في أبريل من العام 2004م أي قبل ثمانية أعوام من تاريخ اليوم أعلن منبر السلام العادل عن تنظيمه وعقد مؤتمراً صحفياً أصدر من خلاله أول بياناته الرسمية على الملأ.. لم تكن لديه وقتها صحيفة ولكن نُشر البيان من خلال عدة صحف كان من بينها صحيفة الوفاق. قصدت بإعادة نشر بعض ما جاء في البيان الأول أن أذكِّر الناس بما كان المنبر يقوله قبل ثمانية أعوام وقبل توقيع اتفاقية نيفاشا مع النظر لما يجري اليوم على الساحة السياسية. جاء في البيان الآتي: اجتمعت مجموعة من أبناء السودان المخلصين وعلى رأسهم د. بابكر عبد السلام «رئيس المنبر» ودكتور عبدالوهاب عثمان «نائب رئيس المنبر» والطيب مصطفى «الأمين العام» والعميد «م» عبد الرحمن فرح والدكتور محمد عبد الله الريح والفريق إبراهيم الرشيد ووكيل ناظر الهدندوة أحمد هباني وعمدة النافعاب وحسن دندش وعمدة السروراب وجميع مؤسسي المنبر «لا يتسع المجال للتفصيل» وأصدروا البيان التالي في المؤتمر الصحفي: جاء فيه بعد الديباجة وخلفية تاريخية عن مشكلة الجنوب الآتي: { لم تكن شعارات التمرد حينها عن انعدام التنمية أو الخدمات بل كانت تنادي صراحة بأننا لا نريد الشماليين «المندكرو» في بلدنا بعد أن نجح الاستعمار البريطاني في زرع الحقد في نفوس أبناء الجنوب من خلال سياسات معلومة تتجلى في قانون المناطق المقفولة لعام 1922م والذي أغلق الجنوب في وجه أبناء الشمال وفرض سياسات صارمة لاسئصال الثقافة العربية الإسلامية. وبسبب هذه الحرب اللعينة التي ظلت تستنزف عرق الشماليين ودماءهم ومواردهم ظل الوطن الجريح كله متخلفاً يفتقر للخدمات وللتنمية وأضاعت الحرب من عمره نصف قرن من الزمان، تجاوزته في ميدان التقدم معظم الدول المستعمرة والتي كانت أكثر تخلفاً منه طوال التاريخ. لقد ظل الشماليون يستمسكون بوحدة الوطن رغماً عن تخلف الجنوب الذي ظل عبئاً اقتصادياً عليهم كما تجاوزوا مرارات مجازر التطهير العرقي التي ارتُكبت في مناطق مختلفة من الجنوب فيما عُرف بتمرد توريت عام 1955م في حق التجار والموظفين الشماليين الذين ذهبوا لخدمة الجنوب وظل الشماليون يدفعون عصارة جهدهم في السلم للجنوب ودماءهم في زمن الحرب بينما ظل كثير من المتمردين يطالبون بالانفصال لدواعٍ عنصرية ويشوهون سمعة الشماليين بالتهم والإساءات الملفقة عن تجارة الرقيق والتطهير العرقي والاضطهاد الديني والفصل العنصري والظلم الاقتصادي حتى غدت صورة السودان أسوأ صورة لشعب في العالم. الآن تدخل قضية الجنوب منعطفاً خطيراً فلم تعد اليوم المشكلة هي مشكلة الجنوب التاريخية المعروفة بمشكلة الفدرالية أو الانفصال بمبرراته المزعومة ولكن المؤامرة اتسعت في عهد العولمة ونظامها الدولي الجديد وصراع الحضارات لتمتد إلى كافة أرجاء القطر، وقد رصدنا اهتمام إسرائيل ورغبتها في ضرب الأغلبية المسلمة في السودان وانتزاع السودان من محيطه العربي الإسلامي وتجريده من هُويته العربية الإسلامية كما حدث في بقية أقطار إفريقيا جنوب الصحراء من زنجبار إلى المحيط الأطلنطي ووجدت إسرائيل ضالتها في قيادات تحمل أفكاراً ورؤى مشابهة لمخططاتها مثل جون قرنق وأمثاله لتنفيذ المؤامرة علاوة على ذلك فإن الكنائس الأصولية المتطرفة المتحالفة مع إسرائيل في أمريكا ظلت تعمل لتحقيق ذات الأهداف مستعينة بالمؤسسات السياسية والرأس مالية الأمريكية في حربها على العالم الإسلامي عامة وعلى السودان بصفة خاصة. وهكذا تغيرت القضية من قضية الجنوب إلى قضية السيطرة على السودان وهُويته وأصبحت الوحدة تعني في أحلام جون قرنق ومحرضيه ومموليه السيطرة على الخرطوم وانتزاع السلطة والثروة خالصة له باعتباره زعيم الأغلبية الإفريقية. وتكمن المأساة الحقيقية في غفلة الحالمين بالسلام عبر مشروعات اتفاقيات السلام غير العادلة والذين ندعوهم لإعادة قراءة الاتفاقية الأخيرة وللتأمل في مفرداتها وتفاصيلها بكل ما تحمل من أخطار على أمن البلاد وسلامها الاجتماعي وكذلك التأمل في سجل قرنق التسلطي وفي أفعال حلفائه «إسرائيل وأمريكا وبريطانيا» في العراق وفلسطين وفي أطماع القوى الإقليمية التي تتحالف معه وتقدم له التسهيلات. فإن كانت هذه الاتفاقية