٭ إذا كان بعض الناس يستغلون حاجة البعض الماسة إلى الدولار وفي ظرف ندرته أو عدمه أحياناً في السوق «الرسمي» يعرضونه للمحتاجين جداً إليه في السوق الموازي وهو اسم الدلع للسوق الأسود، وربما جاء اسم الدلع هذا حتى لا ينخدش حياء الحكومة بعد «سياسة التحرير» التي اعتمدتها وهي ما ينبغي أن يذوب فيها السوق الأسود، وإلا فتكون سياسة فاشلة بالفعل أو جاءت بتصميم رديء، قلنا إذا كان بعض الناس يستغلون حاجة الناس للدولار لأغراض رحلات العلاج الخارجية مثلاً أو السفر من أجل «لقمة العيش».. أو زيارة الأهل والأقارب، ويتسببون في أن يقترب سعره من العشرة جنيهات، فإن هذا الاستغلال يمكن أن تهدمه الإشاعات الحميدة أو التي تحمل أجزاءً من الحقائق، فمثلاً حينما رشحت مؤخراً معلومات بأن هناك قرضًا قطريًا للسودان بملياري دولار فإن سعر الدولار تأثر إلى حد ما بذلك في السوق الأسود أو السوق الموازي لينخفض قليلاً. لكن تماسيح السوق الأسود يبدو أنهم اهتموا جداً بتكذيب هذه المعلومات فراحوا يقولون بأنها إشاعة ليس إلا، وبعد ذلك عاد ارتفاع سعر الدولار. لكن يبقى السؤال هو: أين الإشاعة المكذوبة.. هل هي في المعلومات عن الملياري دولار أم في المعلومات المعاكسة التي تقول بأن القرض القطري شائعة غير صحيحة؟!. ثم لماذا الحديث أصلاً عن قرض قطري بهذا المبلغ؟!. المهم في الأمر هو أن الحكومة مطالبة بمحاربة السوق الأسود الذي يسمى تدليلاً وتجميلاً وتحسيناً بالسوق الموازي، حتى لا يقال إن السوق الأسود عاد بعد أكثر من عشرين عاماً لثورة الإنقاذ الوطني وها هي الآن تجعل المواطن في حاجة إلى «إنقاذ اقتصادي» من خلال برنامج اقتصادي ذكي ينفذه خبراء ومسؤولون وموظفون لا ترتبط مصالحهم بسعر الدولار في السوق الموازي أو السوق الأسود. فالمشكلة ليست في وضع خطة ذكية تجعل سعر الصرف هو سعر الدولة الرسمي ما دام أن البلاد تعج بأهل الاقتصاد في الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وإنما المشكلة في وجود أشخاص لا علاقة لهم بالسوق الموازي من قريب أو بعيد ولا تربطهم صلات بتجار هذا السوق الأسود. أما عن قرض الملياري دولار الذي يمكن أن تقدمه قطر، فهو إن كان في مرحلة كونه مجرد فكرة لتجاوز أزمة النقد الأجنبي ليس من الصعب أن تنقل هذه الفكرة من النظرية إلى التطبيق نظراً إلى علاقات السودان بقطر واهتمام الأخيرة بأمن واستقرار واقتصاد السودان. فوزير المالية قال الأسبوع الماضي إنهم تحصلوا على عملات أجنبية برقم كبير جداً، وما دام أن التصريح قد أطلقه وزير المالية السيد علي محمود عبد الرسول، فهذا يعني أنه غير قابل للتكذيب من قبل تجار السوق الموازي، مثلما كانت المعلومات في مرحلة نشرها الأولى قابلة لذلك حينما قال البعض إنها معلومات غير صحيحة وهي مجرد شائعة. والسؤال لماذا الشائعة أصلاً؟!. إذا كانت من أجل ارتفاع العملة الوطنية مقابل هبوط سعر الدولار، فهذا يبقى شيئاً حميداً دافعه الإشفاق على المواطن المهدد حالياً بعودة السوق الأسود ليس للدولار فحسب بل لسلع أخرى مهمة جداً. وإذا لم يكن كذلك إذن فهي معلومات صحيحة. وتتأكد صحتها بعد تصريح وزير المالية حول حصول البلاد على عملات حرة برقم ضخم. لا بد من محاربة السوق الموازي بالذكاء السياسي وبتحميل مسؤولية محاربته لغير أهل الغرض، فالغرض مرض، وإذا فشلت هذه الحكومة في هذه المهمة فلن يتهمها أحد بالغباء وهذه هي المصيبة لو تفقهون.