ماذا أنجزت وأين أخفقت؟، بماذا وعدت وبأي أخلفت؟؟ .. حكومة حرب وحكومة لإسعاف الاقتصاد الوطني؟، ما هو الموقف السياسي لشركاء الحكم، وهل سيقفز الشركاء من السفينة حال خرقها؟.. تحقيق: عادل حسون عندما عينت الحكومة الحالية في الأسبوع الثاني من ديسمبر الماضي كان البعض يسخر منها، من مسماها على وجه التحديد "القاعدة العريضة" وهي تضم بين صفوفها أحزاب ليست "عريضة". فالمؤتمر الوطني أكبر الأحزاب المكونة لها قد يصنف كاتحاد اشتراكي آخر، حزب لبيروقراطيي الخدمة العامة وأجهزة الإدارة الإقليمية. الاتحادي (الأصل) أبرز المنضمين إلى الطاقم الحكومي منقسم إلى بضعة أحزاب من بقي في صف الممانعة منهم عدد غير قليل. وبمضي نحو مائة يوم من إنشاءها تواترت مطالبات المعارضة بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية تضع الدستور الجديد وتعد لانتخابات عامة. غير شكلها واجهت الحكومة عديد التحديات السياسية والاقتصادية فقبل أن تتخطى الربع الأول من عامها الأول شهدت استقالة أحد وزراءها (وزير الصناعة عبد الوهاب عثمان على خلفية تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض للمرة الثالثة لأسباب غامضة). في ذات الفترة فالحكومة في طريقها لتعديل قانون موازنتها العامة وطرحه على البرلمان عقب التطورات الاقتصادية على اثر هجوم دولة جنوب السودان على حقول هجليج النفطية. ويرى الخبراء أن الحكومة ركزت في استنهاض القطاع التقليدي الزراعي رغم أن إصلاحه سيستغرق وقتاً أطول مما يمكن الصبر عليه كما أن تخفيض الإنفاق إن لم يوجه للمنصرفات السيادية فلا معنى له. ويرى آخر أن الحكومة لا برنامج لها ولم تطبق برنامج الرئيس الانتخابي وهي حكومة المؤتمر الوطني بامتياز وإن استغرقت ألف سنة في الحكم وليس مائة يوم. هل جاءت الحكومة عريضة حقيقة؟ حكومات الإنقاذ عديدة منذ 1989م بعد مفاصلة الإسلاميين وقبلها، سنوات مجلس الثورة وما بعدها، لكن الحكومة الحالية "القاعدة العريضة" تميزت عن كافة الحكومات السابقة بل كل الحكومات السودانية المتعاقبة بكونها أول حكومة في السودان بعد انفصال الجنوب، وهي الأكبر في تاريخ السودان من حيث حجم وعدد الأحزاب التي تشارك فيها. فقد ضمت 33 وزيرا اتحاديا و35 وزير دولة، في حين يصل عدد الأحزاب التي تشارك فيها إلى 14 حزبا بخلاف حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأيضاً حركة "التحرير والعدالة" الموقعة على اتفاق الدوحة لسلام دارفور مع الحكومة السودانية وقد نالت حصتها لاحقاً بموجب الاتفاقية. ووصفت الحكومة الجديدة أنها جاءت بنفس الوجوه والأحزاب، إذ احتفظ المؤتمر الوطني بثلثي المقاعد وبقي أكثر من نصف الوزراء القدامى واحتفظوا بعضويتهم في مجلس الوزراء الجديد، برغم وعود التجديد وإتاحة الفرص لقيادات أخرى من الحزب الحاكم. حيث احتفظ كل من وزراء الدفاع، الداخلية، رئاسة الجمهورية، الخارجية، المالية، الكهرباء، العدل، العلوم والتكنولوجيا، الرعاية الاجتماعية، الثروة الحيوانية، والثقافة بحقائبهم الوزارية فيما انتقل عوض الجاز من وزارة الصناعة ليتولى وزارة النفط وكمال عبد اللطيف من وزارة الموارد البشرية إلى وزارة المعادن. واحتفظ "الوطني" بالحقائب المخصصة له في مناصب وزراء الدولة حيث احتفظ بمنصبي وزير الدولة بوزارة رئاسة الجمهورية، ووزير للدولة بوزارة مجلس الوزراء، الخارجية، الإعلام، المالية، النقل والطرق والجسور، التنمية البشرية، ووزير للدولة بالتعليم العالي والبحث العلمي. بينما ترك لأبرز شركائه الجدد الاتحادي الديمقراطي الأصل حقائب وزارات رئاسة مجلس الوزراء، وزارة التجارة الداخلية، ووزارة الشباب والرياضة. وحقيبتين لوزارة الدولة بالزراعة والخارجية. ما هي المشكلات التي تواجه الحكومة؟ تجدد الحرب بفشل التوصل إلى قرارات حاسمة في قضايا معلقة بين السودان وجارته الجنوبية خاصة قضية أبيي. الأوضاع الانتقالية في دارفور. الوضع القابل للاشتعال وتواصل النار في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. الوضع المعيشي المتردي في ظل الارتفاع المضطرد للأسعار، كثرة أعداد المشردين والعاطلين عن العمل. كان وزير الإعلام المتحدث بإسم الحكومة عبد الله مسار قال في أول تصريحات صحفية له إن الحكومة الجديدة هي "حكومة عريضة تقوم على شراكة سياسية ومعطيات وطنية، وستقوم بعمل جماعي لتحقيق المطلوب منها في خدمة الوطن والمواطن السوداني حيثما كان، وفق برنامج وطني". وأكد مسار أن أولويات الحكومة ستكون "حفظ سلامة وأمن البلد، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، وحل القضايا العالقة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والسعي لتوطيد سلام دارفور". حديث الوزير كان يعني بعبارة أخرى أن الحكومة ينتظر منها الصرف على التنمية والخدمات والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والإسكان الشعبي وتشغيل الخريجين ودعم الفقراء. أما تصور الحكومة لما تواجه من مشكلات فجاء في مقدمته "إفشال مخططات الأعداء ومآربهم الاستعمارية". ثم تحديات "زيادة الإنتاج الحقيقي، بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية من حبوب غذائية وثروة حيوانية ونفط ومعادن وإحلال الواردات وزيادة الصادرات". الحكومة وتدابير للمرحلة الحكومة ستعمل على تحقيق مشاركة واسعة من القوى السياسية في القضايا الكبرى، وفي مقدمتها الدستور الجديد عبر مفوضية الدستور. قال الرئيس البشير أمام الهيئة التشريعية في الأسبوع الثاني من أبريل. ووعدت الحكومة بإصدار تشريعات لبسط العدل وتقوية الأجهزة العدلية وتبنى الشفافية ومكافحة الفساد بشتى صوره وألوانه. حكومة المرحلة كما وصفها المتحدث بإسمها وزير الإعلام، تطالبها قوى الإجماع الوطني (تحالف المعارضة) أن تحل نفسها وتكّون حكومة قومية لوضع دستور دائم متراض عليه وحل مشكلات البلاد الأخرى في أطراف البلاد. استقالة وزير وطرح مشروع قانون تعديل الميزانية يسقط الحكومات في الديمقراطيات المعتادة، لكن الحكومة عوضاً عن ذلك قررت التزام الوزراء بالتبرع بمرتب شهر والعاملين بمرتب يومين دعماَ للمجهود الحربي على ما أعلنه وزير المالية عقب اجتماع الوزير والمديرون العامون بالهيئات الحكومية. وتقرر تخفيض كافة المخصصات عدا المرتب للمتعاقدين مع الهيئات والشركات الحكومية بجانب وقف بنود التبرعات وخفض حصة الوقود الأسبوعية بنسبة 50% وحصر كافة بدلات