ستسلم السودان لجون قرنق وللمخطط الإسرائيلي الصليبي الاستعماري الذي نرى أفعاله في فلسطين والعراق وأفغانستان فإننا ندعو اليوم لعدم التوقيع عليها.. وإن كان ذلك سيغضب أمريكا التي تبتزنا بتطبيق قانون سلام السودان أو محاكمة قياداتنا بتهم الإرهاب والتورط في جرائم الاغتيال السياسي حتى نوقع اتفاقاً يرضي اللوبي الصهيوني الصليبي في عام الانتخابات فالأفضل ألا نسعى أذلاء لهذا المصير وأن ندافع عن كرامتنا ومقدراتنا كما يفعل الفلسطينيون والعراقيون اليوم. لذلك كله فقد تداعت مجموعة من أبناء السودان الشمالي يمثلون شرق ووسط وغرب وشمال السودان ورأت أن تنتظم في كيان واحد وتواضعت على تسميته ب«منبر السلام العادل» ونود نحن أعضاء هذا المنبر أن نؤكد أننا دعاة سلام ونؤيد بدون تحفظ وقف الحرب إلى غير رجعة وبدون أن تطلق رصاصة واحدة بعد اليوم، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، كما ندعو إلى الوصول إلى اتفاقية سلام عادل يضمن للجميع حقوقهم المشروعة وقد ظللنا نراقب المفاوضات الجارية بين الحكومة وحركة قرنق ونقرأ ما يتسرب من أخبار ونقول إنه في ضوء الواقع الماثل في السودان الآن فإن هناك مستجدات كثيرة في الساحة السياسية مثل الحرب الأخيرة في دارفور وتململ العديد من القوى الجنوبية المعارضة لقرنق وقيام كيانات جهوية تنادي جميعها بتوزيع عادل للثروة والسلطة حتى لا يظلم المسالمون استجابة لضغوط وابتزاز حملة السلاح وحتى لا يغدو التمرد هو الوسيلة الأنجع للحصول على الحقوق الأمر الذي يحتم معالجة الأمور بصورة مختلفة تؤدي إلى طرح كل هذه المستجدات على طاولة موحدة للتفاوض وذلك حتى نحقق سلاماً عادلاً مستداماً لجميع أبناء الشعب السوداني. لذلك فإننا نطالب بشدة ونرفع الصوت عالياً بأن تعيد الحكومة السودانية النظر في إستراتيجيات التفاوض القائمة الآن وتباشر الأمر على أسس جديدة وفقاً لما يلي: أولاً: إشراك السودانيين كافة في تقرير مصير السودان باعتبار أن الاتفاقية التي تعتزم الحكومة توقيعها ستؤثر على كل أبناء السودان في الشمال والجنوب وذلك هو مقتضى دستور البلاد لعام 1998م والذي يقضي باستفتاء الشعب في كل المسائل الجوهرية. ثانياً: أن يتم الاستفتاء الشعبي حول مصير الجنوب دون تحديد فترة انتقالية طويلة وذلك يتسق مع طرح الحركة الشعبية التي طالبت بعامين فقط ونحن نرى أن عاماً واحداً كافٍ لترتيب الأوضاع الانتقالية قبل الاستفتاء وتقرير مصير البلاد باعتبار أنه كلما طالت الفترة الانتقالية تزايدت احتمالات فشل تطبيق الاتفاقية بالنظر إلى تعقيداتها ومخاطرها الأمنية على السلام الاجتماعي في البلاد عامة والعاصمة خاصة. ثالثاً: إدخال العناصر الجهوية الأخرى التي تشعر بالغبن الاجتماعي والسياسي كالغرب والشرق والشمال في التفاوض حتى يتم اقتسام السلطة والثروة على أسس عادلة. رابعاً: إدخال الأحزاب وقوى المجتمع المدني كالنقابات والاتحادات المهنية في عملية التفاوض حتى نضمن لأي اتفاق استمراريته بقوة العدل الشامل وليس بفرضه بقوة السلاح دون أن يكون للآخرين رأي فيه. خامساً: إشراك الدولة العربية خاصة الشقيقة مصر في معالجة القضية بدلاً من قصر الأمر على دول الإيقاد التي لا يريد بعضها خيراً للسودان وذلك بالنظر إلى ارتباط أمن مصر القومي بأمن السودان وإلى قوة العلاقات التاريخية والروابط الأزلية والمصالح والهوية المشتركة التي تصل بين شعبي وادي النيل. إننا في منبر السلام العادل نشعر بأن ظلماً فادحاًَ سيحيق بشمال السودان وأن مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر ينتظر أبناء الشمال جراء ما تم الاتفاق عليه حتى الآن الأمر الذي يدعونا إلى أن نطالب بعدم التوقيع على الاتفاقية بالنظر إلى النفق المظلم الذي ستُدخلنا فيه بما يهدِّد أمننا وسلامنا الاجتماعي وهُويتنا. ونقول إنه قد آن الأوان لنتكاتف جميعاً لنصحح الخطأ الاستعماري التاريخي الذي جعل من مشكلة الجنوب شوكة سامة ظلت ولا تزال تدمي خاصرة هذا الوطن العزيز. وبالله التوفيق { هذا كان البيان الأول لمنبر السلام العادل وهذا ما قلنا وتمسكنا به بقوة ولكن كان بالآذان وقر وبالقلوب غفلة.