ظلت وزارة المالية الاتحادية تتجنَّب اللجوء لطريق إعادة مراجعة موازنة العام «2012م» لا سيما بعد الجدل الكبير الذي دار من خلال إجازتها داخل قبة البرلمان، حيث ظلت تستبعد باستمرار هذا الاتجاه لتتوالى الأحداث عكس ما رمت إليه الوزارة ولعل السبب الرئيس الذي أدى لدخول المالية نفق إعادة مراجعتها في ربعها الأول كحدث لم يسبق حدوثه من قبل أحداث هجليج وما صاحبها من وقف ضخ وإنتاج البترول الذي قاد بدوره لوضع فرض نفسه من مصروفات إضافية نتيجة للأوضاع الأمنية في الحدود مع دولة الجنوب بوصفه أهم التحدِّيات التي تواجه الموازنة، ولعل من أبرزها الفاقد الإيرادي الناتج من عدم تحصيل رسوم العبور لنفط دولة الجنوب وقدره «6900» مليون جنيه، بجانب استمرار دعم المحروقات بقيمة «490» مليون جنيه مع استمرار الحصار الاقتصادي المفروض خارجيًا على السودان في وقت انتعشت فيه بعض البنود كارتفاع نسبة الإيرادات الضريبية بصورة فاقت الربط المتوقع بنسبة بلغت «109%» بجانب ارتفاع صادرات الذهب بنسبة «138%» في ظل ارتفاع معدل التضخم إلى «21%» مقارنة ب « 16%» للعام الماضي بجانب تضخم العجز في ميزان المدفوعات إلى «285» مليون دولار وارتفاع نسبة الفجوة في سعر العملة الوطنية بين السوق المنظم والسوق الموازي إلى «55%» بيد أن هذه التحديات قادت مراقبين للوضع الاقتصادي إلى نقد سياسة وزارة المالية التي اعتمدت منذ البداية على رسوم عبور نفط الجنوب ووصفتها بالخطأ وعابوا على المالية عدم التحسب للأوضاع لا سيما أن حكومة الجنوب لم تفِ منذ بدء الانفصال بسداد الرسوم بجانب سوء إدارة الموارد الأمر الذي انعكس سلبًا على الإنتاج وشددوا على ضرورة زيادة الرسوم الجمركية لمعالجة فاقد الإيرادات بجانب مراجعة القائمة السوداء من السلع المحظورة. الخبير الاقتصادي حسن ساتي وصف قرار إعادة مراجعة الموازنة بالصائب، معللاً ذلك بعدم تحقيق أهدافها بصورتها الأولى، مشيرًا إلى أن بند الإيرادات المتوقعة لم يتحقق، حيث يوجد بند رسوم عبور النفط الجنوب الذي قدر له في الموازنة ب «6» مليارات ونصف جنيه وكذلك عجز الحكومة عن الحصول على قروض أجنبية المقدر له خمسة مليارات ونصف دولار الأمر الذي يقود إلى انخفاض الإيرادات إلى ما لا يقل عن «8» مليارات جنيه مقابل مصروفات جارية مقدرة ب «32» مليار جنيه في حال إضافة سداد القروض أي أنها لا تغطي نسبة «50%» من المصروفات ووصف الوضع بالسيء محذرًا من توقف الصرف على التنمية مما يهدد مسيرة البرنامج الاقتصادي الثلاثي الذي تنتهجه الدولة لإنقاذ الاقتصاد مما يقود لانهيار الاقتصاد السوداني بمعدل «10%» في ظل عدم وجود المعالجات واستمرار وتيرة الحروب بين الحركات المسلحة التي تقود لارتفاع ميزانية الدفاع بصورة كبيرة وشدد على ضرورة معالجة الميزانية ومراجعتها وقطع بعدم وجود نتيجة ملموسة في حال حدث ذلك، وعزا الأمر لكونها تصبح رمزية وليست لها قيمة حقيقية في دفع الميزانية لمعالجة الوضع الاقتصادي الراهن، مشيرًا لعجز الدولة عن تخفيض المصروفات الجارية لاستمرار حالة الحرب منوها إلى ضرورة الإصلاح السياسي الذي يُبنى عليه النمو الاقتصادي لا سيما أن الوضع يشهد ترهلاً كبيرًا في كيفية الإدارة الاقتصادية.