ومخصصات الدستوريين والتي تشمل بدل لبس وكتب ومراجع وتذاكر سفر داخلية وخارجية ليتم إيقافها بجانب منع سفر الدستوريين علي الدرجة الأولى من تاريخه وحتى نهاية العام. أما توابع أزمة استقالة الوزير (عثمان) فقد رحّلت إلى أجل مسمى إذ أصدر المشير عمر البشير رئيس الجمهورية قرارا يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول أسباب تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض برئاسة إبراهيم احمد عمر وعضوية آخرين ترفع تقريرها الختامي لرئيس الجمهورية في موعد أقصاه شهر من بدء أعمال اللجنة في 26 أبريل الجاري. معضلة الاقتصاد: أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د. محمد الجاك يحدد التدهور في مؤشرات الاقتصاد الكلي المتمثلة في معدل التضخم وأسعار الصرف بالنسبة للعملة المحلية ومعدل النمو الحقيقي بجانب قضايا الفقر ومعدلات البطالة العالية. إضافة إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وما أفرزته من صعوبات تمثلت في انحسار الاستثمار الأجنبي. التأثير على معدل التضخم المستورد بحكم أن معظم القطاعات الإنتاجية تعتمد على مدخلات أجنبية تحتاج إلى عملة صعبة. ثم مشكلة الديون السيادية التي قلصت من إمكانية الحصول على القروض الخارجية كمصدر لتمويل المشروعات. القيود على الجانب السياسي ومواصلة المقاطعة وسياسة العقوبات الاقتصادية. أما داخلياً فيقول الجاك في إفادة خاصة أن تدهور القطاعات الإنتاجية التقليدية الزراعة والصناعة وقد أهمل لفترة طويلة ووجه بمشاكل في إصلاح البنيات الأساسية التي تقريباً شبه دمرت. ارتبط ذلك بالانهيار في السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الدولة في العقدين الماضيين للتحرير الاقتصادي وخصخصة مؤسسات القطاع العام وتقليص دورها في الحياة. القطاع الاقتصادي الخاص أيضاً ضعيف وغير مستقل باعتباره محمي من الدولة لفترة طويلة فلا يصبح فاعل ومستقل في المدى المنظور. ويرى الخبير أن البرنامج الاسعافي للاقتصاد يواجه بصعوبات في تنفيذ بعض محاوره خاصة ما يختص بتفعيل القطاعات الحقيقية للإنتاج الزراعة والصناعة بدلاً من تفعيل القطاعات غير الزراعية والصناعية للحل على المدى القصير. أما إعادة الزراعة والصناعة تحتاج إلى وقت طويل فالتركيز على هذه القطاعات سيستغرق زمنا طويلا بعد التدهور الذي الم بها وهذا لا يسعف الاقتصاد على المدى القصير. وعلى الجوانب الإصلاحية وعلى رأسها تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب أفقيا بإدخال بعض القطاعات في الضريبة والإقلال من التهرب والتجنب الضريبي، في ذلك يعلق الجاك بأن توسيع المظلة الضريبية مع تدني دخول الأفراد وزيادة البطالة يصبح العبء الضريبي في اتجاه منخفض بخاصة مع الإعفاءات الضريبية الغير مبررة من اعتبارات اقتصادية وغير اقتصادية لشركات حكومية ولأفراد تؤدي جميعها الاستخدام الأدنى للحصيلة الضريبية على مستوى الإقليم ولا تتعدى في السودان نسبة ال3 %. أما بالنسبة للقروض الدولية فلا تتوفر قروض كافية نسبة لمديونية البلاد المالية وتجعل المؤسسات المانحة لا تتحفز لمنح قروض وحتى القروض الإقليمية من البلدان العربية التي كان