في الوقت الذي كان يطالب فيه كثير من الخبراء والسياسيين الحكومة بتخفيض دستورييها ووزرائها وتشكيل حكومة رشيقة كانت الحكومة تذهب في اتجاه آخر وهو طرح حكومة أطلقت عليها حكومة القاعدة العريضة إمعانًا في التوسع. وفي الوقت الذي كانت لا تستمع فيه إلى تلك الآراء المطالبة بالتخفيض كانت الحكومة تطلب من المواطنين شد الأحزمة والتقشف وتفرض عليهم مزيدًا من الضرائب وترفع الدعم عنهم دون أن تمس الدستوريين أو مخصصاتهم سوى النزر القليل بينما كان جل الاهتمام موجه نحو السؤال عن المبالغ المالية الضخمة التي تدفعها الدولة لجيوش الدستوريين الذين يتزايدون عقب كل تشكيل وزاري، برغم الوعود المتكررة برغبة الحكومة في تخفيض أعداد شاغلي المناصب الدستورية، وتحويل فائض ما يُنفق عليهم لخدمات المياه والصحة والتعليم. ولكن ذلك لم يحدث ومضت الدولة في تشكيل جديد كان هو الأعرض من نوعه شمل حسب آخر الإحصاءات التي خرجت من أضابير الحزب الحاكم أمس الأول «178» وزيرًا اتحاديًا ووزير دولة بالمركز و«650» دستوريًا بالولايات وكان لوزير العدل إحصائية قال فيها إن عدد الدستوريين هو تسعه آلاف دستوري سبقها قوله إن ربع الشعب السوداني يحمل حصانات ما يعني بالضرورة أن معظمهم من الدستوريين. وبعيدًا عن مفارقات تلك الأرقام والأهم من كل ذلك أن رغبة التخفيض أضحت رغبة حكومية جامحة وبدأت تلوح في أفق رفضها الشديد السابق رغبة جديدة تدفعها الآن نحو تخفيض عدد دستورييها بعد أن دعت معظم مؤسساتها الى تنفيذ تلك الخطوة حيث دعا وزير المالية لتخفيض الدستوريين وسبقه إلى ذلك البرلمان الذي عارض نوابه العام الماضي مجرد تخفيض مخصصات الدستوريين عندما تحول رأيهم بصورة دراماتيكية في جلسة خصصت لتعديل قانون مخصصات الدستوريين حين أيد المقترح في البداية معظم النواب لكن سرعان ما تراجعوا عن تأييدهم ذاك في نهاية الجلسة ليقفز الأمر الآن للمناداة بتخفيض الدستوريين وليس مخصصاتهم. ووفقًا لما أوردته «الإنتباهة» أمس الأول فإن المؤتمر الوطني يبحث عن وسيلة عاجلة لخفض أعداد الدستوريين وشكل الحزب لجنة لهيكلة الدولة بقيادة أمين التنظيم بالحزب حامد صديق وأشار الخبر إلى أن اجتماع النائب الأول للرئيس علي عثمان مع ولاة الولايات الأسبوع الماضي كان بذات الخصوص وتناول الترهل في حكومات بعض الولايات تحت مسميات عدة من بينها مسمى منصب مستشار الوالي. بند رواتب ومخصصات الدستوريين ظل مثار جدل وتململ من قبل المواطن خاصة بعد افتضاح أمر عقود تحوي مبالغ طائلة يتقاضاها بعض الدستوريين وشاغلي المناصب القيادية مثال لها مخصصات مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية والأمين العام السابق لهيئة الأوقاف ولكن ذلك التململ الشعبي سرعان ما تحول إلى ضجر حكومي بعد توقف إيرادات النفط عن دعم خزينة الدولة. وفيما رأى كثيرون أن احتماء الحكومة عبر شراء الولاءات السياسية وترضيتها لبعض الأحزاب والقيادات هو ما كان يدفعها للتوسع في هياكل الحكم مما يشكل عبئًا وصعوبة أمام رغبتها الآن في تخفيض الدستوريين، يقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير ل«الإنتباهة» إن الحكومة كانت أمامها فرصة ذهبية بنهاية نيفاشا أضاعتها حيث كان الوضع الطبيعي وقتها تكوين حكومة رشيقة وليست حكومة عريضة على مستوى المركز والولايات، وقال إن الهدف الأساسي من الحكومة العريضة كان هو الاستقرار السياسي وليس الاقتصادي وأضاف أن الدعوة لتكوين تلك الحكومة وقتها اصطدم بأهم مرتكزات البرنامج الثلاثي الذي طرحه وزير المالية وأشار إلى أن الحكومة جاءت مترهلة. لكن التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد هذا العام يبدو أنها أوصلت الحكومة إلى قناعة تامة بالنظر للجانب الاقتصادي بدلاً من السياسي الذي كان سائدًا رغم أن هذا التخفيض وفقًا للكثيرين كان أسهل وأيسر قبل تكوين الحكومة الحالية، ويرى الناير أن تخفيض الوزراء الآن ممكن بشرط أن تتم دراسة دقيقة لهيكلة الحكومة وتحديد العدد الفعلي والأمثل للوزراء والولاة من ناحية اقتصادية وعرض ذلك على الأحزاب المشاركة للموافقة عليه وقال إنه وفقًا لنظرية النسبة والتناسب فإنه من الممكن توزيع مئتي حقيبة وزارية وكذلك يمكن توزيع «50» حقيبة ونوّه بضرورة عدم التوسع في الولايات والمحليات دون إجراء دراسة دقيقة لذلك. ويبدو الآن أنه صار من المهم للحكومة كخطوة أولى وقبل كل شيء وكإسهام منها في حل المشكلة الحالية هو أن تسعى بكل جدية لتخفيض دستورييها حتى وإن لم يكن ذلك رغبة منها ليشعر المواطن بأنها حينما تلجأ لرفع الدعم عنه وفرض مزيد من الرسوم انها سعت ولم تُبقِ على حل لم تطرقه.