الحزبية شر .. وشر مستطير .. والحزبية ذمها القرآن ونفّر منها.. وقبحها.. وكرهها إلى أهل الإيمان ولكنه رغم ذلك ترك بصيصًا و«رقراقًا» يدخل منه نزر من النزر.. وذلك شيء صنعه لأهل الإيمان عندما يحاصرهم أهل الفسوق والمروق.. ويرونهم يتحزبون ويتعصبون .. ويتناحرون .. وذلك عندما يكون النظام الحزبي رغم أنه مذموم في حوالى عشرين موضعًا في كتاب الله هو النظام الذي تنبني عليه الحياة السياسية .. فقد أباح لأهل الإيمان التنظيم السياسي وفق الهدى القرآني المحكم. وكان خلاصة القول والحكم في هذه القضية أن كل حزب ليس للرحمن فهو للشيطان. وحزب الله وحزب الرحمن هو الحزب الوحيد الذي لا يحتاج إلى تصديق ولا إلى تسجيل.. ولا يحتاج إلى سجل عضوية ولا إلى مؤتمر تأسيسي.. ونظامه الاساسي خالد وباق.. وهياكله شامخة وثابتة وراسخة.. والآن في السودان أكثر من ثمانين حزباً.. ولا أدري ولو كان فيها حزب خالص لله وحزب خالص للرحمن لكانا اندمجا وتوحدا وانصهرا. ولقد لقيت الأخ محمود عبد الجبار قبل الإعلان الصادر في «الإنتباهة» بالأمس والذي يدعو إلى تأسيس «حزب اتحاد قوى الأمة» ونصحته ألا يفكر في تأسيس حزب جديد لأن الساحة لا تحتمل أي تنظيم جديد.. وهي ملأى.. بل مكتظة بالاسماء لا بالمسميات. وكان الأخ محمود عبد الجبار قد صدر منه من قبل تصريح أثار حفيظة العدد الجم من الإسلاميين ومن دعاة الدستور الإسلامي عندما صرح بأن الظرف الآن ليس مناسباً للدعوة إلى دستور إسلامي بل الحاجة ملحة إلى الوحدة.. وأرجو ألا أكون قد ظلمته في النقل.. وهذا رأيي بين الخطل.. وبين الخطأ وأظهر خطورة هذا القول عندما تنظر إلى البيان الصادر في صحيفة «الإنتباهة» والذي يدعو فيه الحزب الجديد إلى مؤتمره التأسيسي مقدمًا نفسه إلى الجماهير موضحاً أهدافه وغاياته ومبادئه وتطلعاته فإذا بها تأتي متسقة تماماً مع رؤية محمود عبد الجبار محرك معركة الدستور الإسلامي والتي تقول إن الدستور الإسلامي لا يمثل مطلباً عاجلاً في هذ الظرف ولعل المطلع على الأسباب التي يقول الحزب إنها كافية لأن ينضم لأجلها الناس إلى الحزب يدرك تماماً لماذا لا يستطيع حزب اتحاد قوى الأمة إن يسمي نفسه حزب الله أو حزب الرحمن فقد قال إعلانه قبل البسملة التي لم تظهر قط في الإعلان:- انضم إلى الحزب من أجل: { بناء مجتمع التعاون والإخاء وقيم الفضيلة ومكارم الأخلاق. { العمل على الفصل بين السلطات وتعزيز استقلالية القضاء. { تمكن الآن من اختيار جميع سلطاتها دون إكراه أو إغراء. { من أجل بناء جيش سوداني قومي وطني محترف بعيداً عن الولاءات الحزبية والقبلية أمام الطامعين في النيل من سيادته. { العمل على قومية الخدمة المدنية وترقية الخدمات وتسهيل الإجراءات وتقديم أهل الكفاءة والخبرة على أهل الولاء. { من أجل إعادة مشروع الجزيرة إلى سيرته الأولى ومراجعة كل السياسات التي أدت إلى تراجعه وتدهوره. هذا هو كل هم الحزب الوليد الناشئ وهو الذي دفعه إلى خوض غمار هذا البحر اللجي. ويختم محمود عبد الجبار قبل البسملة وقبل أن يذكر في البيان آية واحدة من كتاب الله مما يعني أن وجدانه فارغ تماماً من أمر الله «أقصد وجدان الحزب لا وجدان رئيس هيئة التأسيس» وإلا لكان حمل في طيات المقال آية أو آيتين أو حديثاً واحداً ولو من أجل التبرك. أما الحزب الآخر فهو حزب سجل في القرآن فهو لا يحتاج إلى تسجيل جديد.. ولكن قضت الحالة والظروف أن الأمور محكومة ببعض الشكليات. أما