معقودٌ عليها الأمل أصبح مردودها ضئيلاً فمثلاً قطر وعدت بتقديم قرض وهذا بحسب تصريحات المسئولين لم يتم في حدود الكمية المعلنة. السعودية التزمت بتقديم قرض عيني كوقود أو أشياء سلعية دون تقديم قرض مادي نقدي يدعم ميزان المدفوعات. أما محور الإنفاق الحكومي وتخفيض المنصرفات فهزم نتيجة لتوسع الهيكل السيادي فبدلاً من أن تكون الوزارة بأعداد منخفضة من الوظائف والمناصب السيادية جاءت الحكومة بتوسعة لهيكلها الإداري بصورة ملحوظة في النفقات كأهم بند فيها الإنفاق السيادي فكأنما الدولة تهزم هدفها بتخفيض الإنفاق الحكومي نفسها بنفسها. وكون الحكومة غدت حكومة حرب فعلياً بعد الهجوم على هجليج في تأثير ذلك على الإنفاق يقول الخبير الاقتصادي بأن عملية تحرير هجليج جاءت بنفقات إضافية غير متوقعة وكذلك بدأت الدولة إعادة النظر في الموازنة العامة باعتبارها موازنة حرب ولأنها كذلك فهذا يهزم كل المبادئ الموضوعة لإسعاف الاقتصاد لأن موازنة الحرب لا تخضع للأدوات الاقتصادية فأي خطوة فيها استثنائية. الاقتصاد يحتاج توفر استقرار أمني وسياسي بالبلاد عبر محاولات مواجهة لإيقاف الحرب وإيجاد وسائل للاستقرار بما يجعل الاقتصاد يدور ويؤدي وظائفه في ظروف عادية يمكن أن يتوقع منه تحسن لكن في أي ظروف غير عادية لا يمكن أن تتحسن المؤشرات الاقتصادية. حكومة شخصيات وتجديد الشرعية: أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. عوض الكرسني فمضى في إفادة خاصة إلى أن هذه الحكومة لو استمرت ألف عام لن تقدم شيئاً ناهيك عن مائة يوم. فهي إلى اليوم لم تناقش برنامج الرئيس والواقع أنها حكومة حيرة إذ أن فشل القوى السياسية والمؤتمر الوطني من بينها للوصول إلى برنامج إنقاذ وطني أدى إلى الاستعانة بهذا العدد الكبير من الشخصيات وليس الأحزاب. ويرى الخبير أن القضية الأساسية هي الأزمة الاقتصادية لكن هناك نزاعاً حول زيادة أسعار المحروقات وهناك نوع من الاستغلال لقضية هجليج وأدى ذلك لمراجعة بعض القرارات التي أكدت وزارة المالية قبل شهور أنها لن تراجعها. الحكومة بحسب الكرسني ليست ائتلافية لأن الائتلاف يقوم على برنامج وهذه حكومة المؤتمر الوطني 100 % والبقية في حكم ال"ديكورات" والدلالة على ذلك سيطرة المؤتمر الوطني على كل الوزارات السيادية ما عدا وزارة واحدة يشغلها من هو أكثر من الوطنيين. أما مؤسسة الرئاسة فبها عدد كبير من المساعدين والمستشارين هم أكثر تناسقاً وكأنها هي الحكومة وهي أكثر عملاً ووجوداً في الساحة وبالتالي هذه الحكومة قامت بلا برنامج وستنتهي بدون برنامج. ويتمنى الكرسني على رئيس الجمهورية قراءة مؤشر الخروج العفوي الجماهيري في جمعة هجليج فهي تمثل فرصة لالتحام الرئيس بالشعب وقد منحت السيد الرئيس شرعية جديدة أتمنى أن يستخدمها في تخطي إطار الحزب الضيق ويشرع في صياغة إجماع وطني حقيقي دون التمسك بحكومة "لحم رأس". في الولايات فالقضية ليست الاستنفار ولكن وجود حكومات ولائية قليلة العدد لا تذهب بالميزانيات إلى مخصصات وامتيازات للسادة الدستوريين. ويعتقد الخبير أن الرئيس يملك الفرصة لتجديد الشرعية بإقالة هذه الحكومة التي لم تقدم شيئاً وربما تؤدي بنا إلى نتائج مؤسفة.