كثيرة هي الروايات التي تؤكد قدم وعمق علاقات المجتمع الكسلاوي بدولة إريتريا وليس ذلك بحكم التقارب المكاني والحدود المشتركة فحسب، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير ولعل الناظر إلى المجتمع الكسلاوي يجد أثر التداخل والتقارب في مختلف المناحي، كما يُروى أن بعض القبائل كانت وحتى عهدٍ قريب لا تدفن موتاها إلا بقرية مجاورة داخل الأراضي الإريترية وذلك تيمّنًا منهم بصلاح شيخ تلك القرية ولعل التشابك القائم بين جل قبائل شرق السودان وتداخل أراضيهم أوجد لهم مصالح مشتركة اقتصادية واجتماعية تبرز معالمها في العديد من أوجه الحياة فضلاً عن علاقات المصاهرة القائمة أصلاً الأمر الذي خلق نسيجًا متفرِّدًا للمجتمع الكسلاوي، وحين نقول المجتمع الكسلاوي نقصد بذلك كافة المكونات القبلية الساكنة بولاية كسلا بل والولايات الشرقية عمومًا فنجد أن الشارع العام بكسلا لا يخلو من مشهد يدل على عمق أواصر التواصل بين الشعبين الإريتري والسوداني فتسمع الأغاني الإريترية منطلقة من أغلب المحلات التجارية ومحلات المرطبات والمركبات العامة ولا يقف حاجز اللغة عثرة للتجاوب والاستمتاع ولعل ذلك يعود في الأصل إلى أن الغناء الإريتري أغلبه تشكَّل من الوجدان السوداني الأصيل، فنجد أن رموز الغناء الإريتري كانوا أعضاءً فاعلين باتحاد الغناء والموسيقا بكسلا وتربطهم علاقات وشيجة برموز الفن السوداني كما هو ذات الأمر في دولة إريتريا، حيث نجد أن هنالك العديد من المحلات لا تبث إلا الغناء السوداني لروادها كما أن هنالك العديد من التعاملات الفنية بين الشعراء والفنانين أبرزها أعمال الشاعر الإريتري المبدع محمد مدني والذي يطرب الشعب السوداني بأعماله وروائعه التي تؤديها فرقة عقد الجلاد كما أن الأعمال التي يؤديها الفنان أخليلو برختي الإريتري المشهور والتي صاغ أغلب كلماتها الشاعر الكسلاوي أمين إسحق ولحنها الملحن الشاب ابن كسلا بيتر قرقوري المعروف ببيتر إحساس هذا في الجوانب الثقافية، أما عن الجانب الاجتماعي فنجد أن التواصل تعدى المصاهرة ووصل إلى الثقافات الغذائية، بالإضافة إلى بعض العادات والتقاليد الإريترية التي أصبحت تمارس في كثير من الممارسات فنجد أن العروس ترتدي لباسًا يُعرف ب (الزورئ) وهو زي شعبي إريتري معروف وأصبح متداولاً بين الكثير من حسان كسلا. التداخل والتماس لساكن ولاية كسلا جعل من الدولتين مساحة للتبادل التجاري الذي لم يشهد انقطاعًا رغم التقلبات السياسية وذلك لاستناده إلى خلفية اجتماعية وثقافية حتمت التواصل فما زال أغلب ساكني ولاية كسلا من القبائل الحدودية التي لم تعترف ولن تعترف بالحدود الوهمية التي أوجدها المستعمر ويعتبرون أن كلتا الدولتين امتدادًا طبيعيًا لهم فكانت كسلا وما زالت سوقًا لأغلب مواطني دولة إريتريا وكذلك الحال لمواطني كسلا ويشهد على ذلك سوق «هيكوتا» والحفائر بمنطقة أبو طلحة بمحلية ريفي غرب كسلا ومنطقة حمدايت وعواض وغيرها من المناطق الحدودية المتاخمة لدولة إريتريا، كما نجد «الخضر الواردة» من منطقة ساوا الإريترية والتي يزرعها مواطنو كسلا والذي يغطي أسواق المدينة الأمر الذي جعل سوق كسلا سوقًا يختلف عن باقي الأسواق السودانية ويتميَّز بالمعروضات الواردة من إريتريا كما هو الحال في أسواق بعض المدن الإريترية التي تعتمد بشكل أساسي على البضائع الكسلاوية وجاء الطريق القاري كسلا إريتريا والذي تم افتتاحه مؤخرًا ليدعم صلة لم تنقطع ويسهم في زيادة حجم التبادل التجاري مما يعود بالنفع على البلدين.