لا شك أن العلاقات الأسرية هي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض .. بذرتها، تبدأ بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب، وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين. وهي أشبه بأوراق الشجرة الممتدة التي يستظل بها الجميع، وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كانت الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها لأنها أساس البنيان الاجتماعي.. ولكنه في الآونة الأخيرة أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغمض أعيننا عنها، إذ أن أي خلل في البنيان الأسري لن تقع تبعاته السيئة على فرد واحد من الأسرة، بل على كل الأطراف المعنية التي تضمها مظلة العلاقات الأسرية... كان ل«البيت الكبير» إسهامه عندما طرح هذا الموضوع على البعض لمعرفة جوانبه: * بدأ عبد الرحمن «محاضر جامعي» رأيه فقال: أسباب التفكك الأسري بشكل مجمل هو بعد أفراد الأسرة الواحدة بعضهم عن بعض ويمكننا تقسيم التفكك إلى قسمين مباشر وهو التفكك المحسوس إما بالطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو خلافهما، والثاني هو غير المباشر وهو خاص بالأسر التي تجتمع تحت سقف واحد حيث يكمن فيهم التفكك المعنوي إضافة إلى أنه هنالك عوامل كثيرة تؤدي إلى التفكك خصوصاً مع مواكبة الأزمان وتغير مفهوم الأُسرة على الوجه الصحيح.. من هذه العوامل قلة الثقافة التي يتمتع بها الأبوان فيما يخُص كيفية إقامة أُسر ناجحة في بنائها وتقويمها والقيام على أمورها.. * وتقول شادية «محامية» إن أسباب التفكك الأسري كثيرة منها إنشغال الأب عن أُسرته بأي حجج كانت.. إما العمل وعدم التفرغ .. أو يُبدي بشكل غير مباشر رغبته في انتشال نفسه من مسؤولية الأُسرة.. وقد يكون موجوداً في نفس الحيز الذي تشغله أُسرته لكنه ينحني لينشغل في متابعة أحوال الأسهم وشاشات الإنترنت ناسياً أو متناسياً واجبه ك «رب أُسرة» حيال أُسرته ولكني لا أُلقي باللوم الكامل على الأب .. ف«الأم» تُشكل عاملاً مُهماً في بناء تلك اللبِنة و قد تكون هي أيضاً ممن لا يُعيرون أي اهتمام لمملكتها.. فنراها تنهمك في الحياة دون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه أُسرتها. بالإضافة إلى فقدان الأبوين معًا أيضًا يتسبب في نشوء أُسرة قاصرة في معناها المُتكامل.. كما أن للفوارق الشاسعة في السِن وطبيعة البيئة ومراحل التعليم والجوانب الثقافية أثرها الواضح في التأثير بين الزوجين مما يؤثر سلباً على كيان الأُسرة مهددًا لها بالانهيار. * وعن العواقب الناتجة من التفكك الأسري يبدي مدثر «مهندس» وجهة نظره فيقول: التفكك يؤدي إلى ضعف الرقابة الأُسرية التي تُعتبر من أهم أنواع الرقابة الاجتماعية.. فإن غاب جانب المتابعة والنقد والتوجيه أصبح من السهل على أفراد الأُسرة الانحراف واتباع طُرق غير سوية وأخص بالذكر هُنا الأبناء الذين يلجأون إلى السلوك السيء. أما فيما يتعلق صغار السن من الأطفال، فأمرهم موكول إلى الخادمة ويشاركها أحياناً السائق مما يؤثر ذلك عليهم فينشأون على أعراف غير مُعتادة ويتأثرون سلباً بأفكار وديانة من تولي أمرهم فينشأون تنسئة خاطئة مما يؤثر سلبًا على حياتهم في المستقبل. * في الخاتمة تحدث إبراهيم الاختصاصي الاجتماعي عن كيفية العلاج عبر كبسولة إرشادية فقال: يكمن علاج هذه الظاهرة التي باتت تُهدد المجتمع واستقراره بالآتي: أولاً يجب تقويم الأفراد ابتداءً من الوالدين وانتهاءً بالأبناء وذلك من خلال غرس المعنى الحقيقي للأُسرة في نفوس النشء إذ يُحتم على كلا الوالدين أن يقوم بخطوات ملموسة لإنجاح أُسرهم وتفادي الخلل الذي حل وذلك عن طريق عقد الجلسات العائلية والسعي لرسم خطوط غير مكتوبة تخدم الأُسرة إيجاباً لأن ذلك له دور كبير في استمرار هذا البناء على أكمل وجه ولا بأس من تكرار تلك المراجعات بين الحين والآخر حتى يتسنى لكل فرد من الأُسرة تذكر ما له وما عليه بالإضافة إلى التخلي عن المكابرة وإلقاء اللوم على الطرف الآخر من قبل الأبوين، فهذا يُعتبر إخلاء مسؤولية بطريقة غير مباشرة .. أيضًا يأتي دور الأبناء في تدارك العواقب الوخيمة لهذا التفكك مثلاً على الأبناء أن يبقوا بشكل متوازن مع أُسرهم ويُبدوا لهم أنهم أعضاء فيها ومسؤولون عنها بشكل ثانوي كما يجب عليهم المبادرة بتحمل المسؤولية من أبويهم.