدر دراسة مقالة غازي بدلاً من الغرق في شبر ماء.