الحزب الجديد فقد لقيني مؤسسه قبل سنوات واستشارني في تأسيس حزب الرحمن ولم أستطع أن آمره بشيء إلا أن يتوكل على الله وينطلق إلى ما أراد ببركة الله وبعون منه وأن يتذكر أن الحزبية هي وضع شاذ لمعالجة وضع شاذ». بل كل الحركات الإسلامية تدخل في حالة الشذوذ هذه، وبيانه يستهله بالبسملة ثم حمد الله ثم الصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم يقول في تعريف الحزب وأهدافه وأفكاره. قمنا بتسجيل حزب سياسي في مجلس الأحزاب سمّيناه «حزب الرحمن» رمز ه وشعاره لا إله إلا الله محمد رسول الله ومرجعيته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وعلى هدى المذاهب الأربعة الذين اجتمعت أكثر الأمة الإسلامية عليهم. ثم انظر إلى الفرق بينه وبين سابقه.. يقول بيان حزب الرحمن: ويكون أعضاؤه ملتزمين حقًا بشرع الله اسمًا وقولاً وفعلاً وعملاً وقدوة والتزاماً وتطبيقاً كاملاً.. قلت إن البيان يحرص على تعداد أنواع الالتزام هذه وكأنه لا يريد أن يترك ثغرة لآخر في عدم الالتزام أو في الطعن على حزب الرحمن في التزامه. ويسهب البيان في تأكيد هذا الالتزام فينفي القبلية والعنصرية والجهوية والعمل فيه كله لله رب العالمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة. ليس ذلك فحسب بل إن الأمر فيه بيع وشراء لله سبحانه وتعالى بيع النفس والمال «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة». يورد البيان هذه الآية حتى لا يكون هناك غبش ولا دغمسة ولا انبطاح. إن كثيراً من الأحزاب التي تنتسب إلى الإسلام تفقد وقارها ويطيش حلمها عندما تذكر الديمقراطية أو المرأة أو الغناء والموسيقا.. فتذكر أصلاً أو أصولاً غير الكتاب والسنة. بل إن بعض الأحزاب الإسلامية المتشددة.. والإسلام وسطي وضد التشدد.. تخلط بين وحدة السودان شمال وجنوب وبين وحدة الأمة الإسلامية ولا ترى في الانفصال ما تراه الوسطية الإسلامية في أنه ضرورة لإقرار إسلامية السودان المحضة الخالصة وانه يبطل حجة المدغمسين والمعارضين للدستور الإسلامي أمثال محمود عبد الجبار والعلمانيين. قدمت هذين الانموذجين لاخلص منهما إلى رؤية.. وإلى إيضاح بعض المعاني والمصطلحات.. ومن أهم هذه المعاني والمصطلحات الوحدة الأمة الحزب حزب الله حزب الرحمن. فأنا مثلاً عضو في حزب منبر السلام العادل وأنا أكره أن أقول حزب منبر السلام العادل بل أفضل منبر السلام العادل أو تنظيم منبر السلام العادل.. ولأننا أكرهنا إكراهاً على تسجيله ومن منكم ينكر دلالة السلام العادل.. وأنا إسلامي وأنا سلفي بالرغم من أنني لست عضواً ملتزماً في جماعة سلفية.. ولكنني مستعد لأن أقاتل من حاول أن يسلبني صفة السلفية.. ولا أنفي بل ولا أقبل أن ينفي أحد عضويتي في حزب الله وحزب الرحمن المسجلين في كتاب الله وليس في مجلس تسجيل الأحزاب. «أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون» وحزب الله هو حزب الرحمن لأن الرحمن اسم للذات الإلهية منقلب عن صفة وهو أكثر الصفات دلالة على الذات بعد اسم الجلالة ويقوم مقام اسم الذات كما ورد في كثير من الآيات.. فإذا أراد محمود عبد الجبار أن يسجل حزباً قلنا له لا تفعل وإذا إراد أحد أن يسجل حزب الله أو حزب الرحمن قلنا له على بركة الله فالحزب أصلاً مسجل.. وكلنا أعضاء فيه، وعسى ان يأتي يوم نحل فيه جميع الأحزاب المسجلة لدى مسجل الأحزاب ولا يبقى إلا حزب الله وحزب الرحمن.. عسى..