استبانت خيوط تقاطع تداعيات الانفصال على الأرض لا من قبيل التوقعات والتكهنات بل من واقع الحال على كل الأصعدة فقد بات انفصال الجنوب حقيقة ماثلة في حياة الناس فكل ما كان منتظرا بات اليوم واقعا لا جدال فيه ولم يبق أمام الجميع بد سوى التعاطي مع تداعيات الانفصال على كل الأصعدة التي في مقدمتها الجانب الاقتصادي الذي ظل يشكل هاجسا للجميع يخشى كثير من الخبراء أن تؤتى دولة الشمال من قبل بوابته لجهة ارتباط كثير من الموارد وتشاركها بين الشمال والجنوب على رأسها مورد النفط الذي يلعب دورا رئيسا وأساسيا في اقتصادي الدولتين حيث يبلغ جملة إنتاجه قبل الانفصال حوالي 470 ألف برميل في اليوم منها ما يعادل 27% ينتج بالشمال أي ما يقدر بحوالي (115120) ألف برميل يوميا وال 37% المتبقية من مجموع الإنتاج الفعلي للنفط يفقد السودان الشمالي نصفها أي ما يعادل 36.5% من مجموع إنتاج النفط الحالي الأمر الذي يشكل تحديا كبير لحكومة الشمال لسد نقص إيراداته وتلافي تاعياته. * تدابير المالية : تقول وزارة المالية والاقتصاد الوطني إنها تبنت حزمة تدابير وإجراءات لتخفيف حدة الآثار السالبة لانفصال الجنوب على الاقتصاد الكلي بالبلاد وفق برنامج إسعافي يستمر لمدة ثلاث سنوات وقال وزير المالية علي محمود إن وزارته وأذرعها وضعت تحسبات لدرء انفصال الجنوب حال وقوعه منذ السنة الماضية دون البوح بها التزاما بالدستور ونصوص اتفاقية السلام الداعية لدعم الوحدة الجاذبة وأقر بتأثير الانفصال على الموازنة العامة وميزان المدفوعات جراء فقدان عائدات نفط الجنوب التي قدرها ب36.5 % من حجم نصيب النفط الكلي ما يفقد الخزينة العامة جزءا مقدرا من النقد الأجنبي علاوة على تأثر قطاعات الإنتاج الحقيقي التي أكثرها تأثرا القطاع الصناعي وأكد الاستمرار في سياسة التقشف وخفض الانفاق الحكومي مع إعادة هيكل بناء أجهزة الدولة مع زيادة الإيرادات بالتوسع الافقي في تحصيل الضرائب والجمارك والاستفادة من إيجار البنيات التحتية للنفط من أنابيب ومصفاة وميناء بجانب العمل على رفع نسبة مساهمة الصادرات غير النفطية في ميزان المدفوعات بعد تحقيق الإكتفاء الذاتي لا سيما من السلع الاستراتيجية وتعظيم مساهمة عائدات المغتربين والعمل على إحلال الصادرات للواردات وتحسين مستوى دخل الفرد عبر خفض معدلات التضخم عبر زيادة الإنتاج وتفعيل برامج الدعم الاجتماعي للأسر ولفت إلى إمكانية الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي المنشود وتخطي آثار الانفصال حال تطبيق الوصفة الاقتصادية المتبعة دون خلل، وأوضح أن البلاد تمر بمرحلة مفصلية تحتاج لجهد لعبورها وأنها لن تكون نهاية المطاف للاقتصاد السوداني الذي تجاوز مثيلاتها في أوقات سابقة. * الوضع الراهن لم توان وزارة المالية في إعلان أنها منذ بواكير العام الحالي 2011 بدأت في تطبيق حزمة من الإجراءات اللازمة لاستعادة التوازن الاقتصادي والنقدي والمالي توطئة لمواجهة التحديات كافة الداخلية والخارجية المتوقعة عقب الانفصال حيث عملت على تخفيض بند شراء السلع والخدمات للوحدات الحكومية بنسبة 30% بجانب خفض سفر الدستوريين والتنفيذيين وموظفي الدولة بالنسبة ذاتها بجانب خفض مخصصات الدستوريين بنسبة 25% مع خفض ميزانية البعثات الدبلوماسية حيث أوضح محمود أن خفض مخصصات الدستوريين وفر