الأكل مثل الملبس والأدب والأغاني والعلوم أي تجد أن الإنسان يفضّل بعضها على الآخر، ففي الملابس مثلاً تجد من يحبّذ الجلابية إما لأنه يحبها كزيٍّ قومي أو لإخفاء عيوب في معمار الجسد وذات الحُكم يسري على العباية النسائية ..فيما يخص الأغاني هناك أناس يحبون حميدة أبو عشر وعبد الحميد يوسف وعثمان حسين أيام كان ينطبق على الغناء قول الشاعر: إذا حضر الغناء فليس إلا * سكوت واستماع للمغني وقديماً قيل: أجود الغناء ما أطربك فألهاك أو أحزنك فأشجاك شفت الكلام كيف؟؟ أي ليس مثل المستحدث من الغناء الذي هو أقرب للولولة والنواح وبه بعض المفردات التي تُسقط المروءة «لو موجودة» وتزيل الحياء وتبدي العورة وتهيج الشهوة وبذا تنوب عن الخمر وللحقيقة يا جماعة لا تلوموا من يتغني بذلك أو يستمع إليه، فالأمر مرتبط بمعطيات كثيرة أفضت إلى ذلك!!!!وقع ليك؟ الأكل أيضاً أنواع وصنوف ولكل نوع حواريون، حتى في بيتك تجد أن الناس لا تتفق على طعام واحد، فهناك من يحب الكمونية وهناك من يتقيأ لرؤيتها وآخر «جنّو فسيخ» أو كوارع، أما من هم تحت العشرين، فهؤلاء يأكلون الجامبو المحشو بأشياء إن تُبدى لكم تسؤكم، وبالتأكيد من العسير إرضاء كل أهل البيت للظرف الاقتصادي الماثل. قال لي أحد زملاء الدراسة قبل زمن إن والده كان يحب العيش البايت وأغاني الحقيبة وركوب البنطون ولم يصب بأي مرض حتى مات !!!! كل هذه الخيارات تحكمك فيها البيئة التي حولك واستطاعتك كذلك إذ لا يعقل أن يطوف شخص ما بمطاعم العواصم فيأكل الجمبري وفطائر أهل الشام ولحوم كل ذوات الثدي والداجن من الطيور هذا خلاف الزواحف، وعلى ذلك يضعون المشهيات والمتبلات التي تجعل لعابك يسيل من على جانبي فمك مثل كلب عقور، ثم بعد كل هذا تختار «بوش» أو عدس أو المصيبتين معا!!! أفضل الأكلات عند العرب قديماً كانت الهريسة ورؤوس الضأن والماعز ..الهريسة هي لحم مقطّع مخلوط بالشعير أو التمر ثم يوضع في تنور يغلي من الليل حتى الصبح وفي ذلك قال ابن الرومي يصف الهريسة وأظنه كان جائعاً: هلم إلى من عُذبت طول ليلها * بأضيق حبس في وطيس مسعّر وقد ضربت حدين وهي بريئة * فقوموا إلى دفن الشهيدة تؤجروا في بادئ الأمر ظننت أن هذا الرجل يصف فتاة من منطقة «إدلب» في سوريا اختطفها الشبيحة وبعد الكشف على العذرية «الطالع موضة دا» قاموا بغليها حية انتقاماً منها لتصويرها إحدى التظاهرات.. أما النوع الثاني وهو الرؤوس فقد سئل أعرابي: هل تحب أكل الرؤوس؟ قال نعم ، أبخص عينيه وأقلع أذنيه وأفك لحييه وأشج شدقيه وأرمي بالعظام لمن هو أحوج مني!!! وقيل دُعي رجل شره أكول جهول إلى مائدة بها رؤوس فضرب فيها ضرب ولي السوء في مال اليتيم حتى غطى الدهن لحيته وعندما فرغ رفع يديه إلى السماء داعياً لأهل البيت الذين استضافوه و قال: أطعمكم الله من رؤوس أهل الجنة !!! دا زول يعزمو يا جماعة؟؟؟أما أكثر الأوصاف بلاغة في الرؤوس فقد قاله ابن الرومي أيضا «أنا ما عارف الزول دا مالو؟»: هام وأرغفة وضاء ضخمة * قد أخرجا من فاحم فوار كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا * مقرونة بوجوه أهل النار هذا لعمر أبيك وصف دقيق لرجل شره واسع الدراية بالأدب والأكل والدين وصاحب مهارة في التصوير بالكلمات... أما فيما يخص الجبن أي «الجبنة» فقد قال خالد بن صفوان لجاريته: أطعمينا جبنا، فإنه يشهي الطعام ويدبغ المعدة ويبعث على السرور، فقالت: ما عندنا جبن. فقال: ما عليك فإن الجبن يقدح الأسنان ويرفع الحموضة ويلين البطن وهو من طعام أهل الذمة.. فقال بعض الحضور: بأي القولين نأخذ؟ قال: بالأول إذا حضر وبالثاني إن لم يحضر!! النوع الأخير من أكل العرب هو الباذنجان وقد كان البعض يكرهه جدًا فقالوا لأحدهم: ما رأيك في الباذنجان؟ قال: لعنه الله، لونه كبطون العقارب وأذنابه كأذناب المحاجم وطعمه طعم الزقوم. فقيل له: إنه يُحشي باللحم ويقلي بالزيت فيكون طيباً، قال: لو حُشي بالتقوى و قلي بالمغفرة وطبخته الحور العين وحملته الملائكة ما كان إلا بغيضي!!!!!