في ظل الثورات التي انتظمت الوطن العربي، هنالك آثار اقتصادية كانت انعكاساً لتلك الثورات.. فعلى سبيل المثال بالنسبة لمصر تأثرت السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمارات، وهي موارد مهمة لتلك الدولة الشقيقة، وبالنسبة لليبيا تأثرت كل مفاصل الاقتصاد الوطني وأهمها النفط، وتأثرت تونس بمختلف قطاعاتها من جراء الفترة الانتقالية التي ما زالت الأمور فيها غير مستقرة، وهكذا بقية الأقطار العربية التي ما زالت الأمور فيها لم تحسم بعد مثل اليمن وسوريا والبحرين.. وإذا كانت للثورات وجهها الإيجابي إلا أن التحدي الأكبر أمام تلك «الثورات» هو كيف تعالج الأوضاع الاقتصادية في ظل عدم استقرار سياسي وفي ظل الحاجة إلى وقت طويل حتى يعاد ترتيب مختلف المؤسسات. ففي مصر أصبح هنالك رأي حول الخصخصة وتم اتخاذ قرارات بالتراجع عنها وتأثرت البورصة والقطاع المصرفي والعملة وتأثر الإنتاج والإنتاجية في ظل مطالب فئوية عديدة، وفي ليبيا تم تدمير الكثير من المنشآت النفطية وغير النفطية والبنايات، وهي تحتاج إلى إعادة بناء، كما أن نظرية القذافي في بناء الدولة كانت سبباً في غياب المؤسسية وغياب الهيكلة الصحيحة للدولة الحديثة وفق ما هو متعارف عليه في العالم، ومن هنا فإن الثورتين في مصر وليبيا بحاجة إلى أن تختط كل منهما نهجاً اقتصادياً جديداً يراعي ظروف البلاد وحاجاتها في المرحلة الراهنة ورغبة الجماهير في تحسين أوضاعها المعيشية. ففي مصر كانت الضغوط الاقتصادية سبباً من أسباب الثورة، والشعب المصري يتوق إلى تحسين أوضاعه المعيشية، فكيف يمكن أن يلبي الوضع الجديد تلك المطالب؟ إن مصر بلد مزدحم بالسكان والأراضي الزراعية محدودة، والنشاط الصناعي بحاجة إلى تطوير حتى يلعب دوراً مهماً في الدخل القومي، وقطاع السياحة والمغتربين والاستثمار بحاجة إلى تطمينات حتى يستقر أداؤه.. أما في ليبيا فإن «الثوار» بحاجة إلى الانطلاق من الواقع للوصول بالجماهير الليبية إلى وضع معيشي أفضل وهذا هو التحدي الذي أمامهم. إن «الثوار» في البلدان التي سيطروا فيها على الحكم في الوطن العربي بحاجة إلى «فكر اقتصادي علمي حيوي متقدم» وإلى «قدرات تخطيطية عالية» لاستخدام الموارد المتاحة بشكل خلاق لإعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس متينة تستجيب لطموحات الجماهير في تحسين أوضاعها المعيشية، وإلا فإن بلدانهم لن تشهد استقراراً لفترة طويلة.