للخزينة العامة ما يوازي مرتبات ومخصصات 20 وزيرا مع عملها على زيادة الإيرادات القومية عبر فرض رسم تركيز على المواد البترولية وسلعة السكر بجانب تفعيل تحصيل الرسوم المصلحية. تحديات الانفصال على الخط لخصت المالية أثرالانفصال على المالية العامة في انخفاض الايرادات الداخلة للخزينة العامة للدولة غير أنها أوضحت اتخاذها لجملة تدابير وصفتها بالحصيفة قوامها زيادة الجهد الضريبي عبر توسيع المظلة الضريبية دون اللجوء لزيادة رأسية في الضرائب للجم أثر الانفصال على المالية العامة. مخاوف تلف بالقطاع الخارجي: تقول وزارة المالية إن خروج نفط الجنوب سيخفض موارد النقد الأجنبي المتدفقة على البلاد ما يؤثر على ميزان المدفوعات غير أن الموارد المتوقعة من تدفقات مبيعات الذهب وزيادة الصادرات غير النفطية والعائدات المتوقعة من إيجار البنيات التحتية لصناعة النفط «أنابيب مصفاة ميناء» ستعمل على تخفيف حدة آثار فقدان نفط الجنوب بجانب . العبرة بالتنفيذ : يقول البروفيسور عصام بوب إن انفصال الجنوب سيرمي بظلاله على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير ان أخطرها وأكثرها تأثرا وتأثيرا القطاع لا سيما في مجال تناقص الموارد والإيرادات الذي تحسبت له المالية باتباع حمية تقشفية جيدة من حيث النظرية بيد أنه يرى أن العبرة بالتنفيذ والقدرة على إنزالها إلى أرض الواقع حيث إن الموازنة بنيت على التقشف في الصرف الحكومي الذي كان يشكل بعبعا وخطرا عظيما على إيرادات الموازنات السابقة وإن نجحت المالية في تنفيذ سياستها التي أعلنتها فإنها حتما ستوفر للخزانة العامة مبالغ كبيرة كانت تصرف بواسطة الحكومة دون أن يكون لها اثر يذكر في دفع عجلة الإنتاج وتحقيق غايات البلاد والعباد ودعا بوب الى أن تبدأ المالية بإعمال سياسة التقشف التي تبنتها بقمة الهرم الحكومي بتقليص الهياكل والأجسام الحكومية بحيث تكون الحكومة صغيرة العدد عاجلة التنفيذ بجانب تقليص المناصب الدستورية والانفاق عليها، وتخوف بوب من أن تكون الدعوة مجرد شعارات لا تجد طريقها للتنفيذ والنزول بها إلى أرض الواقع وأن يستمر الصرف من بنود الموازنة بنفس النمط في السابق وأن يكون تقليل الإنفاق غير واضح فتضطر الدولة لفرض ضرائب جديدة رغم أنفها ما يزيد العبء على عاتق المواطن، وقال: لابد من البدء بإعادة هيكلة الجهاز التنفيذي بصورة حقيقية بعيدا عن سياسة تدوير المناصب بين أهل الحظوة وأضاف أن تنفيذ أي موازنة على أرض الواقع لا يتم إلا بالجهاز التنفيذي وأن أساس تنفيذ الأرقام والالتزام بها هو المتابعة لأجل هذا يرى بوب أن يكون المبدأ الأساس لتنفيذ ومتابعة بنود الموازنة مركزيتها. النفط على الخط يقول الدكتور محمد الناير إن الطاقة التشغيلية الدنيا لمصفاة الخرطوم بالجيلي 100 ألف برميل في اليوم وأن ما ينتجه الشمال في حدود (115120) ألف برميل غير أن كمية المشتقات الناتجة عن تصفيتها وتكريرها لا تكفي حاجة البلاد لا سيما في جانب مشتق الجازولين الأمر الذي اعتبره مدعاة لاستمرار جهود الاستكشافات في الشمال لا سيما أن الدراسات دخول حقل بليلة مطلع العام المقبل بطاقة إنتاجية تقدر بحوالي 20 ألف برميل يوميا وكذا حقل الراوات جنوبي كوستي مطلع العام 2012 أيضا بطاقة إنتاج 60 ألف برميل يوميا علاوة على استمرار الاستكشافات في كل من شمال