مهما يكن من تلاحق الأحداث فإن نزاع أبيي هو «أس الصراع» فمنذ دخول جون قرنق حلبة الصراع في عام 1983م وهو يعلم علم اليقين بأن أبيي شمالية ولحاجته الماثلة للقوة المقاتلة لم يكن أمامه خيار إلا السعي وراء أبناء دينكا نقوك وتجنيدهم كقوة قتالية تُضم لصف الدينكا وعلى رأسهم أبناء دينج مجوك الذين يعتبرون صفوة تتبعهم بقية عشائر دينكا نقوك التسع أي مشيخيات دينكا نقوك وأبناء دينج مجوك الباحثين للسلطة وعلى رأسهم فرانسيس دينج مجوك والفريق فيانق دينج مجوك والمسؤول من قبائل التماس ودينج ألور ولوكا بيونج وآخرين.. إلا أن الأحداث لم تسر كما خطط لها جون قرنق حيث ضعف مد الحركة العسكري وتراجعت بصورة قضت عليها احداث توريت وانزوت الحركة «في New said» وصارت تكابد أسوأ حالات ضعفها أمام القوة العسكرية التي اكتسحت كل محطاتها العسكرية ومواقعها القتالية فلجأ جون قرنق إلى الغرب طالباً المساعدات العسكرية والسياسية واللوجستية وأقام المحاضرات في الولاياتالمتحدةالأمريكية واصفاً الإسلام بالأسود وأنه سوف يجتاح إفريقيا وربما يؤدي ذلك لانهيار المد المسيحي وبخاصة شرق إفريقيا .. ولابد من وجود تسوية عادلة تنتشل حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي بدأ نجمه في الانهيار والأفول.. وبمساعدة الولاياتالمتحدةالامريكية «بعثة القسيس جون دان فورث» واللوبي الإسرئيلي وفرانسيس دينج مجوك الذي يدير مفوضية النازحين العالمية الذي وضع مسودة اتفاقية نيفاشا بمساعدة الكنيسة الغربية، وهذه الاتفاقية هي التي انقذت حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان من الفناء والتمزق والتلاشي، وحسب الخطة صدر تقرير لجنة الخبراء «خبراء مفوضية حدود ابيي» في يوليو 2005م.. هذا التقرير افتقر للحيادية والموضوعية مما ادى الى تعقيد مشكلة ابيي وتأجيج النزاع العسكري بين سكان المنطقة.. وفي نفس الوقت رفض المسيرية التقرير باعتقادهم ان الخبراء كانوا يعملون لصالح دينكا نقوك حيث قاموا بتوسيع رقعة مساحة الأراضي التي يسكن فيها قبائل مشيخيات دينكا نقوك التسع الى مناطق ابعد منها بكثير عما كانت عليه في الأصل لتشمل مناطق قبائل المسيرية المعروفة منذ عام 1760م «مخطوطة الفكي علي» والتي ايدها dd.andrson وماك مايكل ويان كنسون وهي الميرم وهجليج وناما .. وعلى ضوء تقرير الخبراء الذي وُصف بأنه خرج عن إطار تكليفه .. تمسك دينكا نقوق بشدة بالتقرير وأصروا على ترسيم الحدود اي الحود المتنازع عليها حسب ماجاء في تقرير الخبراء. مما ادى الى الصدام المسلح بين المسيرية وجيش الحركة الشعبية المحرض الحقيقي لقبائل دينكا نقوك في الفترات من ديسمبر 2007م الى أبريل 2008م وهذا الصدام ادى الى تخريب مدينة ابيي ونزوح سكانها الي المدن الغربية من ابيي اياً كانت في الشمال او الجنوب ولما تفاقم الوضع على دينكا نقوك رأوا ضرورة إيجاد حلول لهذا النزاع وكان ذلك إبان حكومة الوحدة الوطنية.. ونجحوا في اعتماد خارطة طريق لعودة النازحين وتنفيذ برتكول أبيي في 8/6/2008م .. ركز تقرير مفوضية ابيي وتقرير الخبراء على مشكلة المنطقة المتنازع عليها فقط من رؤية احادية ومنظور ضيق وذلك بحصرها في حدود نزاع قبلي بين المسيرية ودينكا نقوك حول ملكية أراضي المنطقة مع عدم وضع الاعتبار للبعد الشامل والذي يتمثل في حقوق حكومة السودان صاحبة السيادة على كل الأراضي السودانية وهذا الخطأ الإسترايجي الذي وقع فيه مفاوض حكومة السودان في محادثات «سلام نيفاشا» حيث جعله مفاوض الحركة الشعبية القصبة التي قصمت ظهر البعير، وعلى ضوء هذه السانحة بنت عليها حكومة الجنوب بضم المنطقة الى أراضيها الإقليمية بعد أن تمكنت من تضمين حق تقرير المصير في الاتفاقية. لماذا عجلت الحركة برتكول ابيي ومنطقة النيل الأزرق؟ ان الصراع بين النوير والدينكا ومع استمراره قد يرجح كف النوير العدو اللدود للدينكا والسيطرة العسكرية على جنوب السودان بعد تقرير المصير. ووفقاً لمركز دراسات النوير في كلورادو في امريكا والذي استمر في اصدار المناشير للنوير في السودان على ابعادهم من اي حرب بين الدينكا والعرب وعدم المشاركة فيها. ان تعداد الدينكا اخذ في التناقص بسبب الحرب مما يتيح غلبة النوير في دخول اي انتخابات بعد تقرير المصير. فعلى النوير التزام الحياد في اي حرب يخوضها الدينكا ضد شمال السودان حتى يحافظوا على تعدادهم وتفوقهم. يرى الدينكا في ضرورة تبعيات مشيخيات دينكا نقوك لجنوب السودان فإنهم الكف المرجحة لجانب الدينكا اياً كانت في الانتخابات او في المواقف العسكرية. ترى حكومة الجنوب ان انضمام ابيي للحدود الجغرافية الجديدة وحسب خارطتها لدولتها الجديدة يتضح بالتالي دفع حجتها حول المناطق المتنازع عليها على طول خط «10%» شمالاً كما تبعد أبيي اي نزاع حول بحر الغزال وأعالي النيل اللتين لا تتبعان اصلاً لجنوب السودان «كمستعمرة بريطانية» فهما يتبعان للاستعمار الفرنسي «مجموعة السودان الفرنسي».