منذ أن صدر قرار الاتحاد الإفريقي باستئناف المفاوضات لوقف العدائيات بين السودان ودولة جنوب السودان التقط مجلس الأمن القفاز وأصدر قراره الأخير للدولتين لتنفيذ ما صدر في مدى حدده بثلاثة أشهر حفاظاً على السلم والأمن في المنطقة كما يدعي واضعاً الجاني والضحية في مرتبة واحدة.. ومن ثم تلا ذلك تحرك لجنة أمبيكي في جولات ماكوكية بين الخرطوموجوبا لاستعجاله المفاوضات ودون تحديد سقف واضح ومحدد ترتكز عليه هذه المفاوضات لا سيما الطرف الجنوبي الرافض للمفاوضات العادلة، وقد اعتدنا من الحركة التفاوض مع السودان وبما يحمله المصطلح السياسي الشامل Temporige تفاوض من أجل كسب الوقت في الساحة السودانية فالكل كان له رأيه وقراره: القيادة السياسية.. منظمات المجتمع المدني.. الدبلوماسية السودانية وحتى الشارع السوداني الرافض للتفاوض إلا بعد تحرير الأرض.. ولكن هنالك ما يتبادر إلى الذهن ماذا لو رفضت دولة الجنوب تلك المفاوضات وحتمًا ستفعل بطريقة أو أخرى.. وما هو موقف السودان عندئذٍ وهل يقبل التفاوض تحت ضغوط وأجندة مفروضة عليه.. نتمنى أن لا تكون الإجابة بنعم.. رغم أنها تبدو صادمة ومحزنة وربما تخلو من المنطق السليم.. منطق أن نتمسك بالدفاع عن أراضينا كحق مشروع بمنطق العودة والرجوع إلى الباطل مرة أخرى رغم أنه في قانون السياسة الدولية الأحادية من يتجرأ أن يقول إن المنطق السليم عليه أن يسود دائماً..؟ فالسودان لا يرفض التفاوض ولكنه ليس ذلك الذي يعيدنا إلى نيفاشا أخرى وقبل أن نحرر كامل أراضينا.. هكذا يكون المنطق الذي يجب أن يعيه ثامبو أمبيكي ولجنة حكمائه وأمثالهم من الوسطاء والمتواطئين على التفاوض وهي الرسالة الحاسمة التي خرجت من صوت هذا الشعب وإرادته القوية فما يهمنا من قضايا وطننا في الوقت الراهن شأن داخلي لا علاقة لمجلس الأمن أو لجنة أمبيكي به إلا بعد تحرير كامل الأرض ومن ثم يمكننا تقبل قرارات المجتمع الدولي وكل وسطاء العالم.. لقد ضحينا من أجل السلام بكل غال ونفيس وتحملنا كل المرارات ومعاناة شعبنا وقد وضح لنا جلياً أن السلام لن يأتي من بوابة الحركة الشعبية وهو ليس من اهتمامات قادة الجنوب.. إنه عالم اليوم الذي فرض نفسه على الجميع لنجد أنفسنا أمام خيارين إما تحرير الأرض من دنس الحركة أو مواجهة شبح الحصار الخانق لنخضع لتفاوض يحسب على كرامتنا وقراراتنا وإرادتنا بما يفسره المحللون بلعبة الكبار التي تقوم على إستراتيجيات حديثة لعبة المصالح الكبرى التي يحتار فيها كل من لا يملك خارطة القوى.. فالحركة الشعبية لا يهمها التفاوض وحسن الجوار بقدر ما يهمها أفرقة السودان وتحويله إلى دولة علمانية تخدم أغراض ومصالح الاتحاد الأوروبي والغرب مستخدمة ما يسمى بقطاع الشمال كمخلب قط في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور فضلاً عن أننا قد تعلمنا من الحركة أن كل اتفاقية أمنية توقع بين الطرفين لا تنفذ على أرض الواقع ولا يُكتب لها النجاح فسرعان ما يدب الخلاف وفق سيناريو مخطط ليحدث التراجع والنكوص والعدائيات.. إن ما يعرف بالنظام العالمي الجديد يهدف إلى أن يجعل من السودان أمة يريد لها الكبار أن لا تعشم أو تُستشار في صيغ وأسس قواعد السياسة الدولية لنظل أمة في معترك يضم الكبار والصغار على السواء ولنصبح مطالبين بالتعاطي والامتثال لذلك المعترك وفق صيغ تضمن تناسق وتوافق أداء سياستنا الخارجية مع رغبات وموجهات ذلك النظام الدولي.. وتلك هي المعادلة التي أفرزت لنا متواطئين ومنبطحين وحمائم وبالمثل سياسة خارجية رغم مرونتها إلا أنها تتأرجح بين دفتيها لتحيل تارة نحواً وتارة نحواً آخر.. فالسودان فرضت عليه تعقيداته الداخلية وأزماته المفتعلة محاولات الخروج ليتخطى تلك الفخاخ المنصوبة له برؤى جادة وثابتة تؤطر لهذه الحلقة الشيطانية والمتكررة التي تربط بين الأداء الداخلي وسياسته الخارجية وهي رؤية لا تحتمل إلا شيئاً واحداً قضايانا كيف نعالجها وكيف نصنعها نحن بأنفسنا دون انبطاح أو تردد حتى يعي كل العالم أن السودان يمكنه الخروج من هذا التضييق الدولي إلى الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع واقع المجتمع الدولي فأمر قيادة العالم بلا منازع تقوده الولاياتالمتحدة.. سؤال أخير يطرح نفسه ما مدى تحقق فرص النجاح أمام رغبة جوبا في مفاوضات جادة من شأنها وقف العدائيات واحترام حسن الجوار وإعطاء كل ذي حق حقه رغم علمنا بأن لجوبا ومن يدعمونها إسترتيجياتهم ومخططاتهم ومواقفهم المستقبلية إن لم تكن الراهنة تجاه حكومة الخرطوم من أجل تنفيذ تلك السيناريوهات الهادفة إلى إسقاط النظام وخلق ما يسمى بالسودان الحديث كبديل.. إلا أنها مخططات وسيناريوهات تفتقر إلى روح الواقعية والتطبيق وفرص التحقق المؤكدة فالسودان الذي يناصبونه العداء قد عرف مستقبله وخطا خطوات ثابتة نحو تحقيق الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية خلف قيادته وقواته المسلحة والتي أظهرتها أحداث هجليج الأخيرة وباتت أقوى وأرسخ من أن تتأثر بذلك الضجيج وتلك الأحداث العارضة.. بل سنطالب وبشدة بتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب لكل من ارتكب جريمة في حق هذا الشعب والأفراد التي دبرها قادة الحركة ومنسوبوها في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور بل وحتى صباح ذلك الإثنين المشؤوم بعده وقبله.. أما الرسالة التي نود أن نوجهها لقادة الجنوب والحركة لعلهم يفهمون أن المفاوضات ونعني هنا مفاوضات الخداع والزيف المشبعة برائحة البارود وروح الخيانة لا تخدم إلا أعداءهم وعليهم أن يمتلكوا الشجاعة واحترام حسن الجوار وأن يوضحوا لكل العالم لا سيما الرأي العام في أمريكا وإسرائيل أن دولتهم الصغيرة التي تربّت في أحضان السودان لن تهدد أمن أحد بدءاً من المفاوضات القادمة بل ستكون عاملاً على تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة هم يعلمون قبل غيرهم أنها لم تعرف السلام طوال عقدين من الزمان؟