السودان ودارفور والجزيرة والبحر الأحمر التي من المؤمل أن تدخل دائرة الإنتاج في بعد العام 2013 الأمر الذي يقلل من فاقد إيرادات نفط الجنوب وحصته في رفد الخزينة العامة وتوقع الناير أنه في حال اتفاق الشمال والجنوب على تصدير نفط الجنوب عبر الشمال فإن ذلك سيوفر للشمال ما يقدر بحوالي (80100) ألف برميل يوميا أو ما يعادل قيمتها بالعملة الحرة تبعا للاتفاق المبرم بين الطرفين وأضاف أنه في حال الاتفاق على أي من البندين فإنه لن يكون هناك فاقد يذكر جراء انفصال الجنوب . التقشف الحكومي ضروري ويرى الناير أنه لابد من وجود سياسة قوية لترشيد الانفاق الحكومي لا سيما على صعيد الوزارات السيادية حيث تعود الناس على تخفيض الإنفاق في الوزارات الخدمية (صحة وتعليم) وإطلاق المقود للوزارات ذات الطابع السيادي وقال يجب أن يطال خفض الإنفاق مؤسسة الرئاسة والدستوريين وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية شريطة ألا يمس التخفيض الصرف على مشاريع التنمية وتلك التي توفر فرص العمل للطاقات العاطلة وقال لا مانع في تعطيل وتجميد كثير من البنود بعد فحصها بصورة دقيقة (السفر الخارجي - الكرنفالات - الاحتفالات - المعارض) وأن يتم التركيز على الصرف الإنتاجي و تفعيل وتسريع وتيرة العمل في دفع عجلة إنتاج حقول النفط بالشمال لتغطية النقص في الإيرادات الذي ينجم عن انسحاب عائدات نفط الجنوب حال انفصاله وأضاف لابد من التركيز على استخراج نفط الشمال لأنه لا بديل للنفط غير النفط لجهة أن تميز عائداته بانخفاض التكلفة ما يسهل عملية استغلالها في المشاريع التنموية المختلفة. وطالب الناير بالتوسع في التعدين الأهلي وليس العشوائي عن الذهب بالإضافة لخفض الواردات دون التأثير على حركة الاقتصاد مع طرح المزيد من المحفزات والمشجعات للمستثمرين الأجانب بجانب تفعيل وتنشيط حركة السياحة بالبلاد . زيادة الاستثمار واجب يقول الدكتور عبد العظيم المهل إن من أكبر الترياقات اللازمة لتلافي صدمة انفصال الجنوب عن الشمال بعد اتباع سياسة التقشف والتوسع في زيادة الصادرات والعمل على تخفيض الواردات يتوجب على الحكومة الالتفات بشكل رئيس لجذب مزيد من الاستثمارات وخطب ود رؤوس الأموال الأجنبية لا سيما العربية منها شريطة توفير الاستقرار الأمني ووضوح خارطة وخطة الاستثمار بالبلاد مع بسط مزيد من الحوافز والمشجعات على الصعيد الاتحادي والولائي والمحلي والعكوف على تذليل كل الصعاب التي تعترض الاستثمارات المحلية والأجنبية تبعا لما يقدمه المشروع ومدى مساهمته في دفع عجلة الإنتاج البلاد وإحلال الواردات مع ضرورة التركيز على الاستثمارات في القطاع الصناعي يليه الزراعي ومن ثم الخدمي نسبة لقدرة القطاع الصناعي على تحريك القطاعات الأخرى بجانب اتساعه لاجتذاب أيد عاملة كثيرة تسهم في تخفيف حدة الفقر وتقليل نسبة العطالة بالبلاد . *خارطة الخروج من نفق الانفصال تقول المالية إنها تعمل وسعها وتبذل جهدها للمحافظة على استقرار الأحوال المعيشية للمواطنين والعمل على المحافظة على النمو الاقتصادي واستقرار سعر الصرف والسيطرة على معدلات التضخم واستعادة التوازن بين الإيرادات والمصروفات والصادرات والواردات والعرض والطلب مع محاصرة عوامل تدني مستوى معيشة القطاعات الضعيفة ومحاربة الفقر وإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة ومحاصرة العجز الكلي والتركيز على مشروعات التنمية التي تقود لإحلال الواردات وزيادة الصادرات وتوفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه شرب وكهرباء وخلافه وتفعيل القطاعات الإنتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة». تأثير على جميع الانشطة : ويتحدث الدكتورحسن بشير عن تأثر الشمال اقتصادياً بفقدان ايرادات النفط عقب انفصال الجنوب والتي تمثل 50% من إجمالي الايرادات العامة في ما تستحوذ الصادرات البترولية على 95% من صادرات البلاد. ويعتبر بشير»أن هذا التأثير سيطال جميع الأنشطة الاقتصادية والذي بدأ قبل الانفصال فعلياً من خلال العديد من المظاهر» متوقفا عند تغيير شركات التأمين لنظامها بزيادة قيمة خدماتها ما بين 10-20 %. وينبه الدكتور من»تأثير فقدان الإيرادات البترولية بعد انفصال الجنوب على الإنفاق العام والذي يعد الرافعة الرئيسة للحراك الاقتصادي في البلاد، نظراً لاعتماده بشكل كبير على القطاع الحكومي» ويضيف «الاعتماد على الانفاق الحكومي يشمل حتى القطاع الخاص. إضافة إلى تراجع الانفاق العام سيتم زيادة الضرائب والرسوم وهو ما سيضر بعملية الانتاج نظراً لارتفاع التكلفة، وستكون هناك انعكاسات على الصعيد النقدي وسعر الصرف ووجود تضخم وتراجع في الاحتياطات». لكنه شدد على «أن العودة للحرب مجدداً ستفضي للقضاء على الأخضر واليابس مما سيؤدي لتحول الحياة لجحيم حقيقي. ويقول أن هناك العديد من المشروعات التي يمكن الاستثمار فيها على رأسها المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي التي يمكن أن تحقق موارد كبيرة سيما في ظل الأزمة العالمية وارتفاع اسعار الغذاء، أو ثروات الأشجار والغابات التي تعتبر بمثابة ثروة قائمة بذاتها والتي تجني منها دول كأندونيسيا وروسيا سنوياً ملايين الدولارات. الحصول على منح ومعونات : وكشف الدكتور عن امكانية حصول الجنوب على منح ومعونات مقابل رهن البترول الموجود فيه، مبيناً أن ذلك ممكن نظرياً واستدل هنا بقيام مستثمرين بشراء اسهم لاحدى الشركات رهاناً على مستقبلها، بجانب تجربة سابقة حينما قام المواطنون المقيمون في اوروبا بشراء أراضي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب اكتشافها وحازوا عليها ثم استفادوا منها مستقبلاً بعد اكتشاف الموارد والبترول فيها وقال: ولذلك فمثل هذا الاستثمار موجود. معاناة تمتد لخمس سنوات : أشار لتوفر الموارد بالجنوب وتمتعه بالأراضي الخصبة ووجود ثروات طبيعية والموارد الزراعية والمياه والتي ستجلعه قادراً على تحويلها لاستثمارات مستقبلية، بجانب وجود تعبئة بالدول الغربية تدعو لمساندة الجنوب باعتباره دولة مسيحية ناشئة، هذا بخلاف الأموال التي تمتلكها المنظمات والتي يمكنها جمعها وتوظيفها في الجنوب بالاضافة للطموح الإسرائيلي في المنطقة. وشدد بشير على عدم امكانية وجود اقتصاد مزدهر في ظل استمرار الحرب واضاف الاستقرار شرط أساسي للتنمية الاقتصادية ولا يمكن الفكاك بين ثنائية (الاستقرار- التنمية) حيث لا توجد تنمية بلا استقرار والعكس كذلك صحيح». وطالب بانتهاج الرشد بعدم اللجوء لخيار الحرب سيما أن الشمال سيعاني اقتصادياً لفترة تتراوح ما بين 35 سنوات جراء التداعيات الاقتصادية وأردف: «ولكن الدخول في الحرب سيؤدي لاستنزاف الموارد.